ديليس صانع كعكة زفاف الملك "فاروق"

منوعات

ديليس بالاسكندرية
ديليس بالاسكندرية


في قلب الإسكندرية " عروس المتوسط " وثاني كبرى المدن المصرية، وفي مواجهة ساحلها الحالم يستلقي حلواني ومقهى "ديليس" مناجيا كورنيش محطة الرمل منذ عام 1907م، وهما يتبادلان حكايات العشاق الذين حفروا قصصهم على جدرانه.

" ديليس" اسم فرنسي يعنى البهجة أو المتعة، وهو يُعد من أكبر مقاهي الإسكندرية المعروفة عالميًا وأحد أشهر أماكنها السياحية. 
كذلك يعتبر " ديليس" من أهم المعالم اليونانية في المدينة العريقة، لكونه يروي لسان حال جالية عشقت الإسكندرية وعشقها السكندريون.

 فحتى اليوم لا يزال السكندريون يحرصون على تذوّق أطايب " ديليس" اليونانية مثل "الموساكا" و"الفينيكيا" علهم يستعيدون مذاقات الزمن الجميل.

ولا تزال واجهات "ديليس" الزجاجية، كما عهدها السكندريون منذ افتتاحه من أكثر من مائة عام، تخلب الأنظار بمعروضاتها الشهية، من سلال الشيوكولا وكعكات الزفاف ذات الأدوار المتعددة والزينات التي ترافق كل مناسبة سواء كانت مسيحية أو إسلامية.

مؤسس " ديليس " هو اليوناني "كلوفلوس موستاكاس" في بدايات القرن العشرين، غير أن افتتاحه الرسمي تأخر إلى عام 1922م. 
أعيد افتتاحه مرة أخرى خلال العام الجاري ليقدم أشهى الحلويات الفرنسية واليونانية بالوصفات ذاتها التي اعتاد عليها رواده منذ أكثر من 100 سنة.

كان الخواجة موستاكاس أول من أدخل الآيس كريم بنكهة المستكة، وكانت شهرة حلواني "ديليس" بين أهالي الإسكندرية بأنه مخبز يقدم خبزًا إفرنجيًا لا مثيل له، كما اشتهر ببيع الشيوكولا، والملبّس اللازم للمناسبات الإجتماعية، ومع تقديمه للأيس كريم ذاع صيته بين قاصدي محطة الرمل من سكان الإسكندرية وزوارها.

" ديليس " تديره حاليا السيدة "ألكي أنطونيو" التي ورثته عن جد زوجها "موستاكاس"، والتي ترفض التحدّث إلى الصحف والمجلات بخصوص المحل العريق. 

السيدة إلكي من الجيل الثالث من اليونانيين المصريين، وهي مشهورة بين السكندريين بحزمها وجديتها في العمل، كما أنها سيدة مجتمع بالدرجة الأولى إذ إنها ترأس رابطة النساء اليونانيات بالإسكندرية، وتدير هي وزوجها شركة معكرونة "أنطونيو" الشهيرة التي غزت الأسواق والبيوت المصرية.

بمجرد الولوج إلى عالم "ديليس" السحري من الحلوي، فإنك ستعرف أنه مكان عريق، حيث تزين أركانه صور كعكة زفاف الملك فاروق والملكة فريدة -التي تم خبزها في حلواني "ديليس"- وكعكة حفل تتويجه ملكا لمصر. 

خلال القرن الماضي كان يمكنك أن تشاهد مشاهير الكتاب والفنانين يتناولون فطور "ديليس" الشهي على رأسهم نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم، كذلك من زبائنه الدائمين المطرب العالمي السكندري المولد "ديميس روسوس"، وعدد كبير من الفنانين التشكيليين ونجوم السينما والمسرح في مصر والعالم العربي.

ووفقا لكتاب "A Taste of Alexandria" للدكتور محمد عوض والدكتورة سحر حمودة، ما كانت مختلف مناسبات أسرة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر بالإسكندرية من دون لمسات من "ديليس". 

كذلك شهد هذا المكان العريق معظم حفلات الزفاف وأعياد ميلاد أفراد كبرى العائلات السكندرية، واقترن "ديليس" لدى السكندريين بعادات ومناسبات معينة، بينما ارتبط عند اليونانيين باحتساء القهوة والبسكويت عقب الجنازات الخاصة بهم، أما بعد الأربعين فكانوا يتناولون فيه "البريوش". 

من جهة أخرى، في أوقات الاحتفال بـ "الكريسماس"، و"الميلاد" اعتاد "ديليس" على إنتاج كميات هائلة من حلوى الفينيكا، في حين بالإمكان التعرّف على أجواء "شم النسيم" من خلال المرور أمام واجهة المحل الزجاجية الضخمة التي تزدان ببيض الشيوكولا الملونة الضخمة الذي اعتاد السكندريون على رؤيتها في "ديليس".

ومن أشهر القصص التي ذكرها الكتاب وعُرفت من أحد العاملين اليونانيين في "ديليس"، وكان يدعى "ستيليوس كوموتسوس"، أنه كان مهووسًا بالبحث عن قبر الإسكندر الأكبر والتنقيب عنه لدرجة أن بعض زوار المحل كان يعتقدون أنه سيجده في يوم من الأيام ويصبح أغنى أغنياء العالم.

يستقبل " ديليس " زبائنه بين الحادية عشرة صباحا ومنتصف الليل. وهو يقدم قائمة متميزة لوجبات الإفطار والغداء والعشاء، فاحتساء الشاي مع قطعة من المخبوزات الفرنسية والأوروبية مثل الكرواسان والدانيش أو الميل فوي، والاستلقاء على مقعد خشبي في مقهى "لا فراندا" التابع لـ "ديليس" وسط حديقة صغيرة حميمية تطل على شط الإسكندرية ونسيمه العليل، متعة لا تقدّر بثمن. 

وهي متعة يعرف قيمتها أبناء الجاليات الأجنبية الذين اضطروا لمغادرتها لكنهم يعودون من أجل لحظات يمضونها على رصيف حلواني "ديليس". 

كما يحتضن "ديليس" زواره في صالة الشاي الداخلية الأنيقة التي تعرف باسم " لو صالون " على طاولات متراصة برصانة كلاسيكية تعيدك إلى أجواء القرن العشرين وحفلات الباشاوات.