أبو كريم.. حارث جثث الأجانب على أرض المحروسة (تقرير بالصور)

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


أرض فضاء مفروشة بالحشائش الخضراء على الطريقة الأوروبية، وقطع الرخام التي تزين أركانها ومنقوش عليها بعض العبارات والأسماء باللغة الإنجليزية، فمنذ سقوط نظرك عليها في الوهلة الأولى تسترجع ذاكرتك تلك المشاهد السينمائية لمقابر الأجانب، ولكنك سرعان ما تستعيد الحاضر لتجد نفسك في واقع يذكرك أنك موجود في مصر وبخاصة منطقة "مصر القديمة"، تلك المنطقة التي عرفت بعشوائيتها.

المشهد يلفت انتباهك ويثير رغبتك في المعرفة لاكتشاف ذلك المكان الأشبه بـ"الحدائق العامة" والمحاط ببوابات حديدية مُكبلة بالأقفال الحديدية لتذهب إلى بوابة كبيرة مغلقة تدق أبوابها ليخرج لك رجلًا يشبه "الأجانب" ذو بشرة بيضاء وشعره يكسوه اللون الأبيض، وعلى وجهه علامات تقدم السن.

وخرج الرجل متحدثًا بعبارات يتخللها الكلمات الإنجليزية، قائلًا: "هذه مقابر (الكومنولث) لدفن الأجانب المتواجدين في مصر".



"أبو كريم"..تربي الأجانب، الرجل المصري المُسلم ذو الخمسون عامًا، الذي عشق الإنجليز فقرر العيش مع موتاهم، يتحدث لـ"الفجر" عن مقابر الأجانب في مصر، وعن نظرة المجتمع المصري والدولي لتلك المقابر.

يقول أبو كريم: "أنا بحب التعامل مع الأجانب عن التعامل مع المصريين، عندنا في مصر شعب طيب وبيتعامل بفطرته، بس الإنجليز معاملتهم أحسن، فالوقت عندهم بيتحسب بالثانية معندهمش العشم اللي ممكن يدمر علاقات عندنا كتير، وكمان هما واضحين أوي في تعاملاتهم".

"أبو كريم" حاصل على شهادة فوق متوسطة، حيث تخرج من معهد الفني الصناعي، عاشق للزراعة، ظل طوال 11 عاماً بعد تخرجه، يحاول الإلتحاق بهيئة "الكومنولث" الخاصة بدفن الموتى الأجانب في مصر، يقول: "أنا مؤمن بالله ومسلم الحمد لله ومواظب على الصلاة، لكني سعيت كتير إنى أكون تُربي للأجانب، فأنا من زمان وكل تعاملاتي مع أجانب فوالدي كان شغال مع الألمان، وحبيت المعاملة الإنجليزية عشان كده ملقيتش غير مهنة التربي اللي هتخليني عايش في مصر بس بتعامل أكتر مع أجانب".

"مدافن الكومنولث" مقابر 5 نجوم كانت في البداية قبل الحرب العالمية الأولى أثناء الإحتلال البريطاني في مصر عبارة عن أرض فضاء أهدتها مصر للإنجليز، وبعد قيام الحرب العالمية الأولى قرر الإنجليز أن يحوّلوا تلك الأرض لمدافن لهم يدفنون فيها موتى الحرب، وأصبحت بعد ذلك مدفن لضحايا الحرب العالمية الثانية.

وكانت هيئة الكومنولث تابعة لإدارة بريطانية موجودة في مصر، ولكن مع قيام ثورة يناير 2011 انتقلت الإدارة الرئيسية إلى بريطانيا، وأصبحت المدافن تابعة لإدارة مصرية.


يقول أبو كريم: "فيه فرق كبير بين تربي المصريين، وتربي الأجانب، علشان الواحد يقدر يكون تربي في مدافن الأجانب لازم يكون مُزارع لأن مقابرهم عبارة عن حدائق، فأنا مثلاً أخدت (كورسات) كتير في الزراعة علشان أوصل مدافن الكومنولث هنا في مصر إنها تكون أفضل من مقابر الأجانب في بلادهم وفعلاً نجحت في ده".

واستكمل: "هناك الكثيرين من المُشرفين من هيئة الكومنولث الذين يترددون على المدافن يشكرون في طريقتنا في الزراعة ويصفونها بالممتازة، ويقارنونها بالمدافن هناك لتكتسح نظافة ونظام المدافن هنا عن التي بالخارج".

وتُعد طقوس دفن الأجانب  شبيهه لطقوس دفن الأقباط في مصر، فيقول "أبو كريم": "الميت الأجنبي طريقه دفنه شبيهه لدفن الأقباط، فالميت يوضع داخل خشبة ويدفن تحت الأرض بها دون أن يخرج منها، كما يدفن الموتى الأقباط".

لطالما عُرف عن التربي أنه رجل كبير السن قليلاً ما تجده بقميص وبنطال، يسكن بالمدافن، ولكن العكس نجده في منزل "أبو كريم" تُربي الأجانب، فمنزله عبارة عن ڤيلا كبيرة محاطة بالأشجار لم تسنح لنا الفرصة لدخولها ولكن شكلها الخارجي يدل على رقيها بالداخل.


وبخلاف الخرافات التي اعتاد عليها المصريين ورواياتهم عن القبور، يؤكد أبو كريم أن مقابر الأجانب بلا خرافات ولا عفاريت فيقول: "المقابر هنا هادية وساكنة خالص، مفيش أي خرافات أو أي شئ يخوف، أنا كتير بدخل المقابر بالليل ومفيش أي حاجة بتحصلي خالص".

واستكمل: "الكومنولث ليست مدافن لضحايا الحربين الأولى والثانية ولكنها أيضاً للمدنيين، فنظراً لأن مصاريف شحن المتوفين تكون باهظة فلجأ الكثير من الأجانب لدفن ذويهم من المدنيين في مقابر الكومنولث".

وأضاف أبو كريم إنه يوجد الكثير من مقابر الكومنولث في مصر في مختلف المحافظات، لكنها جميعاً خاصة لضحايا الحربين ماعدا مقابر مصر القديمة فإنه يدفن فيها المدنيين أيضاً.

وعن تعامل المصريين مع مدافن الأجانب في مصر يقول أبو كريم: "أنا بمنع بعض المصريين من دخول المكان، لأنهم بيتعاملوا معاه على إنه جنينة عامة، فبيجيلي بنات عاوزين ياكلوا فسيخ ورنجة جوا، وبعض الحبيبة الذين يريدون الإنفراد داخلها، عشان كدة منعت المصريين من الدخول، إلا البعض اللي بيكونوا عاوزين يدخلوا المكان عشان يكتسبوا معلومات من تاريخ بلادهم".

وأكد أبو كريم أن مقابر الكومنولث مفتوحة يومياً من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الساعة الثانية ونصف ظهراً.