في ذكرى ميلاده.. 3 بطولات في حياة "رفعت جبريل" ثعلب المخابرات المصرية

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


"استطعت أن أضع كرسيًا للرئيس أنور السادات في اجتماعات المتآمرين ضد مصر".. بتلك الكلمات تحدث البطل الراحل الفريق أول "رفعت جبريل" عن نفسه، الرجل الذي لقبه الموساد الإسرائيلي بـ"الثعلب" نظرًا لعملياته التي استطاعت الانتصار على جهاز المخابرات الإسرائيلي.

محمد رفعت إبراهيم جبريل، ابن قرية شبرا أوسيم، التابعة لمركز كوم حماد، بالبحيرة، ولد في مثل هذا اليوم 15 مارس 1928 تخرج في الكلية الحربية، وبدأ مسيرته العسكرية ضابطًا بالمدفعية وانضم إلى تنظيم الضباط الأحرار قبل ثورة يوليو، ثم إلى المخابرات العامة المصرية عقب إنشائها مباشرة، وتولى خلال عمله بالمخابرات مقاومة الجاسوسية، فتخصص في النشاط الإسرائيلي ثم تدرج في الترقي إلى أن تولى منصب مدير مقاومة الجاسوسية، ثم رئيسًا لهيئة الأمن القومي.

كان لـ"الثعلب" الكثير من العمليات التي انتصر فيها على رجال الموساد، وتخليدًا لذكرى ميلاد البطل رصدنا خلال السطور التالية بعض من الحكايات البطولية لصائد الموساد.


القبض على باروخ مزراحي
ومن العمليات المهمة في تاريخ المخابرات عملية القبض على الجاسوس الإسرائيلي باروخ مزراحي كونها أكثر العمليات إثارة في مسيرة رفعت جبريل، فكانت إسرائيل كلفت جاسوسها "مزراحي" بالسفر إلى اليمن على أنه دبلوماسي كويتي، واشتبه فيه بعض ضباط الأمن في اليمن وألقوا القبض عليه وبتفتيش منزله عثر معه على أفلام وصور لبعض القطع الحربية التي تعبر من مضيق باب المندب، وعندما اعتقل وتم استجوابه اختلق قصة أنه كويتي ويعمل في جريدة.. وبالتحري عن اسمه لم يجدوا له أي بيانات.

 لم تستطع السلطات اليمنية استجوابه، فتم الاتصال بجهاز المخابرات المصرية وسافر "جبريل" لاستجوابه، وقال عن هذه العملية أن "مزراحي" اعترف بكل شيء فور علمه أنه ضابط مصري، لأنه يعلم جيداً أن الجاسوس المصري ونظيره الإسرائيلي "دارسين بعض كويس" على حد تعبيره.

ثم قام جبريل بتسلم "مزراحي"، فأرسلت إسرائيل وحدات كاملة وراءه لإنقاذ ضابط الموساد، لكن البطل المصري رفعت جبريل عبر الصحراء والوديان حتى وصل إلى البحر، وهناك تم رصده ولاحقته المقاتلات الإسرئيلية، ولم يستطع جيش الاحتلال إنقاذ ضابطه، وفي 3 مارس 1974 تمت مبادلة "مزراحي" بـ 65 فدائيا فلسطينيا واثنين من الجواسيس المصريين، هما "عبد الرحيم قرمان (عابد كرمان) و"توفيق فايد البطاح".

اختراق الاجتماعات السرية للمتآمرين على مصر
العملية الأهم في تاريخ "الثعلب" كانت عملية اختراق أحد المقرات السرية للموساد الإسرائيلي في أحد العواصم الأوروبية، وكانت تلك العملية التي تحدث فيه عن نفسه قائلًا: "وضعت فيها كرسياً للرئيس السادات على طاولة الاجتماعات للعدو".

بدأت العملية حينما أحس السادات أن بعض المعلومات السياسية والعسكرية الدقيقة جدًا كانت تصل إلى إسرائيل رغم تداولها بين أشخاص معدودين، واستدعى وقتها أحمد إسماعيل، رئيس الجهاز، الذي أصبح وزير حربية فيما بعد وقال له : أريد أن تضعوا لى كرسياً فى هذه الاجتماعات". 

وطلب اسماعيل من رجاله أن يتحققوا من الأمر وقال له جبريل إمهلني شهرين فقط لدراسة الموضوع، وعرف أن هناك شقة في أحد أحياء العواصم الأوربية تشهد اجتماعات لجهاز الموساد للتخطيط ضد مصر.

وسافر "جبريل" إلى العاصمة الأوربية واستأجر محلاً بجوار الشقة التي تعقد فيها الاجتماعات، واستطاع تجنيد زوجة حارس العقار، بعد أن أوهمها هو وفريقه أنهم يريدون سرقة شقة بالعمارة، وهددوا بإخبار زوجها بخيانتها له بعد مراقبتهم إياها واكتشاف أمرها.

وبالفعل استطاعوا دخول الشقة وزرع أجهزة التصنت بحرفية ودقة عالية بمساعدة الفنيين الذين وصفهم "الثعلب" بأنهم "عيال فراودة"، وبعد نجاح المهمة الخطيرة التي إن كان تم اكتشافها لم يكن أحد منهم عاد إلى مصر مرة أخرى لأن الدولة التي تمت فيها عملية التنصت كانت تطبق عقوبة الإعدام على من يستخدم أراضيها للتجسس، ولكن عاد "جبريل" إلى مصر بعد أن استطاع تسجيل 4 شرائط كاسيت لهذه الاجتماعات السرية.

استطاع بعدها الرئيس السادات تحديد الدولة الجاسوسة التي تنقل أسرار مصر إلى إسرائيل، ثم استخدمهم بعد ذلك لتسريب معلومات خاطئة، ولولا نجاح هذه العملية كان من المؤكد فشل حرب 1973.

القبض على هبة سليم
 استطاع الثعلب أيضًا خداع أبرز الجواسيس الذي اعتمدت عليهم إسرائيل وهي "هبة سليم" المصرية التي استطاعت تجنيد خطيبها فاروق عبد الحميد الفقي اللواء بالجيش المصري، لنقل معلومات سرية للموساد، حيث قام بأخبارها أن والدها مريض واستدرجها حتى مطار ليبيا، ثم تم القبض عليها وتسليمها للمخابرات المصرية، وتم إعدامها بمصر بعد اعترافها بالتجسس لصالح إسرائيل.

هبة سليم، كانت من أبرز الجواسيس الذين كانوا يعتلوا مكانة كبيرة داخل اسرائيل، قيل إن رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير بكت حزنًا على مصيرها، ووصفتها بأنها "قدمت لإسرائيل أكثر مما قدم زعماء إسرائيل"، وعندما جاء هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي ليرجو السادات تخفيف الحكم عليها، كانت هبة تقبع في زنزانة انفرادية لا تعلم أن نهايتها قد حانت بزيارة الوزير الأمريكي، حيث تنبه السادات فجأة إلى أنها قد تصبح

عقبة كبيرة في طريق السلام، فأمر بإعدامها فورًا، ليسدل الستار على قصتها ليكون الثعلب سبب رئيسي في القبض على تلك العميلة.

وبعد الحياة الحافلة بالإنجازات والبطولات، اختار "ثعلب المخابرات المصرية" العودة إلى كوم حمادة بالبحيرة، دون مناصب أو مواكب إلى أن وافته المنية في ديسمبر 2009.