"ليبيا".. الطريق إلى المصالحة أم الاقتتال الشعبي

عربي ودولي

علم دولة ليبيا -
علم دولة ليبيا - ارشيفية



جسدًا أرقه التعب والمعاناة حيث فاقت جروحه حصرها، وغرقت أنفاسه تحت مسمى الحفاظ عليه والكل يضع بصمته ويمر سواء كان مروره مرور الكرام أم لا، تجد الكل يحاول غرس أهدافه وطموحه، مهما كلف الأمر من خسائر وعلى الجسد تحمل الصراعات والانقسامات، التي أدت به إلى سرعة احتياجه لعملية مصالحة لأعضائه، علها تفيقه من سباته.

ليبيا، ذاك الجسد العليل الذي ما أن يضمد جرح ينزف آخر، تعيش حالة من الفوضى لم تستطيع تجاوزها منذ إسقاط النظام وحتى الآن، حيث احتدمت الصراعات بين الفرقاء الليبين، ويسير كل طرف من هؤلاء في اتجاه ولا يجدون نقطة التقاء فى ظل سعي حثيث من عدة أطراف دولية لإيجاد مخرج للأزمة، من شأنه انتشال البلاد من حالة الانقسام، حيث خلفت الصراعات بين الأطراف المختلفة حالة من الفوضى تسببت في تأزم الأوضاع وتردي المعيشة داخل البلاد.

وأكد منسق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في ليبيا علي الزعتري، خلال تصريحات سابقة له، أن قرابة 2.4 مليون شخص في ليبيا أغلبهم من المواطنين يعيشون مآسي إنسانية بسبب الأوضاع الراهنة.

وتحتاج ليبيا، لعملية مصالحة وطنية شاملة من شأنها تأمين عملية انتقال ناجحة تنقلها إلى حالة من السلام والاستقرار، فهي تعيش على وقع انقسام سياسي منذ سنتين، فنراها انقسمت في البداية إلى حكومتين وبرلمانين عقب الانتخابات التشريعية، ودفع هذا الانقسام الأمم المتحدة إلى إطلاق مفاوضات تهدف إلى تشكيل حكومة وجيش موحد إلا أن تحديات صعبة تقف بالمرصاد أمام هذه العملية.

ولم تنجح بعض محاولات استعادة وحدة الدولة الليبية وتحقيق التكامل والتنسيق المشترك بين مؤسساتها المختلفة، فالبرلمان المنتخب الذي اتخذ من طبرق مقرًا له، ويجمع رئيسه عقيلة صالح بين السلطتين التشريعية والتنفيذية لا يزال يرفض الاعتراف بسلطة وشريعية الحكومة الانتقالية.

والمجلس الرئاسي الذي يرأسه فايز السراج، والحكومة الانتقالية التي تمارس مهامها من طرابلس لا تستطيع حتى الآن بسط  نفوذها على المنطقة الشرقية، حيث البرلمان المنتخب والعلاقة والصلة الوثيقة بين حفتر ورئيس البرلمان عقيله صالح الذي عينه في طبرق قائدًا عامًا للجيش الوطني في فبراير 2015 بعد رفض السراج تعينه وزيرًا للدفاع في حكومته.

ورغم رفض القبائل الليبية للجماعات الإرهابية والميليشيات المسلحة ورغم إيمانها العميق بوسطية الإسلام ورفضها لكل صور التطرف فهي إلى الآن لا تملك موقفًا موحدًا رغم الكثير من عوامل الفهم المتبادل والمصالح المشتركة التي تجعل هذه القبائل أكثر انحيازًا لدولة موحدة تملك جيشًا وطنيًا واحدًا يستطيع الحفاظ على وحدة الدولة والأراضي الليبية.

بالرغم من أن المصالحة تعتبر إحدى أولويات حكومة الوفاق التي حصلت على تفويض من المجلس الرئاسي ببدء عملها رغم عدم نيلها لثقة مجلس النواب، إلا أنها مازالت لم تتخذ حتى الآن أي خطوة نحو هذا الاتجاه، ومكن الانهيار الواسع للقانون وانعدام النظام عشرات الآلاف من المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء من المرور عبر ليبيا نحو أوروبا.
وتعرض الكثير للعنف وسوء المعاملة والعمل القسري بسبب أعمال مثل الاعتقال التعسفي والتعذيب والقتل خارج القانون والهجمات العشوائية والاختطاف والاخفاء وتهجير الناس بالقوة من بيوتهم وانهار نظام العدالة الجنائية المحلي في معظم أنحاء البلاد.
 
كما فشل مجلس النواب في القيام بالكثير من أعماله وإصداره لقوانين وأحكام تحد من حرية التعبير، والحق في التجمع السلمي والتنقل، وفرضه لعقوبات قاسية على أعمال محددة، وفشل أيضًا في تعديل مواد قانون العقوبات التي تعتبر العنف الجنسي جريمة ضد الشرف بدلا من المرأة نفسها ولايزال يسمح بحكم مخفف للرجل الذي يقتل زوجته لشكه بوجود علاقة أخرى لديها خارج نطاق الزواج، ويحظر بشكل غير كاف عن العنف المنزلي والاختطاف والاختفاء القسري.

كما يتسبب سعي القوى السياسية والعسكرية في ليبيا إلى تحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية، في ظل تقلبات الساحة الداخلية، التي أفضت اتساع رقعة الصراعات المسلحة بما فيها الحرب على تنظيم الدولة، في زيادة الانقسام بين الليبيين، ولا تزال إشكالية تنازع الشرعية بين حكومة الوفاق وبقايا كل من حكومة الإنقاذ الوطني برئاسة خليفة الغويل، وحكومة عبدالله الثني مستمرة.

وبالرغم أن المجلس الرئاسي نجح في السيطرة على أهم مؤسستين اقتصاديتين في طرابلس، وهما: مصرف ليبيا المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط فضلا عن كسب دعم عدد من رؤساء البلديات، ترجح غالبية الآراء أن السراج، لا يتمتع بقوة القرار، خاصة في مواجهة التحديات الجمة التي تواجه حكومته وعلى رأسها التحديات الأمنية المتلاحقة، وتأخر الحكومة في الوفاء بوعودها بإنهاء معاناة المواطنين.

ويحتاج بناء الدولة وإرساء سيادة القانون، وإعادة هيكلة المؤسسات الحكومية، إلى تحقيق المصالحة الوطنية، والتي بدونها لا يمكن لـ"ليبيا" أن تمضي قدمًا وتحقق النهوض والآمال لمواطنيها، وإلا يبقى الاقتتال الشعبي هو سيد الموقف.