هل كان نجاشي الحبشة يتكلم العربية ؟

منوعات

نجاشي الحبشة - ارشيفية
نجاشي الحبشة - ارشيفية


في قصة هجرة المسلمين للحبشة لاحظنا أن الرواة لم يذكروا ترجمانا بين جعفر أو عمرو بن العاص في حوارهما مع النجاشي .. فهل كان النجاشي يتكلم العربية؟

لاحظنا في قصة هجرة المسلمين إلى الحبشة أن الرواة لم يذكروا ترجمانا بين جعفر بن أبي طالب أو عمرو بن العاص في حوارهما مع النجاشي، كما أن النجاشي وأساقفته بكوا بعد سماعهم القرآن، ومع أن قراءة القرآن لها أثر على قلب كل من يسمعها حتى لو لم يكن يفهم العربية، فإن البكاء الجماعي والإدراك للمعاني الذي وصل به النجاشي إلى قناعات تؤكد له صدق النبي صلى الله عليه وسلم ليدفعنا إلى الجزم بأن أهل الحبشة –  وخاصة العلماء ورجال الدولة –  كانوا يعرفون العربية.

وهذه بعض الملاحظات في الروايات الخاصة بهجرة الحبشة تؤيد ذلك:
أولا: أن النجاشي في كلامه مع المسلمين ذكر بعض الكلمات الحبشية، ثم ذكر الرواة معنى هذه الكلمات بالعربية، مما يؤكد أن الحوار كان في معظمه بالعربية باستثناء بعض الكلمات؛ وهذا مثل ما روته أم سلمة رضي الله عنها في قول النجاشي: «فَأَنْتُمْ سُيُومٌ بِأَرْضِي»، ثم قالت أم سلمة: والسيوم يعني الآمنين، وكأن النجاشي لم تُسعفه لغته العربية بمعنى كلمة الأمان فقالها بالحبشية، وأدرك معناها المسلمون، وقد تكرر هذا  الأمر في كلمات أخرى خلال الحوار.

ثانيا: من يقرأ تاريخ الحبشة، يجد أن الحبشة كانت تحتل اليمن فترة طويلة من الزمن؛ ومعنى هذا أن التعايش بين الإقليمين لسنوات طويلة قد علّم كل فريق لغة الفريق الثاني.

ثالثا: كانت مدة إقامة الصحابة بالحبشة قرابة عشر سنوات، ولم نسمع أو يذكر لنا الرواة عن وجود مشكلات بين الصحابة المهاجرين وبين أهل الحبشة من جرّاء اللغة المختلفة، ويبدو أن اللغة العربية كانت دارجة في هذه المنطقة، خاصة الساحل منها؛ وذلك لطبيعة قربها من أرض العرب فضلا عن عمليات التبادل التجاري بين الإقليمين.

رابعا: علماء اللغة يذكرون أن منشأ العربية والحبشية قريب للغاية ومن ثَمَّ فتعلُّم كلِّ فريق للغة الآخر ليس صعبًا، وهذا ما دفع كثيرًا من المفسرين إلى القول: إن هناك كلمات كثيرة في القرآن نزلت بلسان الحبشة، فمثلا كلمة: «أَوَّاهٌ» في قوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ}[التوبة: 114] قال أبو ميسرة: تعني الرحيم بلسان أهل الحبشة، وقال عكرمة في تفسير قوله تعالى: {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ}[النساء: 51] قال: الجبت: بلسان أهل الحبشة شيطان، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتحدَّث عن علامات الساعة الصغرى «وَيَكْثُرُ فِيهَا الهَرْجُ»[1]. وقال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه تعليقًا على الحديث: «والهرج بلسان أهل الحبشة القتل».

فكل تلك الملاحظات تدفعنا إلى الجزم بأن أهل الحبشة – وخاصة العلماء ورجال الدولة – كانوا يعرفون اللغة العربية.