النسيج اليدوي.. من "تنيس" إلى "ميدان التحرير" صناعة لها تاريخ "فيديو"

الفجر السياسي

بوابة الفجر


بدأت صناعة النسيج منذ فجر التاريخ، ومنذ عرف الإنسان الزراعة وعرف معني الاستقرار وبدأ طريق الحضارة زاد احتياجه للنسيج كي يستخدمه في الملبس والغطاء والتزين


تقول د. هدي صلاح الدين المدرس بكلية الآثار جامعة القاهرة إن النسيج وهو تركيب الخيوط بأشكال متقاطعة طولية وعرضية بواسطة نول كي تكون قطعة من القماش يتم توظيفها حسب إحتياجات المستخدم، أو عن طريق الغرز التي تصنع في النهاية ملبساً أو غطاء أو سجاد أو لوحة تزين الجدران . 


وتضيف أن المصري القديم عرف النسج مبكراً وإستخدم فيه الكتان والقطن، وكذلك عرف الحرير وصنعه وشكل الكثير من الملابس، وفي العصور المتأخرة كالعصر المملوكي مثلاً إستخدم النسيج لوضع الشارات الإجتماعية المعروفة بالرنوك ... والرنك هو شارة تدل علي وظيفة حامله أو تدل علي مكانته ورتبته  . 


وتقول أن من أشهر مراكز صناعة النسيج في مصر حتي وقت قريب كانت مدينة تنيس وتعد مدينة تنيس من أشهر مراكز صناعة الكتان وكان من أهم إنتاجها نوع من المنسوجات يسمى بالقصب الملون ، وكذلك مدينة دمياط وشطا والفيوم وبهنسا ، والاسكندرية وقد اشتهرت الإسكندرية بنوع من النسيج يدعي "الشروب" ، أما لفظة قماش الشهيرة فهي نسبة إلي بلدة "قم" أحد أشهر مراكز صناعة النسيج بإيرن  وقد اشتهرت أيضاً بلدة بوش ببني سويف بزراعة الكتان الذي كان يتم تصديره إلى أفريقيا


وفي نفس السياق يذكر د. أحمد الدسوقي مدرس المسكوكات الإسلامية بكلية الاثار جامعة القاهرة أن مصر كانت تعتمد إعتماداً كبيراً علي النسيج، والذي شكل تصديره مصدراً من مصادر الدخل القومي للبلاد، و تذكر المصادر التاريخية، أنه كان يوجد بتنيس ما يقرب من 5 آلاف منسج وعدد عمالها عشرة آلاف، ويقال إنه ليس هناك بيت في الدنيا، إلا وفيه قطعة نسيج أو ثياب من صنع تنيس. وقد كان بهذه المدينة صناع مختصون بصنع الملابس السلطانية. وقد أحرق الصليبيون تنيس، عام 573هـ/1177م، وعندما تأثرت صناعة النسيج بمدينة تنيس في بدايات العصر الأيوبي بسبب هذه الهجمات وتعطل تصدير النسيج في هذه الفترة تسبب ذلك بحدوث نقص في المخزون من النقد الذهبي لمصر كلها ببدايات حكم البيت الأيوبي . 


وتعود الدكتورة هدي قائلة أن صناعة المنسوجات سواء من الكتان أو الحرير او الصوف أو القطن كانت تتم بالطرق اليدوية وبالرغم من ذلك فقد شهدت فناً متميزاً، وأنتج الفنان تكوينات رائعة تمثلت بأشكال نباتية زخرفية المعروفه "بالأرابيسك" وأشكال زخرفية حيوانية وهندسية ،وكذلك أشكال كائنات خرافية وقد إنتقلت لنا في مصر كتأثير من الصانع الصيني نتيجة للعلاقات بين البلدين  . 


وتستطرد أن مرحلة النسج بالطبع كان يسبقها مرحلة الغزل والتي تعددت طرقها حسب الخام المراد إستخدامه فالكتان والقطن والحرير والصوف لكل منهم طريقة مختلفة في استخراج الخام وتحويله إلي خيوط . 


ويلي الغزل مرحلة النسج والتي في الغالب يستخدم النساج فيها خيوط من ألوان مختلفة، وعلي ذلك يكون هناك صباغة للخيط بعد غزله، وقد إستخدم الصناع قديماً في صبغ الخيوط المواد نباتية أو حيوانية طبيعية، فالزعفران أستخدم للصباغة باللون الأصفر والمرارة الحيوانية أستخدمت للصباغة باللون الأخضر وحشرة القرمز أستخدمت للصباغة باللون الأحمر . 


وتقول أن الصناع إستخدموا الأنوال اليديوية لصناعة ما يرغب فيه "راعي الحرفة"، والمقصود براعي الحرفة أنه المستهلك أو الحاكم الذي قد يرغب في وضع طرز أو تصميمات أو أشكال معينة علي قطعة النسيج. 


وننتقل هنا بالزمان إلي عصرنا الحالي لنجد "عم محمد" وهو أحد من لازالوا يحتفظون بمهنهم، وهي النسيج اليدوي، فمنذ ما يزيد عن الأربعين عاماً والعم محمد بستخدم نوله اليدوي لنسج لوحات بديعه ومناظر طبيعية خلابه مستوحاه في الغالب من الطبيعة المحيطة به علي حسب قوله . 


ويقول عم محمد والذي يمتلك مصنعاً ومحلاً من الممكن أن نطلق عليه بازاراً بالقرب من ميدان التحرير أنه يمارس المهنة منذ أن كان في الرابعة عشرة من عمره، وقد ورثها عن أبيه. 

ويحكي عن مهنته قائلاً " أن الصوف يأتيه مغزولاً وبعدة ألوان مختلفة وأن الألوان المستخدمة بالصباغة طبيعية مستمدة من النباتات" 


وباستخدام يديه وقدميه يبدأ في عزف لحنه الخاص ليخرج لنا عدة منتجات ذات تكوينات فنية بديعة، فقد تجولنا داخل متجره لنشاهد عدة لوحات فنية تم صنعها علي أشكال سجاد من الصوف تمثل الحياة اليومية في الريف المصري، وأخري تمثل مشهداً رأئعاً لأيكة من الأشجار والطيور، وثالثة ذات أشكال هندسية منفذة بمهارة. 


ولما سألناه عن كيف يستوحي هذه المشاهد قال " بعض المشاهد من خياله الخاص، حيث أنه من إحدي قري مصر، وقد نقل قريته علي لوحات، فمشهد المنازل، والفلاحين أثناء سيرهم لحقولهم، محفور بذاكرته يستطيع أن ينقله إلي خيطان لوحاته" 


وعن أسعار ما ينتج يقول أنها تتراوح من سبعون جنيهاً حتي عدة آلاف من الجنيهات فحسب الرسم المطلوب تنفيذه والوقت المستغرق في التنفيذ وكم الخامات المستخدمة يختلف السعر فهناك لوحة تستغرق منه عدة أشهر وأخري تستغرق أياماً 


وعن مدي رواج صنعته علق أنها لم تعد كالسابق إلا أنها لم تسوء كثيراً، بل إنها قد تشهد تحسناً في القادم حيث أنه يصر علي نقل ما لديه من خبرات لأولاده، ويتابع أن أبنائه أوفر منه حظاً حيث إرتادوا الجامعات إلا أن هذه الصنعة لا يجب أن تنقرض ويجب أن تظل باقية جيلاً وراء الآخر. 


صناعة رائعة ومنتج راق ذلك الذي شاهدناه بصحبه العم محمد في مصنعه ومتجره الصغير، لا يملك المرء نفسه أمامها إلا أن يبدي إعجابه بمهارة الصنعة ودقة التنفيذ . 


لمشاهدة الفيديو اضغط هنا