خبير اقتصادي : "الحكومة" حولت البنوك إلى سوق سوداء.. وفتحت الباب لتهريب الأموال

الاقتصاد

عماد مهنا - الخبير
عماد مهنا - الخبير الاقتصادي


 

القرار متسرع لأن تعويم العملة يتطلب توفير أكثر من 20 ملياردولار

الاقتصاد سينهار إذا فشلت الحكومة في توفير متطلبات ورجال الأعمال من الدولار

 

 

وصف الخبير الاقتصادى الدكتور عماد مهنا،  قرارات  المجلس الأعلى للاستثمار بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي والبنك المركزي بقيادة طارق عامر، بالجزافية المفاجئة وغير المدروسة، من حيث الوقف المفاجئ للاستيراد على سلع وخدمات وتعويم الجنيه في ظل تجاهل تام لخبراء الاقتصاد المصريين، وكأن الحكومة قررت أن تنتفع من فوضى تجارة العملة تطبيقا للمثل المصري "اللي ماتقدرش عليه صاحبوا".

 

و طالب "مهنا"، الرئيس السيسي بالعدول عن قرض صندوق النقد لأن القرض لن يفيد الدولة خاصة أنه ليس مخصصا للتنمية الاقتصادية وانما لسد العجز في الموازنة، وعلى الدولة ترشيد نفقاتها.

 

و حذر مهنا من القرض قائلاً أن مصر بوضعها الاقتصادي وتعداد سكانها وإيرادها ونفقاتها لا يمكن أن تستحق قرضاً بأكثر من 5 إلى 5.5 مليار دولار, ودلل على ذلك بأنه خلال السنوات الماضية كان دائما التفاوض بشأن 4.8 مليار أو 5 مليار أو ٢.٥ مليار دولار وشكك في قبول الصندوق إقراض مصر أكثر من 5 مليار طبقاً لمعايير الصندوق نفسه والمتبعة مع جميع دول العالم فهذه المعايير تحدد نوع وحجم القرض الممنوح للدول وفي جميع الأحيان مصر تتحرك في إطار قرض ب 5 مليار فقط، فلماذا اليوم يوافقون على قرض ب 12 مليار دولار إلا إذا كان هناك فخاً منصوباً.

 

 

 واعتبر "مهنا"، موافقة الصندوق على 12 مليار يعتبر أمراً غريباً ويطالب الرئيس بالرجوع عن القرض فوراً حماية لسيادة مصر وعدم توريطها في هذا القرض لما قد يكون له من عواقب سياسية واقتصادية كارثية، خاصة وان القرض الخارجي قد يصل إلى 90 مليار دولار وهو ما قد يلتهم موازنة الدولة بأكملها، فقروض صندوق النقد لا يمكن استخدامها في الاحتياطي الأجنبي وتصريحات المسئولين بإمكانية وضع هذا القرض (12 مليار دولار) ضمن الاحتياطي المصري يعد استهزاءً بعقلية المواطن،  فشروط صندوق النقد واضحة فهذه القروض ليست للتنمية.

 

وفيما يخص الاحتياطي المصري من العملات الأجنبية، حذر "مهنا"، منذ أكثر من عام أن الدولار سيصل الى 16 جنيه وذلك طبقاً للدراسات المعمول بها وهذا بعلم القيادة السياسية والبنك المركزي والحكومة بأكملها، حدد أن الاحتياطي ليس كله ملك للدولة فنصفه على الأقل ودائع العرب بالإضافة على 4 مليار دولار ذهب وما يبقى كاش في حوزة البنك هو حوالي 4 مليار دولار فقط.

 

 

ويري الخبير الاقتصادي صاحب كتاب "مخطط العبور الثاني لإعادة بناء مصر"، أن قراري وقف الاستيراد وتعويم الجنيه مرتبطان كمحاولة ل (1) توفير الدولار و(2) تحقيق أرباح بعدما قادت السياسيات النقدية الدولة في الأعوام الماضية إلى شبه إفلاس محقق.

 

 

وأكد "مهنا"، أنه بعد عقود من اعتماد أنظمة تعويم العملة وتعميمها على عدد كبير من بلدان العالم (بما في ذلك البلدان النامية)، لم ينجز تعويم العملة وعوده بإعادة التوازن إلى الموازين التجارية للعالم، ولم تتحقق آمال أنصاره. فأسعار الصرف الجارية ابتعدت كثيرا عن المستوى المفترض أنه يقود إلى التوازن، وأكبر شاهد على ذلك هو حجم الاختلالات العالمية التي وصلت إلى مستويات قياسية ولا تزال عصية على المعالجة.

 

 

فالولايات المتحدة وبعض البلدان الأوروبية إضافة إلى بلدان نامية عديدة تعرف حالة عجز تجاري هيكلي منذ عدة عقود، وفي المقابل تعرف الصين وألمانيا واليابان والدول المصدرة للنفط فائضا تجاريا هيكليا، وبدلا من أن يضمن تعويم العملات إعادة التوازن للعلاقات التجارية الدولية، عرف العالم حالة من عدم الاستقرار النقدي بسبب التقلبات المستمرة لأسعار الصرف ومعدلات تغيرها الكبيرة، التي لا تخضع أحيانا لأي منطق عقلاني بسبب العوامل النفسية التي تؤطر حركة المضاربين العالميين.

 

 

ويصف "مهنا"، السياسات بأنها لا شك تخرج بالدولة من منظومة الاقتصاد الرسمي والسياسات النقدية إلى منظومة الاقتصاد  غير الرسمي والذي وصل حجم تداوله ما يقرب من 2 ترليون جنيه في ظل غياب منظومة الرقابة المالية والإدارية، ويظهر ذلك جلياً بعد وصول سعر الدولار إلى 15 جنيه داخل بعض البنوك وهو ما يماثل تقريباً سعره في السوق السوداء وهو ما يؤكد عدم قدرة الدولة على تنظيم سوق الصرف بل ارادت الاستفادة منه وتحقيق أرباح وتحويل الدولة بأكملها إلى سوق غير رسمي، وفتح الباب لمزيد من تهريب الأموال.

 

 

وتابع: ،إن قرار تعويم الجنيه المصري يهدف في المقام الأول إلى تحرير سعره في السوق بشكل كامل، بحيث لا تتدخل الحكومة أو البنك المركزي في تحديده بشكل مباشر، وهو ما يعني ترك سعر الجنيه لقوى السوق لتحدد سعره من خلال آلية العرض والطلب التي تسمح بتحديد سعر صرف الجنيه مقابل العملات الأجنبي، ودائماً ما سنلحظ التقلب المستمر لسعر الجنيه مع كل تغير يشهده العرض والطلب على العملات الأجنبية، حتى إنها يمكن أن تتغير عدة مرات في اليوم الواحد.

 

وأضاف مهنا: "لاشك أن القرار متسرع لان تعويم العملة يتطلب توفير أكثر من 20 مليار دولار كاش للوفاء باحتياجات الدولة ورجال الاعمال والمواطنين، بالإضافة إلى الوضع سوف يضطر الحكومة إلى رفع سعر الفائدة في البنوك للحد من التضخم وهو ما سيساعد على توفير أموال في شريحة الأغنياء التي تمثل 9 ٪‏، من الشعب بينما سيلتهم الوضع ميزانيات الفقراء وسوف يزيد من معدلات الفقر لتلتهم شريحة الطبقة الوسطى، هذا بالإضافة إلى أن رفع سعر الفائدة سوف يزيد بدون شك أعباء الحكومة في مواجهة الدين العام، ولا شك أيضا أن رفع سعر الفائدة سوف يؤثر بالسلب على المواطنين المقترضين من البنوك فيزيد أعباءهم المادية وينطبق نفس الوضع على المستثمرين الراغبين في الاقتراض حيث ستكون تكلفة إقامة مشروعات في مصر عالية ولن يتحملها كثير من المستثمرين المحليين ومعظم المستثمرين الأجانب وهو ما يهدد بالمزيد من ضعف الاستثمارات وبالتالي سيؤثر ذلك بالسلب أيضاً على حركة التداول في البورصة حيث سيتجه أصحاب الأسهم على البيع السريع والعشوائي مما يهدد بخسائر فادحة لقطاع البورصة.

 

وهناك نوعان من التعويم إما أن يكون التعويم حراً أو يكون تعويماً مُوجَّها، ففي حالة التعويم الحر يتم ترك تحديد سعر الصرف لقوى السوق وآلية العرض والطلب بشكل كامل، وتمتنع الدولة عن أي تدخل مباشر أو غير مباشر. بينما في حالة التعويم المُوجه يتم ترك تحديد سعر الصرف لقوى السوق وآلية العرض والطلب، لكن الدولة تتدخل (عبر مصرفها المركزي) حسب الحاجة من أجل توجيه أسعار الصرف في اتجاهات معينة من خلال التأثير في حجم العرض أو الطلب على العملات الأجنبية.

 

وبالنظر إلى نوعي التعويم نجد أن البنك المركزي لم يقرر تعويم الجنيه وإنما حول تعويم الجنيه من تعويم موجه إلى تعويم حر، وبهذا فسنجد غياب كامل للبنك المركزي والدولة في إدارة ومتابعة سوق العملة وفتح الباب على مصراعيه لكافة اليات السويق لتحديد قيمة الجنيه المصري أمام الدولار.

 

وحذر "مهنا"، أن هناك خطورة واردة بانهيار الاقتصاد المصري بشكل كامل إذا فشلت الحكومة في توفير مستلزمات الدولة ورجال الأعمال من العملة الصعبة، فالخطورة هنا أنه بتحرير الجنيه تعويماً كاملاً لابد أن تلتزم الدولة بتوفير متطلبات رجال الأعمال والمستوردين وحتى المواطنين في أسرع وقت وإلا فالنتيجة كارثية بدون شك على سوق العملة والاقتصاد المصري ككل. والخطورة هنا أن تحرير جميع الأسعار (أسعار السلع والخدمات، أسعار الفائدة، أسعار العمل (الأجور)، أسعار النقد الأجنبي (أسعار الصرف) -وترك تحديدها للأسواق من دون أي تدخل أو توجيه من الدولة، يؤدي إلى كارثة اقتصادية واجتماعية.

 

 

فبعدما رفع البنك المركزي سعر الدولار  في البنوك إلى 8.80 جم واصل سعر الصرف تذبذبه حتى وصل سعر الدولار في السوق السوداء إلى 18.50 جنيه مصري للدولار. وبتحرير سعر الصرف ووصول الدولار داخل البنوك الرسمية إلى 15 جنيه، قد يتعدى سعر الدولار في السوق السوداء حاجز ال 21 جنيه في حال فشل الحكومة في توفير احتياجات الدولة ورجال الاعمال والمواطنين من الدولار، حيث سيتجه الجميع مرة أخرى إلى الحصول على متطلباتهم من العملة الصعبة من السوق السوداء وهو سيؤدي إلى انهيار كامل للاقتصاد المصري ووصل الدولار على ما يزيد عن 21 جنيه.

 

 

وحث "مهنا" الحكومة على الإسراع لتوفير ما لا يقل عن 20 مليار دولار لقرب الشتاء حيث ستحتاج مصر الغاز المسال بالإضافة إلى كافة أنواع الوقود خاصة بعد حدوث أزمة توريد الطاقة من شركة أرامكو السعودية وإعلان الكويت أنها لن تورد طاقة إلى مصر إلا بالتعامل كاش.

وحذر "مهنا"، من قرض صندوق النقد الحالي حيث سيصل الدين الخارجي لمصر من 56 مليار دولار إلى 78 مليار دولار وإذا أضفنا ال 20 مليار الروسية لمحطة الطاقة النووية فإن الدين الخارجي سيصل إلى ما يقرب من 90 مليار دولار وهو ما سيضطر الرئيس السيسي إلى رفع الدعم بشكل كامل حتى يتمكن من توفير أقساط الديون.

 

وفيما يخص القرض أكد "مهنا"، أن القرض سيستخدم لسد العجز في الموازنة فمثل هذه القروض لا تستخدم للتنمية الاقتصادية فهذا ليس الهدف منها وهو ما سيضع أعباءً مادية كبيرة الأجيال القادمة، خاصة أن الحد الأمن للقروض لابد ألا تتعدى 60% من الناتج المحلي للدولة بينما وصل الدين في حالة مصر إلى ما يزيد عن ال 100% من الناتج المحلي وهذا يعني أن مصر قد افلست "بالورقة والقلم"