بالصور.. "الفجر" تقتحم شركات تزوير الماجستير والدكتوراه من أمريكا

العدد الأسبوعي

محررة الفجر داخل
محررة الفجر داخل مقر الشركة


إدارة أعمال ومحاسبة وقانون.. «بدون امتحانات وفى 3 شهور بس»

■ أوكازيون الأسعار.. 55 ألف جنيه لـ«الزباين» وخصم خاص لمحررة "الفجر"

■ الشهادات مختومة من "الخارجية" وتضاف إلى "الباسبور".. و"التعليم" لا تعلم شيئا

■ دكتور من جامعة القاهرة يكتب الأبحاث العلمية للطلاب فى 24 ساعة فقط


التزوير أصبح سهلا جدًا، سهلا لدرجة أن أى شيء أصبح عرضة له، الأموال، الوثائق وحتى الدرجات العلمية، قد نختلف على الترتيب من حيث الأهمية لكن لا خلاف على الأضرار، وفى وطن احتل تعليمه مؤخرة قائمة الدول المتقدمة تعليميًا قد يلعب تزوير الشهادات العلمية دورًا مهمًا فى تحديد الطريق فيما بعد، إما سلبًا أو إيجابًا، على الحكومة أن تختار وأن تراقب.


قبل شهر، ظهرت أمامى صفحة ترويجية على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» لشركة مصرية تدعى «ت ل ا»، تواصلت مع المسئول عنها عبر الرسائل لسؤاله عن دورة تدريبية أود الحصول عليها، فأخبرنى أن الشركة تقدم عروضًا خيالية لتنمية قدرات الشباب المصرى، باستخدام أحدث التقنيات التكنولوجية، علاوة على تقديم الدعم للمؤسسات والشركات عن طريق تدريب الموظفين، لضمان تميزها.

وقال لى إن الشركة توفر لروادها العديد من البرامج والدورات بأسعار زهيدة مقارنة بغيرها، مثل كورس «تنمية المهارات الشخصية» الذى تقدمه الشركة بـ1500 جنيه لمدة 5 أيام، بالإضافة إلى برنامج «إعداد المدربين المحترفين»، علاوة على أن الشركة تقدم منحة مخفضة التكاليف للحصول على الماجستير والدكتوراه المهنية المتخصصة، باعتمادات رسمية موثقة، كما تقدم برنامجا متكاملا للدراسات العليا والأبحاث فى العديد من المجالات النظرية عن طريق أنظمة تعليم «أون لاين».

على الفور اتصلت برقم تليفون الشركة لمعرفة التفاصيل، وفى اليوم التالى وصلت وزميلى المصور إلى مقر الشركة فى الميعاد المحدد.

يضم مقر الشركة العديد من اللافتات الدعائية، والحوائط تزينها بعض شهادات الماجستير والدكتوراه معلقة عليه، يمين المكتب يوجد ممر طويل به عدة غرف للمحاضرات، لاحظت الفتاة انشغالى وزميلى بمعرفة تفاصيل المكان فحاولت الاستحواذ على انتباهنا، قالت «أهلا وسهلا، شرفتونا.. أنا هدير اللى كلمتك فى التليفون»، ابتسمت إليها وبدون مقدمات طلبت منها أن تخبرنى بتفاصيل المنحة مخفضة التكاليف التى توفرها الشركة للحصول على الماجستير والدكتوراه.

هدير قالت: المنحة تقدمها جامعة فلوريدا الأمريكية للعلوم، فى مجالات إدارة الأعمال والمحاسبة والقانون سواء كان دوليًا أو جنائيًا، فأخبرتها بأننى أحتاج هذه الشهادة فى فترة زمنية قصيرة؛ لرغبتى فى أن أقدمها لإحدى الشركات الكبرى بهدف الحصول على وظيفة محترمة براتب شهرى كبير، فاعترفت بأن المنحة المكثفة مدتها 6 شهور، أما المنحة غير المكثفة فمدتها 9 شهور، وفى كل الحالات يتسلم الدارس شهادته خلال 3 شهور فقط، حتى قبل أن يكمل منحته!.

وعندما طلبت منها الحصول على الشهادة فى مدة أقل ردت: «أنا مش بطبعها عندى يا أستاذة، ده ورق بييجى من الجامعة من أمريكا»، بهذه الجملة أحضرت موظفة الاستقبال لى ملفا مليئا بالأوراق والشهادات المختومة الموثقة، وبدأت فى عرض هذه الشهادات لى، فوجدت أغلب الشهادات مختومة من جامعة فلوريدا الأمريكية للعلوم، علاوة على بعض الشهادات المختومة من بيت العدل الأمريكى، وقنصليات بعض الدول العربية والأوروبية، فوجدت شهادات ماجستير ودكتوراه موثقة ومعتمدة من وزارة الخارجية السعودية ولكن بمصاريف إدارية إضافية لا تزيد على الـ500 دولار، وكل الشهادات تحمل توقيعات أساتذة ودكاترة من «فلوريدا للعلوم»، وزيادة فى الاطمئنان أبلغتنى هدير أننى سأحصل على كارنيه معتمد يؤكد حصولى على درجة الماجستير أو الدكتوراه من خارج مصر.

المفاجأة الحقيقية كانت عندما أخبرتنى الفتاة بأن الشركة تستطيع أن تضيف هذه الشهادة التى سأحصل عليها إلى جواز السفر «الباسبور»، ليس ذلك فحسب، بل إنها تستطيع أيضًا أن توثق لى شهادتى من أى قنصلية أو سفارة حول العالم، أو من وزارة الخارجية المصرية نفسها، وتأكيدًا على ذلك عرضت لى شهادة دكتوراه موثقة ومختومة من «الخارجية»، أمام كل ما عرضته لى من شهادات تظاهرت بالسعادة والاقتناع والاطمئنان، ووافقت أن أحصل على درجة الماجستير والدكتوراه من الشركة.

شرحت لى هدير كل شىء، فقالت حتى تحصلى على شهادة الماجستير يجب أن تجتازى 14 دبلومة، كل دبلومة ستدرسى فيها مادة واحدة، بالإضافة إلى تقديم بحث فى آخر المنحة مكون من 100 صفحة، والتكاليف 35 ألف جنيه للمنحة المكثفة 3 شهور، 45 ألف جنيه للمنحة المكثفة 6 شهور، و55 ألف جنيه للمنحة غير المكثفة 9 شهور، فأخبرتها بعدم رغبتى فى المذاكرة والدراسة، فابتسمت لى وقالت: «ماتقلقيش.. أنا هديكى درجات عالية من الشركة هنا بكل سهولة، فنحن من نرسل نتيجة الـ14 دبلومة والبحث للجامعة فى أمريكا، وهنظبطك»، فأبديت قلقى وتخوفى من البحث، وقلت لها إنه سيكون أمرًا شاقا بالنسبة لى، فطمأنتنى واعترفت لى بأن الشركة تتعامل مع أحد دكاترة جامعة القاهرة، ليساعد الطلاب فى كتابة البحث خلال 24 ساعة فقط، وقد يتطور الأمر إلى كتابة الدكتور بنفسه للبحث ووضع اسم الطالب عليه، وأضافت: «كده كده مفيش اختبارات من الجامعة، طالما إحنا كشركة اعتمدناك ما تخافيش.. هتاخدى الماجستير والدكتوراه يعنى هتاخديها».

وتابعت هدير: أما عن الدكتوراه، فهى عبارة عن 24 دبلومة، كل دبلومة هتدرسى فيها مادة واحدة وفى نهاية المنحة مطلوب تقدمى 3 أبحاث، وبنفس تكاليف الماجستير، فسألتها.. لماذا كلما زادت المدة زادت التكاليف؟، فأجابت: لأن الطالب بيكلف الشركة مصاريف دكاترة ومحاضرات إضافية، لو أخذها فى فترة قليلة مش هتكلفنا كتير، لكن أغلب الطلاب بيفضلوا المنحة المكثفة 3 شهور؛ لقلة تكاليفها ولاحتياجهم الضرورى لها لتقديمها فى العمل أو للسفر للخارج، وأخبرتنى أنها ترسل أوراقا جديدة لجامعة فلوريدا كل أسبوع، لتحفزنى على تقديم أوراقى فى أسرع وقت لترسلها للجامعة.

طلبت منها مجددًا أن أحصل على الشهادة فى مدة أقل، فقالت إنها تستطيع أن تحضرها لى خلال شهرين، ومن الممكن أن تعتمد جامعة فلوريدا أوراقى فى وقت أقل من ذلك، موضحة أن هذا وقت قليل جدًا مقارنة بما يقضيه الطالب فى جامعة القاهرة، التى تمنح درجة الماجستير فى مدة لا تقل عن 3 سنوات وبتكلفة أكثر من 100 ألف جنيه، وأكدت لى أنها تعاملت مع طالب حصل على الماجسيتر من جامعة القاهرة، ثم أتى إلى الشركة للحصول على الدكتوراه، فالدراسة بالشركة هى مهنية إدارية وليست أكاديمية، بمعنى أن مدة الدراسة بها قليلة، فالجامعة تنظر فقط إلى الخبرات والدبلومات التى حصل عليها الطالب من الشركة دون خوض أى امتحانات، والشهادة لا تتضمن مدة الدراسة القصيرة.

ولمعرفة تفاصيل أكثر عن الشركة واجهتها بأن بعض أصدقائى أخبرونى أن شركات منح شهادات الماجستير والدكتوراه ليست محل ثقة، على الفور أكدت لى أن الشركة التى أجلس بها لها 3 فروع، وبدأت نشاطها فى مصر قبل 6 أعوام، وعندما سألتها عن تصاريح مزاولة نشاط الشركة من وزارة التعليم العالى، قالت ليس لنا علاقة بالوزارة، فشركتنا لا تتعامل مع أى جامعة مصرية، بل تتعامل مع جامعة فلوريدا الأمريكية للعلوم، وشركتنا هى الوكيل الوحيد للجامعة فى مصر، ولنا سجل تجارى وبطاقة ضريبية، المثير للتساؤلات حقيقة هو، كيف تتعامل هذه الشركة مع «الخارجية» المصرية وتوثق شهادات خريجى جامعة فلوريدا منها رغم عدم وجود علاقة تربطها بـ«التعليم»؟، عندما سألت أحد مسئولى وزارة الخارجية عن ذلك قال إن الوزارة لا تعتمد سوى الشهادات التى تعتمدها وزارة التعليم أو المجلس الأعلى للجامعات، يبدو أن ثمة تزوير فى الأمر.

وأضافت: يلجأ إلينا العديد من رجال الأعمال للحصول على شهادات الماجستير والدكتوراه، فهذه الشهادات تكفل لهم وضعًا اجتماعيًا مميزًا، كما لجأ إلينا أيضًا بعض دكاترة الأكاديمية البحرية، وذات يوم جاءت إلينا طالبة حاصلة على الماجستير من جامعة القاهرة، وحصلت على الدكتوراه من الشركة لتفتتح مركزًا تعليميًا خاصًا لتدريس مواد الماجستير والدكتوراه لطلاب الجامعات الحكومية، رغم أن مالكة المركز حاصلة على الدكتوراه من جامعة فلوريدا، لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن بعض الأطباء من أصحاب المستشفيات الخاصة لا يستطيعون إدارتها إلا إذا كانت لديهم شهادة بإدارة الأعمال، لذلك يلجأون إلينا للحصول على هذه الشهادات، وكذلك دكاترة التنمية البشرية.

اتفقت مع زميلى المصور قبل ذهابنا إلى الشركة أن يقول إنه لم يكمل دراسته، وترك الجامعة قبل أن يجتاز الفرقة الثالثة بكلية التجارة، ليسأل عما إذا كان ممكننا أن يحصل على بكالوريوس فى مدة قصيرة، فأكدت هدير له أنه يستطيع الحصول على شهادة البكالوريوس التى يحصل عليها من الجامعات المصرية فى 4 سنوات خلال 3 شهور فقط من جامعة فلوريدا وبتكلفة 35 ألف جنيه فقط، والأوراق المطلوبة هى صورة بطاقة الرقم القومى وصورة شخصية وصورة من آخر مؤهل حاصل عليه، «لكن المهم أن تعلم أننا لا نمنح شهادات فى الطب أو الصيدلة.. حرام نبقى سببا فى موت الناس، لكن إدارة الأعمال أو القانون مقدور عليهما»، وعدناها بأن نجهز أموالنا وأوراقنا سريعا لنحصل على البكالوريوس والماجستير والدكتوراه من جامعة فلوريدا الأمريكية للعلوم.

وقبل مغادرتنا لمقر الشركة قالت لى هدير بصوت خافت: إذا أحضرتى لنا عددا جيدا من أصدقائك ستحصلين على خصم كبير جدًا، وفى اليوم التالى أخبرتها أن إحدى صديقاتى خائفة من الشركة، وطلبت منها أن ترسل لى الشهادات التى عرضتها على أثناء المقابلة حتى أرسلها لصديقتى لتصدق أن الأمر حقيقى، فكانت آخر المفاجآت عندما أرسلت لى هدير بالخطأ صورة لورقة بيضاء فارغة مختومة بخاتم وزارة الخارجية المصرية، كيف خُتمت الورقة الفارغة من «الخارجية»؟