في ذكرى ميلاده.. كيف بدد الخديوي "إسماعيل" خزانة مصر؟

تقارير وحوارات

الخديوي إسماعيل
الخديوي إسماعيل



ألصقت له تهمة التبذير، ولقبوه بـ"الرجل المسرف"، بسبب سياسة البذخ التي اتبعها، والتي جعلته مُدان في صفحات التاريخ، الذي شوّه إنجازاته، التي أهلته ليكون المؤسس الثاني لمصر، بعد إنجازات جده محمد علي، إنه "الخديوي إسماعيل" الحاكم الذي ظلم تاريخ إنجازاته المدهش بسبب سياسة البذخ التي انتهجها.

الخديوي إسماعيل، خامس حكام مصر من الأسرة العلوية وذلك من 18 يناير 1863 إلى أن خلعه عن العرش السلطان العثماني تحت ضغط كل من إنجلترا وفرنسا في 26 يونيو 1879.

في فترة حكمه عمل على تطوير الملامح العمرانية والاقتصادية والإدارية في مصر، وذلك لسعيه وراء حلمه بتحويل مصر كـ"قطعة من أوروبا"، ومن أبرز إنجازاته، "افتتاح قناة السويس، إنشاء كوبري قصر النيل، إنشاء دار الأوبرا، وتطوير السكة الحديد، إنشاء أول مدرسة لتعليم الفتيات في مصر، وهي مدرسة السنية، وإنشاء دار العلوم لتخريج المعلمين، صاحب فكرة أول شبكات مواصلات عصرية تربط المدن ببعضها".

بالرغم من إنجازات الخديوي إسماعيل الكثيرة، إلا أن قيل عنه أنه السبب في غرق مصر بالديون، حيث أنه استدان 126 مليون جنيه من دول أوروبا فى حين أن ميزانية مصر فى ذلك الوقت لم تزد على سبعة ملايين ونصف المليون كما يقول الصحفى الكبير أحمد بهاء الدين فى كتابه "أيام لها تاريخ".

وإحتفاءً بذكرى ميلاده، التي تمر اليوم، تجولت "الفجر" داخل صفحات التاريخ، لمعرفة أين تبددت تلك الأموال الطائلة التي أغرقت مصر في الديون، فوجدناها بُددت فى التباهي أمام محبوباته، وتشييد قصوره الباذخة وإقامة أفراح أنجاله الكرام.

التباهي أمام محبوباته
كان الخديوي إسماعيل إذا أحب شخصاً، بني له قصره، كما فعل مع والدته، ومحبوبته أوجيني، كما أنه كان يغمر محبوباته بالهدايا والعطايا التي اعتبرها برهاناً لقياس شدة الحب.

- الحبيبة.."أوجيني "

خلال جوّلتنا لم يخلو كتاب أو صحيفة عن علاقة حب الخديوي إسماعيل بـ"الجميلة أوجيني" إمبراطورة فرنسا، الفاتنة التي عشقها الخديوي إسماعيل في شبابه أثناء دراسته في فرنسا، حيث وقع في غرام فتاة شابة، ليفاجئ بها بعد ذلك إمبراطورة، وكان هو خديوي.

ولجمالها العالي، وأناقتها الفائقة، وذهنها المتقد، أثرت قلب الخديوي إسماعيل، عند افتتاحه قناة السويس التي تزامن افتتاحها مع افتتاح دار الأوبرا المصرية دعا إلى افتتاحها ملوك وأمراء أوروبا، وكانت الإمبراطورة أوجيني على رأس قائمة المدعوين، قام بحيلة ماكرة وهي أنه أمر برصف الطريق الذي سيمر به عند ذهابهما هو وأوجيني لزيارة الأهرام بشكل مائل وذلك حتى تميل عليه بجلستها في الدوكار عند ذهابهما ويميل هو عليها عند العودة أو العكس حسب بروتوكول الجلسة في ذاك الوقت.

كما أن إسماعيل قام بالعديد من الأمور لإكرام حبيبته، فأنشأ قصر "الجزيرة" على الطراز الفرنسي، والذي نشأ كصورة طبق الأصل لقصر "التويليري"، حتى تشعر بأنها مازالت في فرنسا، وأمر بغرز حبوب زهرة الكرز بحديقة القصر، بعد أن أبلغته باشتياقها لعطر هذه الزهور، كما أمر الخديو إسماعيل بإنشاء حديقة الجبلاية، والتي تبلغ درجة عالية من الجمال والأناقة، لتتمتع الإمبراطورة بها. في يوم افتتاح قناة السويس.

وفي نهاية زيارتها، أمر إسماعيل بإنشاء غرفة نوم من الذهب الخالص، زينتها ياقوته حمراء، ونُقشت حولها عبارة بالفرنسية، وهي "عيني على الأقل ستظل معجبة بكِ إلى الأبد".

- الأم.."خوشيار هانم"
وكان للوالدة باشا خوشيار هانم أم الخديو اسماعيل وزوجة إبراهيم باشا نصيب من بذخ إسماعيل، فقد أمر ببناء قصر الزعفران خصيصا لها وسمي هذا القصر، " مقر إدارة جامعة عين شمس حاليا"، بهذا الإسم نظرا لزراعته بنبات الزعفران ذي الرائحة الذكية، والتي كانت الوالدة باشا مغرمة بها.

ولم يكن قصر الزعفران أجمل القصور وأوسعها ولكن ذاع صيته بسبب تكوينه المعماري الفريد والذي يضاهي قصر فرساي في فرنسا التي كان الخديوي مولعا بثقافتها وايضا بسبب اختياره كسكن للوالدة باشا أم الخديوي.


أفراح أنجاله
"إذا كانت المتاجر المصرية لا تنتفع من أفراح أولادي، فَمِنْ أفراح مَنْ تستفيد"، جُملة قالها الخديو إسماعيل، عن أفراح أنجالهُ الأربعة؛ توفيق، حسين، حسن، وفاطمة، التى شهدتها المحروسة، وسجلّتها صفحات مجلة الصباح، بتاريخ 2 يناير 1938، لتصِلنا بعد كُل تلكَ الأعوام لنعرِف حكاية "أفرا ح أولاده التى استمرت 40 يومًا بمِقدار 10 أيام لكُل فرح، مُنذ يناير 1873. 

ويقال إن البذخ الذي شهدته هذه الاحتفالات بالملايين ساعد على إثقال الخزانة المصرية بالمزيد من الديون، فضلاً عن الهدايا والعطايا التي كانت توّزع على الخدم، بخلاف الولائم التي كانت لا تنقطع من القصر.

ومما امتازت به هذه الحفلات لأفراح أنجاله أنّ الجواري والأَغَوات والعبيد كانوا من جملة الأشياء التى يهديها إسماعيل إلى العظماء وأصحاب الحظوة، وكذلك الجياد المطهمة والجواهر الثمينة، كانت تُقدم لأعيان البلاد وللعمد هدايا من الآنية الفاخرة وللضباط السيوف المرصعة، وساعات ذهبية مُحلاة باللآلئ والزُمرد.