وعادت قبضة الدولة من جديد.. 4 نقابات مهنية مهددة بفرض الحراسة في 2017

تقارير وحوارات

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


ربما تعيش النقابات المهنية في مصر تاريخًا صعبًا، يكاد يكون الأكثر صعوبة لها، احتقان مجتمعي ورأي عام مستثار، أزمات ومشكلات اقتصادية وأخلاقية وسياسية واجتماعية تعيشها مصر، قد تكون من أكثر الفترات التي تأزم فيها الشعب المصري بعد ثورة 25 يناير.

ولم تكن أزمات النقابات المهنية مع الدولة وليدة اللحظة، بدأ ذلك الاحتقان منذ تسعينات القرن الماضي، وتعتبر النقابات المهنية، أحد الوسائل التي ينفس فيها الشعب عن رأيه ويعبر عنه، وأحد أذرع العمل المدني في مصر، وباعتبار أن الأحزاب والقوى السياسية والحركات من أوائل ما يتم خنقه سياسيًا إذا عارض النظام، ويصبح لا ملجأ إلا النقابة المهنية، تعبيرًا سليمًا عن الرأي وحفظًا لجميع الحقوق.

وعلى الرغم من معارضة دستور 2014 لفكرة فرض الحراسة على النقابات المهنية، إلا أن أربع نقابات تنتظر في عام 2017، البت في دعاوى قضائية بفرض الحراسة عليهم، وهي: "الصحفيين، المحامين، التجاريين، المعلمين".

وينص الدستور في مادته 65 على إنشاء النقابات والاتحادات على أساس ديمقراطي، هو حق يكفله القانون، وفي ظل الظروف الحالية والمشكلات التي يمر بها الوطن، يصعب تصور عزلة النقابات المهنية، فمن الناحية العملية هناك علاقة بين تداخل بين قضايا المهنة، ومطالب الأعضاء من جانب، ودورها إزاء القضاية القومية من جانب آخر، ومن المعروف أن سعي النقابة المهنية نحو زيادة المشاركة واختيار القيادات بشكل ديمقراطي، يرتبط بالثقافة السياسية السائدة.

وتجميد العمل النقابي المهني، وفرض الحراسة، وعدم إجراء انتخابات ديمقراطية، يجمد الدماء في عروق هذه النقابات، مما يترتب عليه انهيار في تلك الفئة، وعدم مناقشة مشكلاتهم وأزماتهم، والدفاع عن قضاياهم المختلفة.

ماذا يعني فرض الحراسة على نقابة مهنية؟

يعد فرض الحراسة على النقابة المهنية، كأحد الأساليب التي تتخذها الدولة، لزيادة الخناق على النقابات التي تتصاعد مطالبها السياسية على المهنية، ويبدأ صوتها في الارتفاع دفاعًا عن حقوق أعضائها، وتصبح ملاذًا للذين يبحثون عن حقوقهم، وأحيانًا تحتضن غير الأعضاء من الباحثين عن التعبير عن الرأي، مثل نقابة الصحفيين.

ويعتبر فرض الحراسة إجراء تحفظي مؤقت، يقضي بإرسال مندوب قضائي يكون مسؤولًا عن النقابة، ولا يحق لها التصرف في أمورها أو أموالها، إلا بعد إذن المندوب، ويصبح لا صوت لجمعيتها العمومية.

وفرض الحراسة يعني إعلان فشل جميع أعضاء النقابة في إدارة نقابتهم، ويتم تسليمها لحارس قضائي يكون محاسب أو محامي لإدارة شؤونها المالية وتسيير الأمور الإدارية، ويعني التجميد التام للنشاط المهني أو الخدمي، وعدم التدخل لحل أي مشكلة تخص الأعضاء الممتهنين لمهنة النقابة.

وفي حال فرض الحراسة، يصبح الأعضاء غير معنيين بشؤون النقابة، وليس لهم رقابة عليها، وتصبح الجمعية العمومية ليس لها أي صلاحيات أو سلطة على الحارس.

بدايـة القصـة

بدأت القصة في أوائل تسعينات القرن الماضي، عندما عقدت النقابات المهنية اجتماعًا مشتركًا، كان نواة العمل النقابي المشترك في مصر، طالبت خلاله النقابات بمطالب سياسية، كان أبرزها تخلي الرئيس المخلوع حسني مبارك عن رئاسة الحزب الوطني، وإلغاء قانون الطوارئ.

ولعل هذا الاجتماع كان بمثابة البداية الحقيقية لصراع الأنظمة مع النقابات المهنية، واعتبره بعض الساسة وأصحاب النفوذ أنها "تسييس العمل النقابي المهني"، وتم فرض الحراسة على العديد من النقابات المهنية، وفقًا للقانون رقم 100 لسنة 1993 الخاص بتنظيم انتخابات النقابات المهنية.

وكانت نقابات المهندسين والمحامين، من أوائل النقابات المهنية التي فرضت عليها الحراسة في مصر، ثم نقابة الصيادلة، وتعيش نقابة الصحفيين الآن تهديدًا بفرض الحراسة عليها، وسط رفع العديد من الدعاوى ضدها، بعد اقتحام قوات الأمن لها، مطلع مايوو الماضي، واشتعال الأزمة بينها وبين الدولة.

أولهم نقابة المهندسين.. نقابات قيدتها سنوات الحراسة

كانت نقابة المهندسين المصرية من أول النقابات المهنية التي فرضت عليها الحراسة لسنوات، وظلت حتى اليوم تحاول تبديد ما خلفته هذه السنوات من مساوئ في أموالها وأصولها.

بدأ كابوس فرض الحراسة على نقابة المهندسين عام 1994، عندما طلب نقيب المهندسين آنذاك حسب الله الكفراوي فرض الحراسة عليها، بدعوى الحفاظ على أموالها، بعد سيطرة جماعة الإخوان المسلمين عليها، وكانت الحكومة تنتظر ذلك، وصدر حكم قضائي مفاده فرض الحراسة على النقابة، وتم تجميد موقف النقابة، وإلغاء الجمعية العمومية لها، وإيقاف الانتخابات منذ 2 مايو عام 1992.

وترتب على فرض الحراسة تدهور شديد في جميع مجالات العمل النقابي، وضاعت أراضي النقابة، وأهدرت أموالها ودخولها، وعانت الكثير من المآسي.

وصدر حكم تاريخي في أغسطس 2011 عقب ثورة يناير، من محكمة استئناف شمال القاهرة، بإنهاء الحراسة عن نقابة المهندسين، وتقرر رفع الحراسة عنها اعتبارًا من أول أكتوبر، وتم تشكيل لجنة لإدارة شؤون النقابة، ثم تم انتخاب مجلس نقابة ونقيبها المهندس طارق النبراوي.

"المحامين".. تعذيب داخل قسم شرطة ينتهي بفرض الحراسة

بدأت قصتها عام 95 بفرض الحراسة القضائية عليها، بموجب حكم قضائي، جاء بعد نشوب أزمة بين النقابة والحكومة، على خلفية مقتل المحامي عبد الحارث مدني، داخل أحد أقسام الشرطة، والتي انتهت بالقبض على ثلاثة محامين، بعد حالة من عدم الاستقرار شهدتها النقابة مع السلطة خلال الثمانينات، وفرضت عليها الحراسة، بدعوى وجود سوء إدارة مالية لشؤون النقابة، وأصدرت المحكمة حكمها بفرض الحراسة في 28 يناير 1996.

وشهدت نقابة المحامين طوال فترة الثمانينات عدم استقرار وصراع وصل إلى حد استخدام العنف، وتجميد نشاط واحدة من أبرز النقابات التي قادت المجتمع المدني وقتها، وتم فرض الحراسة على نقابة المحامين بناءً على قرار عدد قليل من أعضائها، وتأسس طلب فرض الحراسة بادعاء وجود مخالفات مالية وإدارية، وبدأت عملية فرض الحراسة بتقديم مذكرة للنائب العام عام 1993، وأصدرت المحكمة حكمها بفرض الحراسة في 28 يناير عام 1996.

وصدر حكم قضائي في 13 يوليو 1999 بإلغاء فرض الحراسة، وبعد تخبط بين الدولة و"لجنة الإنقاذ الوطني" بالنقابة، بدأ بالاحتجاج والاعتصام، وتم تشكيل لجنة مشرفة على الانتخابات، وتحدد يوم 1 يوليو لإجراء الانتخابات، وبعد صراع تم تأجيله، أثمر نضال المحامين عن عقد الانتخابات يوم 24 فبراير عام 2001، وتم اختيار سامح عاشور نقيبًا لهم.

ثالثهم "الصيادلة".. تخبط في قرارات المحكمة بين فرض الحراسة والإلغاء

تم فرض الحراسة أيضًا على نقابة الصيادلة، بعد صدور عدد من الأحكام المتناقضة من محكمة الأمور المستعجلة، بشأن فرض الحراسة عليها، بعد سيطرة مجلس نقابة الإخوان عليها، والذي انتهى بإصدار حكم المحكمة برفض الحراسة في يونيو 2014.

وفي أغسطس 2014، حكمت المحكمة بإلغاء قرار فرض الحراسة، قم أعادته مجددًا في 27 أكتوبر 2014، ثم إلغاؤه في يناير 2015، وتأييد فرض الحراسة مرة أخرى في مارس 2015.

وفي نهاية المطاف حكمت محكمة القضاء الإداري، في يونيو 2015، بقبول دعوى إلغاء فرض الحراسة، وإلغاء أي حراسة على أي نقابة مهنية، إعمالًا لدستور 2014، والذي أكد على استقلال العمل النقابي، وعدم جواز فرض الحراسة عليه، والتدخل الإداري في شؤونه.

وعلى الرغم من ذلك أثار الدكتور أحمد عماد وزير الصحة، الرأي العام، بعد تصريحات أدلى بها، أكد خلالها أن نقابة الصيادلة المصرية مازالت تحت الحراسة القضائية، وجاء ذلك ردًا على الحرب الضروب التي تخوضها النقابة ضد وزارة الصحة، حفاظًا على حق المريض المصري، بعد الزيادة الكبيرة التي شهدها قطاع الأدوية في الأسعار، وهو ما استقبلته النقابات المهنية المختلفة بالرفض والاستنكار، واعتبرته "تهديد واضح" من الدولة للنقابات المهنية، التي لها موقف قوي اتجاه قضايا المجتمع المختلفة.

نقابة المعلمين تحت مخالب الحراسة

حتى اليوم تعاني نقابة المعلمين من جحاف سنوات الحراسة، بسبب ما وصفته الحكومة بـ"أخونة النقابة"، وسيطرة الإخوان المسلمين على مجلس النقابة، وفي إبريل 2014، صدر حكم المحكمة بفرض الحراسة على النقابة، وتجميد الأصول والأموال، وتعيين حارس قضائي.

وفي يونيو 2014 صدر حكم من الأمور المستعجلة بتأييد فرض الحراسة، وعندما تقدمت النقابة بالاستشكال عليه، وقضت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الاستشكال، في نوفمبر 2014.

وكانت أجلت محكمة مستأنف القاهرة للأمور المستعجلة المنعقد بعابدين، الأربعاء 28 دينسبر 2016، الاستئناف المقدم على حكم محكمة أول درجة بعدم الاختصاص في إنهاء فرض الحراسة القضائية على نقابة المعلمين إلى جلسة 22 فبراير 2017 للنطق بالحكم.

نقابات مهددة بفرض الحراسة خلال عام 2017

على الرغم من تأكيد دستور 2014 على استقلالية النقابات المهنية، وإنشاء النقابات على أساس ديمقراطي في مادته الـ65، إلا أن هناك أربع نقابات مهنية مهددة بفرض الحراسة في عام 2017، وأصبحت مهددة "على كف عفريت" من فرض الحراسة أو إلغائها، وهي نقابات: "الصحفيين، المحامين، التجاريين، المعلمين".

المحامين: أقام عضو الجمعية العمومية لنقابة المحامين، المحامي سعيد أمين أباظة، دعوى بحل مجلس النقابة وفرض الحراسة عليها، مؤكدًا أن هناك خطرًا يقع على النقابة، مطالبًا بضرورة حل مجلس النقابة، وأجلت محكمة الأمور المستعجلة بعابدين أول جلسات نظر الدعوى من يوم الخميس 22 ديسمبر 2016، إلى يوم 1 فبراير 2017.

الصحفيين: كانت قد أجلت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة، نظر دعوى فرض الحراسة القضائية على نقابة الصحفيين، بتهمة محاولتها هدم مؤسسات الدولة، لجلسة 19 يونيو المقبل لتقديم المستندات، بسبب الدعوى التي تقدم بها المحاميان عبد الرشيد أحمد السيد ومها إسماعيل رقم 1431 لسنة 2014، وطالبت بوضع النقابة تحت الحراسة القضائية، مستندة إلر رقمي 729 و730 من القانون المدني، وتعيين حارس من جدول المشتغلين، يكون مشكلًا من مجلس شيوخ مهنة الصحافة المشهود لهم بالوطنية.

التجاريين: استندت دعوى لفرض الحراسة على منقابة التجاررين، إلى تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات، ما ورد به من إهدار للمال العام بالنقابة، وتأخير عقد الانتخابات، كما توفي الغالبية العظمى لأعضاء مجلس النقابة والنقابات الفرعية، تم إحلال أعضاء مكانهم بالتعيين، بالمخلفة لقانون النقابة، كما أن مدة مجلس النقابة أربع سنوات، إلا أن آخر انتخابات للنقيب وأعضاء المجلس تمت عام 1992، وبذلك يكون هذا المجلس انتهت مدته لأكثر من 24 عام، وهناك تراخ لإجراء الانتهابات بدون سبب واضح، وأجلت محكمة مستأنف القاهرة للأمور المستعجلة، استئناف نقيب التجاريين على إلغاء حكم أول درجة بفرض الحراسة القضائية على النقابة، إلى جلسة 26 يناير 2017.

"فرض الحراسة".. هل يعود سلاح الدولة ضد النقابات المهنية؟

نصت الدساتير المصرية المتعاقبة على حرية تنظيم العمل النقابي الديمقراطي واستقلاليته، ونصت المادة 55 من دستور 1956، ونصت المادة 41 من دستور 1964، على حرية العمل النقابي المهني وتقديم الخدمات، ودستور 2012، الذي أكد في مادتين منفصلتين على حرية وديمقراطية التنظيم النقابي واستقلاله، ثم جاء دستور 2014 ليؤكد ذات المبدأ، بما نص عليه في مادته رقم 76 و77، ومن حيث إنه يتبين أن المشرع الدستورى واتساقًا مع المواثيق الدولية التي تعظم دور الجمعيات والاتحادات والنقابات، أكد استقلال التنظيم النقابي، وعدم جواز تدخل الجهات الإدارية في شؤونها، وعدم جواز فرض الحراسة عليها، وترتيبًا على ذلك كان الحظر التام لفرض الحراسة عن النقابات المهنية بات أمرًا واضحًا لا لبس فيه.

وتثار التساؤلات حول دعاوى فرض الحراسة من جديد على كل هذه النقابات المهنية، خاصة بعد الدور القوي لها، الذي برز بعد ثورة يناير، وهو "هل تستخدم الدولة سلاح فرض الحراسة على النقابات المهنية التي تهتم بقضايا المجتمع من جديد؟"، سيناريو ربما يخبأه عام 2017 لأعضاء هذه النقابات.