أوراق التاروت.. وسيلة "النصب" علي الطبقات الراقية

منوعات

بوابة الفجر


إن الإنسان بطبعه "خُلق هلوعًا"، إذ أنه مصاب بمتلازمة شغف معرفة المستقبل وما ينتظره من قدر، إعتقادًا منه بأن اطلاعه على مستقبله سوف يشعره بالاطمئنان، فاختلفت الوسائل التي لجأ لها لمعرفة الطالع، فمنهم من اتجه لتفسير حركات النجوم، تخصيص علم لذلك "علم الفلك"، ومنهم من يلجأ إلى الشعوذة وقراءة الكرة البللورية أو ضرب الودع، ومنهم من يلجأ إلى أوراق تحمل رموزًا مبعثرة قد لا يوجد لها مدلول أو قاعدة ثابتة تُدعى "التاروت".

أصل التاروت
اختلفت الآراء حول الموطن الأصلي للتاروت، فهناك رواية بأن التاروت ظهر بداية في أوروبا، حيث ظهرت أولى مجموعاته في الفترة بين 1410 و1430 م في مدينة "ميلان" الإيطالية.

وهناك رواية أخرى تُرجع أصول التاروت إلى أنه جاء من الحضارة المصرية القديمة، إذ استخدمه كهنة المعابد لتدوين أسرار حضارتهم في شكل رموز اعتقادًا منهم بقرب انتهاء تلك الحضارة، ولكن استُبعد هذا الاعتقاد بعد اكتشاف شامبليون لحجر رشيد وفك رموزه، كما كان المصري القديم لا يهوى ثقافة الترحال، حيث أن التاروت انتقل إلى أوروبا بفعل الترحال.

وفي رواية أخرى ذُكر بأن التاروت قد انتقل إلى أوروبا عبر قبيلة من الغجر قادمة من بلاد الشرق "الهند" عبر بلاد فارس وقامت بتصدير الشكل الأولي للتاروت، حيث استخدمه الغجر في قراءة الطالع والمستقبل من خلال الصور الموجودة على تلك الأوراق والتي تدعى "أتونس القديمة".

كما أن هناك نظرية تصدق ظهور التاروت في أوروبا في عصر التنوير في الفترة ما بين القرن الرابع عشر والسابع عشر، وذلك على يد جماعة من "الأرديين" الذين قاموا بتسجيل معتقداتهم على 22 لوحة تشبه بطاقات التاروت، والتي تُدعى "الرواق الكبير"، حيث يقول دارسي الكابالا بأن الـ 22 رسم لتلك الطائفة الأردية يُعتبر نظام متناسق مع الـ 22 حرف للأبجدية العبرية.

سبب التسمية
تباينت أسباب تسمية التاروت، حيث قيل بأن كلمة تاروت مركبة من كلمتي "تا"، و"رو"، والتي تعني بالهيروغليفية الطريق الملكي، كما قيل بأن تاروت هي كلمة مشتقة عن "التوراة"، وأرجع البعض سبب التسمية للحضارة الهندية، حيث يرمز اسم "تارا" لاسم أم الآلهة الهندوسية، أو أن كلمة "تارو" والتي تعني البطاقات والأوراق، فيما قال البعض الآخر بأن كلمة تاروت مأخوذة من "روتارو"، والتي تعني باللاتينية الدائرة، وأخيراً نُسب التاروت إلى نهر "تارو" المار بإيطاليا، حسب ما يُعتقد أنه المكان الذي انطلق منه التاروت.

أوراق التاروت
التاروت عبارة عن مجموعة تتكون من 72 ورقة، كل ورقة منهم تحمل صورة رمزية ورقم، لكل منهم دلالة معينة، حيث تنقسم إلى مجموعتين، الأولى تتضمن 56 ورقة وتسمى "السر الأصغر"، والأخرى تضم 22 ورقة وتسمى "السر الأكبر"، أو الأوراق الرابحة.

إذ أن "روت" واحد من أقدم الكتب المبتكرة والذي يأتي بهيئة تختلف عن بقية الكتب، حيث أنه عبارة عن مجموعة من أوراق اللعب المبنية على الرموز، الاستعارات والرسومات التي تعبر عن أشياء عامة يفهمها الجميع، فهي رموز مُتفق عليها في كل اللغات والثقافات والتي ترمز لأفراد.

كما يعتقد البعض بأن نظام الأرقام العبرية الذي يظهر في أوراق التاروت يرجع إلى فلسفة "الكابالا" اليهودية القديمة، والتي كانت هي الملهم والأب الروحي لفلسفة التاروت.

وقد اتسمت أوراق التاروت بأن رسومات بطاقات "السر الأصغر" تعبر عن السمات والمميزات التي تعبر عن الإنسان، بينما الـ 22 ورقة الخاصة بمجموعة "السر الأعظم" ترمز إلى العلاقة الأزلية بين الخير والشر، والتي تسعى إلى مفهوم الفضيلة.

مفهوم التاروت
ويتضح منها أن القدماء قد عبروا عن تكوين الإنسان وحياته من خلال العناصر الأربعة المكونة للطبيعة "الماء، الهواء، النار، والتراب"، إذ يقوم التاروت على فرضية أن لكل إنسان عالمه الخاص، والذي يتصل فيه أيضًا بالعالم الخارجي من حوله، حيث أنه خلق ليكون بينه وبين أقرانه من بني البشر علاقات اجتماعية ولا يمكنه العيش وحيدًا، وذلك في إطار بيئته، ولكن هناك قوانين معينة تحكمه لكي يجد من يحقق له الأشياء التي لا يمكنه فعلها وحده، وهو ما يؤول لفكرة "هل الإنسان مسير أم مخير؟".

استخدام التاروت في التكهن
استخدم العرافون التاروت في التنجيم عن المستقبل، حيث يعتبر العراف أن قراءة التاروت العين التي يمكنه من خلالها معرفة الحالة النفسية، العاطفية، والروحية للشخص الذي أمامه، كما يعتمد العراف على قراءة حالة العقل أيضًا، وذلك استنادًا على نظرية أن الحياة تجارب مكتوبة ومرسومة.

قراءة التاروت
يوجد طريقة معروفة لدى قارئي التاروت، حيث يُطلب من الشخص أن يختار بطاقة بطريقة عشوائية حتي يتم تزويد الأوراق بقوة الشخص النفسية، إذ أن قارئ التاروت يسعى لاكتشاف شئ ما في شخصية من أمامه كي يستطيع أن يتصل به روحانيًا .
وهناك طريقة أخرى بأن يقوم قارئ التاروت بترصيص البطاقات على أشكال معينة كالصليب أو الدائرة، أو وضع عدة صفوف من البطاقات على هيئة أشكال مختلفة حتى يتحقق إدراك أفضل للقارئ لمعرفة مستقبل الشخص الذي أمامه.

ومع اختلاف المفاهيم لرموز ودلالات التاروت، ومع اختلاف وسائل قراءته، إلا أن المنجم قد يكون شخصًا ذا بصيرة أو حدس وفراسة تؤهله لقراءة الشخص الذي أمامه. 
التاروت هو وسيلة راقية لضرب الودع، تصلح للمثقفين واصحاب المستوي الراقي من المجتمع، فلا وسيلة لمعرفة الغيب، بل يقوم بتهيئة الشخص الطالب لقراءته وباستخدام أساليبه الإقناعية بأن تلك الأوراق ستساعده على فهم نفسه أو معرفة مستقبله، وإن دلت تلك العملية على شئ فهي تدل على أن ذلك الاستقراء ما هو إلا رأي شخصي للمنجم، وأن تلك الأوراق ما هي إلا وسيلة هزلية تستخف بعقول من يُقبل عليها.