بداية من المقاهي.. تاريخ "البورصة" المصرية والعالمية

منوعات

مبني البورصة
مبني البورصة


البورصة:

في عام1907 احتلت بورصتي القاهرة والإسكندرية المرتبة الخامسة عالمياً من حيث المعاملات وقيمة التداول، حيث بلغ عدد الشركات المتداولة في بورصة القاهرة  228 شركة ، بإجمالي رأس مال  قيمته 91 مليون جنيه مصري في ذلك الوقت، وفي الأربعينيات احتفظت البورصتان مجتمعتان بالمركز الرابع عالمياً، ففي القرن التاسع عشر تم انشاء بورصة الاسكندرية فى عام 1883 وتلتها بورصة القاهرة عام 1903، وتعتبر البورصة المصرية واحدة من أقدم البورصات التى تم إنشائها فى الشرق الأوسط.

بورصة الإسكندرية:

سوق الإسكندرية  هو من أقدم الأسواق فى العالم، ولقد تمت أول صفقة "قطن" محلية مسجلة فى عام 1885 بمقهى "أوربا السكندرى" بميدان محمد على،  حيث كان تجار القطن يجتمعون ويعقدون صفقات قائمة على العرض والطلب بشأن القطن طويل التيلة أو القطن قصير إلى متوسط التيلة وعلى مدار السنوات امتدت تلك الصفقات لتشمل نوعيات بذور القطن المختلفة مثل، وكان تجار صفقات القطن الأولون يتبعون  صحيفة الأنباء الأوروبية  لكى ترشدهم فى عملياتهم فى المستقبل، وكانت السمعة الطيبة تؤثر على كل حركة، فقد نال مزارعو القطن ثقة المصدرين، حيث كانوا يقومون بتسليمه فى الموعد المحدد ومن ثم كانوا يتسلمون طلبات كبيرة فى الموسم، فكان احترام المواعيد والمصداقية ذاتا أهمية جوهرية إذا ما أرد التاجر تحقيق ربحاً.

انتقالها من المقهى: 

ومن المقهى "لأوروبي السكندرى" انتقل تجار القطن إلى مبنى مجاور وعندما بدأ العمل يتزايد أنشئت "هيئة الإسكندرية للقطن" سميت لاحقاً "بالهيئة السكندرية العامة للغلة" بغرض التجارة فى القطن وبذور القطن والحبوب فى الأسواق الفورية والآجلة.

وفى عام 1899 خلال عهد الخديوى "عباس الثانى" انتقلت إلى مبنى جديد، ومن ثّم أطلق عليها ا"لبورصة" بميدان محمد على، وأصبحت بورصة الإسكندرية إحدى معالم المدينة التى تظهر على بطاقات البريد، والكتب والدليل الإرشادى للمدينة، وأصبحت البورصة بطرق عديدة النقطة المركزية لمجتمع المدينة المالى.

وفى عام 1909 قننت عقود بيع القطن الآجلة لتتوافق مع انتعاش مصر بعد الهبوط الإقتصادى الكبير الذى جلبه الإنهيار المالى لعام 1907، عندما انهارت المؤسسات المصرفية والعقارية للأسواق فى المضاربات، وكان التدخل الحكومى حتى ذلك الوقت غائباً من الناحية الفعلية، ومن ناحية أخرى، ظل السوق الفورى لميناء الباسال معزولاً حتى عام 1931.


سماسرة القطن:

كان سماسرة القطن المسجلين فى عام 1950 35 سمساراً  لم يكن هناك سوى اثنين فقط من المصريين، كما تألف مديرو بورصة الإسكندرية من مزيج غير متساوى من المصريين، والشاميين واليهود وكان رئيسها سورى الجنسية يدعى "جول كلات بك"، وعلى الرغم مما إتسمت به  "الهيئة السكندرية العامة للغلة " مزيج عرقى إلا أن الهيئة كانت قد قطعت شوطاً كبيراً بعد تحكم البريطانين فيها لفترة طويلة من خلال أكبر مصدرين للقطن فى الإسكندرية وهما عائلة "كارفرو" وعائلة "موس"،  ولقد ازدادت قبضة هذين المصدرين على سوق التصدير المربح وذلك بعد أن تزوج أحد أبناء عائلة "كارفر "من وريثه عائلة "موس"، وعلى نحو مماثل، سيطر الأجانب فى الأغلب على مغازل حلج القطن.
 

لجنة القطن المصرية المشتركة:

(لجنة القطن المصرية المشتركة ومعهد القطن) هما مؤسستان موقرتان منضمتان إلى المؤتمر الدولى للقطن، ومع مرور الوقت، أخذ عدد المصدرين الداخلين فى هذه التجارة يزداد ، وكان من بينهم (طلعت حرب باشا، مؤسس مجموعة شركات بنك مصر، ومحمد فرغلى باشا، رئيس هيئة مصدرى القطن بالإسكندرية)،  ومن الخبراء كان من بين الجدد أ(حمد عبد الوهاب باشا وزير مالية سابق) و(فؤاد أباظة باشا مدير الجمعية الملكية الزراعية) وبينما كانت طبقة.

بورصة القاهرة:

كانت اجتماعاتهم غير الرسمية  تقام أيضاً بمقهى "نيوبار" إلى أن الوقت قد حان لكى تنتهج القاهرة نهج الإسكندرية ويكون لها بورصة خاصة بها، حين قام السيد "موريس كاتاوى"  كبير تجار القاهرة لفت انتباه التجار والسماسرة أنه فلقد أصبح من الصعب على رؤساء المنشآت الأجنبية إجراء اتفاقات فى شوارع القاهرة الجانبية أو داخل المقاهى والفنادق بشأن تمويل حكوماتهم لمشروعات تستهدف كسب التأييد وربحية أشخاص بعينهم، وذلك فى ظل وصول عدد الشركات ذات المسئولية المحدودة إلى 79 شركة برأس مال إجمالي بلغ 29 مليون جنيهاً مصرياً، ومن هنا كان ميلاد بورصة القاهرة فى يوم الخميس الموافق 21 مايو 1903 في المبنى القديم للبنك العثمانى ( وهو الآن مبنى جروبى- فرع عدلى) الكائن بشارع المغربى كمقر رسمى- ولكن بصفة مؤقتة- لـ "الشركة المصرية للأعمال المصرفية والبورصة" - المؤسسة حديثاً- شركة ذات مسئولية محدودة، واستأجرت الشركة الجديدة هذا المبنى لمدة ست سنوات غير قابلة للتجديد وبإيجار سنوى بلغ 400 جنيهاً، وفى نفس الوقت تم الإعلان عن مسابقة دولية لتصميم بورصة يكون مقرها المنطقة بالقاهرة، وهز ( مقر البنك المركزى الآن).

 وبعد انقضاء ثمانية عشر شهراً من إعلان السيد "براندن "عن جائزة لتصميم البورصة التى لم يقدر لها أن تعمل، قامت مؤسسة وكلاء العملة بتفويض (المنشأة المصرية) التى يمتلكها (ادوارد معتسك وموريس كاتاوى) بالاشتراك مع إيرنست جاسبار وتشييد مبنى لسوق  الأوراق المالية، المواجة للقنصلية الفرنسية .

ولقد بدأت حركة التداول بالكاد فى إبريل 1909 بشارع البورصة الجديدة عندما أعلن وفاة رائد سياسة عدم التدخل المصرفى والصناعى المعروف "رافئيل سوارس"،  وأغلقت البورصة بقية اليوم ويرجع الفضل بدرجة كبيرة إلى جهود سوارس فى أن يكون للقاهرة فى المقام الأول بورصة، وبسبب وفاته المفاجئ، فانه لم يشهد بعد بضعة أشهر قليلة فرض أول لائحة للبورصة.

وفى عام 1928،انتقلت بورصة القاهرة إلى المبنى الحالى الكائن بشارع الشريفين، وقد قام بتصميم هذا المبنى الجديد بصفوف أعمدته المتعددة المبنية على الطراز المعمارى الإغريقى المحدث المعمارى الفرنسى "جورج بارك " والذى  قام ببناء معظم مبانى القاهرة الأنيقة بما فى ذلك مبنى متجر صيدناوى بميدان خازيندار.

وحيث أن السيد "موريس كاتاوى" الداعم والمناصر الأصلى لبورصة القاهرة قد توفى فى عام 1924، ولم يكن بالطبع ليعرف أن بعد أربع سنوات من رحيله سوف تنقل البورصة موقعها لتصبح كائنة على جزء بطول الطريق حتى ميدان سليمان باشا ( وهو ميدان طلعت حرب الآن)، ولا تزال بورصة القاهرة حتى يومنا هذا محاطة من جانبيها بشارعين جانبين، سمى أحدهما على أسم "موريس كاتاوى" باشا، كتذكرة بمجهوداته الكبرى.


توحيد بورصة القاهرة والأسكندرية:

وظلت حركة التطور فى بورصتى القاهرة والاسكندرية، حتى اصبحتا مجتمعتان من أفضل 5 بورصات فى العالم فى الأربعينات، ومع قيام ثورة 1952 وبدء حركة تأميم القطاع الخاص والاتجاه إلى الاشتراكية فقد تراجع دوره بشكل كبير فقد تضاؤل دور البورصة المصرية بصورة كبيرة، وذلك حتى التسعينات من القرن العشرين، وفى بداية التسعينات بدأت مصر تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادى والذى تضمن تفعيل دور القطاع الخاص مما اعاد إحياء سوق المال المصرى مرة أخرى خاصة مع وضع قانون سوق المال رقم 95 لسنة 1992، وفى عام 1994 تحولت البورصتان من التداول اليدوى إلى استخدام نظام الكترونى للتداول، وفى النصف الثانى من التسعينات بدأت الحكومة فى تطبيق برنامج الخصخصة والذى تم طرح عدد كبير من الشركات من خلال البورصة مما ساهم فى إنعاش السوق بشكل كبير وجذب شريحة كبيرة من المستثمرين إلى السوق المصرى.

 حيث تمثل تلك الفترة البداية الحقيقية لازدهار البورصة المصرية مرة أخرى فى العهد الحديث، وفي عام 1996 بدأت شركة مصر للمقاصة فى مزاولة عملها ثم تلى ذلك خطة شاملة لتطوير وتحديث البنية التحتية والتشريعية لمواكبة التطورات السريعة على الساحة الدولية، حيث أصبح للبورصتان مجلس إدارة واحد، وتم توحيد نظام التداول والمقاصة والتسوية بين البورصتين.


نشأة البورصة العالمية:

أول سوق للأوراق المالية في العالم كان قد افتتح مدينة "بروج"  في بلجيكا عام 1531م، ويقال إن التجار في ذلك الوقت كانوا يفدون، وينزلون بفندق لعائلة تحترف الصرافة، وتسمى "فاندر بورص"  ولعل من أسمهم هذا، اشتقت كلمة "البورصة"، وبداية الأوراق المالية هي  (تذاكر اليانصيب، السندات، الأسهم) عند الظهر، من كل يوم، في مزاد علني، وعلى البائع دفع عمولة لـ "المكتب" عن كل ورقة مالية تباع له.

يأتي الهولنديون بعد70 عاما ليفتتحوا سوقهم في أمستردام عام 1602 تحت جسر "أمستل"، حيث كان الوسطاء يتبادلون أسهم "شركة الهند الشرقية"، ويؤمّنون بذلك الأموال اللازمة لغزو أمريكا،

وفي هذه الأثناء ظهرت بورصة باريس للبضائع، والتي كانت تعمل منذ عام 1304م على جسر يسمى "جسر الصرافة"، وفي عام 1595 ظهرت بورصة ليون الفرنسية الأقدم والأكثر أهمية لمدة طويلة في فرنسا.

أما في لندن، فقد كانت بداية سوق الأوراق المالية، عام 1698م، في "مقهى جوناثان" عندما قرر صاحبه "جوناثان كاستينج"عرض قوائم البضائع والأسهم للمهتمين تحت مسمى "مجموعة الأسهم، حيث بدأت ورصة لندن فلقد وجدت منذ بداية القرن السابع عشر حيث ارتبطت عضويا مع الظهور المبكر للرأسمالية البريطانية.

وعندما ننتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية،  نذكر الشارع الأشهر في الأسواق العالمية وول ستريت، ولم يكن أول سوق أمريكية للأوراق المالية في نيويورك، كما قد يتبادر إلى أذهان العامة، بل كان في فيلادلفيا في عام 1790م.

أما في الوطن العربي، فكانت الإسكندرية تحتضن أول بورصة حيث تمت أول صفقة قطن محلية مسجلة في عام 1885 بمقهى أوروبا السكندري بميدان محمد على.

وفي المملكة العربية السعودية، فقد تأسست أول شركة مساهمة في عام 1354هـ، بعد صدور أول نظام تجاري في المملكة قبل ذلك بأربعة أعوام، لكن نظام الشركات لم يصدر إلا في عام 1385هـ (1965م)، وكان التخطيط لإنشاء سوق المال السعودي قد بدأ منذ بداية الثمانينات، في الوقت الذي كانت هناك 38 شركة مساهمة (عام 1983)، إلا أنه لم يصدر في صورته النهائية إلا في نوفمبر، 2003م، وبدأ في تطبيقه في يوليو، 2004.

ولمدة طويلة بقيت بورصة باريس في المركز الثاني عالميا بعد بورصة لندن، إلا إنها انهارت بعد الثورة الفرنسية، وأخيرا ومع نهاية عقد الثمانينات يمكننا أن نلاحظ بان ترتيب البورصات الدولية قد تغير لصالح الولايات المتحدة واليابان من حيث حجم رؤوس الأموال المتداولة فيها وتعود المرتبة الأولى من فترة لأخرى بالتناوب أما لبورصة نيويورك أو لبورصة طوكيو تاركة ورائها البورصات الأوربية لندن باريس.