هل تعلم من الذي قتل القائد المجاهد سيف الدين قطز ؟

منوعات

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية


حقق القائد المجاهد سيف الدين قطز الانتصار العظيم على جحافل التتار في المعركة الخالدة عين جالوت، وطاردهم إلى دمشق ومدن الشام، ثم أخذ طريقه إلى مصر، وفي طريق عودته حدثت الفاجعة التي أذهبت لذة النصر من قلوب المسلمين؛ حيث قُتل القائد المظفر قطز !

ركن الدين بيبرس في قفص الاتهام:
المشهور عند الناس أن مَنْ قتل قطز هو الظاهر بيبرس، وأصل هذا الكلام رواية واحدة تناقلها المؤرخون؛ ومن ثم اجتمعوا كلهم على رأي واحد، وهو أن بيبرس البندقداري هو الذي قتل المظفر قطز؛ فيقول الإمام الذهبي في كتاب تاريخ الإسلام: «تولى قتله ركن الدين البندقداري في المنصورة، وأعانه جماعة أمراء. وبقي ملقى، فدفنه بعض غلمانه، وصار قبره يُقصد للزيارة، ويُترحَّم عليه».

ولكن هذا الاتهام البشع لا ينبغي توجيهه إلى قائد مجاهد مثل الظاهر بيبرس بناء على رواية واحدة تناقلها المؤرخون؛ فإننا عندما ننقد الحدث التاريخي ينبغي أن ننظر في سيرة الشخص الموجَّه إليه الاتهام، وهل يمكن أن يصدر منه ذلك الفعل والسلوك بناء على سيرته، أم أن أخلاقه وسلوكياته السابقة تمنعه من ذلك؟

فالظاهر بيبرس حاز شهادة جمع من المؤرخين بالعدل والإصلاح؛ فيقول ابن تغري بردي: ولما ملك الظاهر بيبرس الديار المصرية، وتم أمره واستفحل أخذ في الجهاد، وفتح البلاد من يد العدو؛ فافتتح غالب بلاد الساحل بالبلاد الشامية، ومهَّد الممالك، وطالت أيامه وحسنت. وهو الذي استجد بمصر القضاة الأربعة.

ويقول عنه ابن كثير رحمه الله: «ثم دخل مصر والعساكر في خدمته، فدخل قلعة الجبل وجلس على كرسيها، فحكم وعدل وقطع ووصل وولى وعزل، وكان شهمًا شجاعًا أقامه الله للناس لشدة احتياجهم إليه في هذا الوقت الشديد والأمر العسير».

كما عُرِف عن بيبرس اهتمامه بالعدل والإصلاحات في البلاد، واهتمامه بشئون الرعية وتيسير الحياة عليهم.
فرجل مثل هذا كيف يُتوقَّع منه أن يقتل سلطانه؛ الذي يدين له بالولاء والطاعة، ومتى؟!

بعد انتصار عظيم قاد فيه هذا السلطان جيش مصر العظيم لوقف زحف التتار!

وهل لو كان بيبرس يأمن جانب الله تعالى وعقابه الأليم على جريمة القتل، أفكان يأمن غضبة الناس والجنود على هذه الجريمة التي ترقى إلى الخيانة العظمى، ولمن؟ لقائد منتصر وهو في طريق عودته لبلاده ليحتفل مع أهله وشعبه بالنصر المبين؟!

ثم إن الظاهر بيبرس قد أنعم الله عليه بعد توليه الحكم بانتصارات على التتار والصليبيين، ومنح دولته قوة عظيمة، وهذه علامة على صلاح الرجل؛ فالله تعالى قال في كتابه العزيز: {إِنَّ اللهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ المُفْسِدِينَ} [يونس: 81]، وهذه سنة إلهية لا تتخلَّف ولا تتبدَّل؛ فهذه الانتصارات على أعداء الأمة، وهذا التمكين الذي وهبه الله تعالى لبيبرس دليل على أنه لم يرتكب مثل تلك الجريمة الشنعاء؛ فالمعارك المصيرية للأمة والتي ينبني عليها انتصار الأمة أو خذلانها يختار الله لها المخلصين من عباده وجنده، لا المجرمين القتلة.

كما أن من أدلة براءة بيبرس من ذلك الاتهام الشائن معاصرة سلطان العلماء العز بن عبد السلام للأحداث، ومع ذلك لم يُؤْثَر عنه أنه أنكر عليه، على الرغم من أن الشيخ معروف بشدة إنكاره على الحكام في الظلم والاعتداء والمنكر، ومواقفه مع الملك الصالح نجم الدين أيوب معروفة، وفتواه ببيع أمراء المماليك مشهورة كذلك.

ولكن يبقى السؤال مستمر: من قتل قطز؟
الواقع أن هناك جهات عديدة لها مصلحة في قتل قطز؛ منها:

1- التتار: الذين ذاقوا الهزيمة على يديه منذ أيام قلائل، ويُفَكِّرون في العودة مرَّة أخرى واحتلال مصر والشام؛ لذا يجب التخلُّص من هذا البطل.

2- الصليبيون: الذين يخشون أن يستقرَّ حكم قطز فيلتفت إليهم قريبًا ليُحَرِّر المدن الإسلامية التي يحتلونها في الشام.

3- أنصار الدولة الأيوبية: الذين ساءهم أن ينتهي الحكم الأيوبي لمصر والشام، ويرون في وجود قطز –خاصة بعد انتصاره على التتار- وأدًا لإمكانية عودتهم للحكم مرَّة أخرى.

إذن يمكننا أن نرى الآن أن الظاهر بيبرس بريء تمامًا من تهمة قتل قطز، وأن هناك مستفيدين كثير من قتل قطز، أمكنهم أن يُرسلوا خلفه مَنْ يتبعه في طريق عودته إلى مصر ويُغافله على حين غرَّة، ليقتله، ولكن في ذمة الله.