مى سمير تكتب: كفاح «الأورومو» ضد قمع الحكومة الإثوبية

مقالات الرأي



يمثلون 30 % من السكان وغالبيتهم مسلمون لهم تاريخ من الانتفاضات

■ أمريكا وبريطانيا وصندوق النقد يدعمون نظام ديسالين لصالح مشروع قصب السكر باستثمارات 4.5 مليار دولار

■ المشروع يعتمد على تهجير السكان من أراضيهم دون تعويضات لتفتيت أكبر طائفة فى البلاد


لم يأت انفجار الأوضاع السياسية الإثيوبية كمفاجأة، ولكن على العكس كانت جميع الشواهد تؤكد أن هناك غضبا مكتوما تحت الرماد ينتظر اللحظة المناسبة كى ينفجر وتصيب شظاياه كل أركان النظام الإثيوبى.

تابع العالم عداء الماراثون الإثيوبى، فيسا ليليسا، فى أوليمبياد ريو، وهو يرفع يده بعلامة التضامن أثناء استلامه الميدالية الفضية فى إشارة واضحة لدعمه شعب أورومو، الذى يمثل ما يقرب من 36% من الشعب الإثيوبى المتعدد الطوائف، حيث يتعرض شعب أورومو لحملة قمع واسعة من قبل النظام الإثيوبى.

نتيجة لإعلان دعمه لشعب أورومو أعلن اللاعب خوفه من العودة إلى بلاده، لأنه قد يتعرض للقتل وعبر عن رغبته فى طلب حق اللجوء السياسى إلى البرازيل أو أمريكا، كانت هذه الحادثة كفيلة بإلقاء الضوء على حقيقة الوضع المؤلم لشعب أورومو الذى يتعرض للاضطهاد من قبل النظام، ويأتى التصعيد الأخير كنتيجة لسنوات من الظلم وليس كنتيجة لتدخل مصرى كما يدعى المسئولون فى إثيوبيا.

بعض التقارير الغربية رصدت الأوضاع الإثيوبية عن قرب وكشفت تفاصيل هذا التاريخ القمعى والدور الأمريكى فى دعم الأنظمة الإثيوبية، التى تلاحقها اتهامات بانتهاك الإنسان فى بلادها.


1- تاريخ من القمع

فى هذا الإطار كشف تقرير تحليلى تحت عنوان «القبضة الحديدية للدولة الإثيوبية» نشره معهد جلوبال ريسرش، الكندى، المتخصص فى التحليلات السياسية والعسكرية عن تاريخ طويل من القمع والاضطهاد تمارسه الحكومات الإثيوبية المتتالية.

الأورومو هم أكبر عرق فى إثيوبيا، ويشكلون حوالى ثلث سكان البلاد البالغ عددهم 100 مليون نسمة، ويشكون من تهميشهم سياسياً واجتماعياً من قبل الحكومات الإثيوبية التى تمارس سياسات قمعية ضدهم، حيث تشهد إثيوبيا تصعيد حكومياً ضد شعب أورومو أسفر عن مقتل ما يقرب من 70 شخصا فى بداية هذا الأسبوع.

ويشير تقرير جلوبال ريسرش، إلى أن الحكومات الإثيوبية تبنت على اختلافها سياسات قمعية بدعوى الحفاظ على وحدة الشعب الإثيوبى متعدد الطوائف، حيث تتواجد على الأراضى الأثيوبية طوائف الأمهرة والتيجرى، إلى جانب الأورومو وطوائف فى جنوب إثيوبيا.

ويضيف التقرير إن نهج القبضة الحديدية لإدارة شئون الدولة من قبل الحكومات المتعاقبة قد تأسس على فكرة الحفاظ على نظام الحكم متعدد الأعراق بأى ثمن، لدرجة أن منتقدى الإدارة الحالية يتهمونها بأنها غير مدركة للمظالم الحقيقية لمواطنيها وأنها غير قادرة على التمييز بشكل مناسب بين الاحتجاج والعصيان.

فى ظل هذا النهج ثقيل الوطأة، يؤكد بعض المعلقين أن هناك تهديدا كبيرا كى تندرج إثيوبيا إلى صراع قائم على أساس العرق الذى لن يعكس فقط التحولات العنيفة فى تاريخها الحديث ولكنه يمكن أن يحمل الملامح المدمرة للنزاعات الإفريقية كما حدث فى السودان والصومال المجاورة وحتى رواندا.

يعيش الأورومو فى إقليم أوروميا، وهو أكبر إقليم فى إثيوبيا، ويحيط بالعاصمة أديس أبابا، ويعتمد اقتصاد سكانه بشكل أساسى على الزراعة، وتربية الماشية، والمناجم، والسياحة، ويعتنق بعض الأورومو الإسلام فيما يعتنق البعض الآخر المسيحية بالإضافة لديانة محلية تدعى واقا، ويتحدثون بالأورومية.

أشار تقرير لمنظمة العفو الدولية فى عام 2014 إلى أن قمع الحكومة الإثيوبية لشعب أورومو امتد إلى كل مظاهر التعبير بما فى ذلك التعبير الثقافى الذى تنظر إليه الحكومة كشكل من أشكال المعارضة وبالتالى يتعرض كثير من المغنين والكتاب والشعراء من الأورومو للحبس بدعوى انتقادهم للحكومة، كما تم القبض على المئات أثناء مهرجانات الأورومو التقليدية.

انتهاج سياسة قمعية ضد شعب أورومو دفعهم إلى البدء فى سلسلة من الاحتجاجات ضد النظام الإثيوبى منذ نوفمبر 2015، خاصة بعد تنفيذ الحكومة لخطة توسيع العاصمة أديس أبابا على حساب أراضيهم، ما سيؤدى لتمزيق الجماعة العرقية بين أقاليم أخرى، وسيؤثر على خصوصيتها الثقافية والعرقية، وطردت الحكومة الإثيوبية 150 ألف مزارع فى أورومو من أراض استوطنوها منذ آلاف السنوات ليتحولوا إلى مزارعين باليومية بدلاً من حصولهم على تعويضات.

وفى يونيو الماضى أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش، تقريراً أشارت فيه إلى أن عدد القتلى من الأورومو تجاوز الـ400 قتيل منذ بدء احتجاجات الأورومو فى نوفمبر الماضى، إضافة إلى آلاف المصابين، وعشرات الآلاف من المعتقلين.

انتفاضة شعب الأورومو ضد النظام الإثيوبى ليست حديثة العهد، فهناك تاريخ طويل من محاولات الانفصال عن إثيوبيا، حيث يعتبر شعب أورومو أنه لا ينتمى لهذه الدولة التى تعد الوطن الأساسى لطوائف الأمهرة والتيجرى أو الحبشة، كما يطلق عليهم سكان إقليم أورومو.

وخلال حكم الإمبراطور هيلاسلاسى، الذى امتد منذ عام 1930 إلى 1974، نفذت الحكومة حملات اضطهاد ضد الأورومويين الذين بدأوا أول ثوراتهم المسلحة ضد نظام هيلاسلاسى فى ستينيات القرن الماضى. فى عام 1973، تم تأسيس جبهة تحرير أورومو، التى تدعو لحق تقرير المصير للأورومو ضد ما يسمونه «الحكم الاستعمارى الحبشى»، وتصفها الحكومة الإثيوبية بأنها منظمة إرهابية.

فى المقابل تم إنشاء المنظمة الديمقراطية لشعب الأورومو، والتى كانت جزءاً من كيان سياسى أكبر يحمل اسم الجبهة الشعبية الثورية، ونشأ صراع بين الجبهتين، خاصة أن جبهة التحرير تبنت سياسة الكفاح المسلح بينما التزمت المنظمة الديمقراطية بالعمل السياسى.

عندما تم إسقاط النظام الماركسى لمنجستو هايلى مريام، فى عام 1991، تم تأسيس نظام سياسى قائم على الفيدرالية يضم 9 طوائف إثنية، واعتبر هذا النظام نموذجا للقارة الإفريقية، ومنح الدستور الحكم الذاتى للأجزاء المكونة للدولة والأهم أنه اشتمل على فقرة تنص على حق الانفصال.

تولى إدارة البلاد فى عام 1991 ملس زيناوى، الذى كان عضوا فى الجبهة الشعبية الثورية التى أسقطت حكم منجستو الذى عرف باسم حكم الدرج، ووصل للحكم فى 1974، وأصبح زيناوى الرئيس حتى عام 1995، ثم انتقل لمنصب رئيس الوزراء، الحاكم الفعلى للبلاد، وظل يدير إثيوبيا إلى أن توفى عام 2012، نتيجة إصابته بفيروس غامض ليخلفه نائبه هيلى ماريام ديسالين، ويستمر على نفس سياساته.

حظى حكم زيناوى بتأييد الحكومات الغربية على نحو انعكس فى التقارير الدولية، مثل تقرير البنك الدولى فى عام 2011 الذى أشار أن الفقر انخفض فى البلاد من 44% فى عام 2000 إلى 30% فى عام 2011، كما أشار نفس التقرير لتطور التعليم والصحة وارتفاع مستويات معيشة الأسرة.

وتلقى النظام دفعة قوية عندما أثنى الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى أول زيارة رسمية لرئيس أمريكى للبلاد عام 2015 على الحكومة المنتخبة ديمقراطيا فى إثيوبيا، ولكن هذا الدعم والثناء الغربى لم يؤثر فى موقف المعارضة وتحديداً جبهة تحرير أورومو التى ترى أن الإصلاحات الديمقراطية التى تثير إعجاب الغرب ليس لها وجود على الأرض فى ظل الطبيعة الاستبدادية لحكم زيناوى أو خلفيته.

وبحسب بولسا ديمسيكا أحد رموز المعارضة الإثيوبية، فإن السلطات الفيدرالية التى من المفترض أن يتمتع بها كل إقليم تم اغتصابه من قبل الحكومة المركزية حيث كان بإمكان زيناوى الإطاحة بأى رئيس لإقليم لا يأتى على هواه.

وهناك كثير من الأدلة على الوسائل السلطوية للحكومة الإثيوبية التى تهمين عليها الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية منذ الإطاحة بنظام منجستو، حيث شهدت الانتخابات البرلمانية فى 2005 تزويراً على نطاق واسع، وكذلك فى انتخابات 2010، أما انتخابات 2015 فوصفتها المعارضة بأنها عار على الديمقراطية ودليل على حكم الحزب الواحد، بعد أن شهدت فوزاً ساحقاً للجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية التى استحوذت على 500 مقعد من أصل 547 مقعدا، وحصل حلفاؤها على بقية المقاعد، والنتيجة أن برلمان إثيوبيا ثانى أكبر الدول الأفريقية من حيث عدد السكان لم يكن يضم عضوا واحدا من معارضى للنظام.

من ناحية أخرى تسيطر الجبهة الثورية الديمقراطية بشكل كامل على أجهزة الأمن، حيث تهيمن طائفة التيجرى على الجيش والشرطة وأجهزة الاستخبارات، وهو ما يضمن للجبهة البقاء على رأس الدولة.

كما يشير تقرير جلوبال ريسرش، إلى أن الحكومة الإثيوبية صاغت قوانين غامضة لمكافحة الإرهاب بهدف قمع المعارضة، ومنذ لإصدار قانون مكافحة الإرهاب فى 2009، تم القبض على 11 صحفيا وصدرت أحكام ضد بعضهم بالسجن لفترات تزيد على 10 سنوات.


2- الدعم الأمريكى

على موقع ذا إيكولجيست، نشر الباحث البريطانى المتخصص فى الشأن الإثيوبى، ويل هورد، تقريراً بعنوان «الولايات المتحدة، بريطانيا، والجماعات المانحة، الحرب على السكان الإصليين وتمهيد الطريق للزراعة الدولية» تحدث عن الدعم الكبير الذى تقدمه الحكومة الأمريكية من خلال هيئة المعونة الأمريكية التى تقدم للحكومة الإثيوبية 513 مليون دولار سنوياً، بجانب وزارة التنمية الدولية البريطانية وصندوق النقد الدولى. وأشار التقرير فى مقدمته إلى أن جميع هذه الهيئات تغض البصر عن الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان ضد شعب الأورومو، خاصة فيما يتعلق بطردهم من أراضيهم والاستيلاء عليها، وذلك فى مقابل الخدمات التى يقدمها النظام الإثيوبى لهذه الدول.

ضرب التقرير مثالاً بمشروع برنامح ترويج الخدمات الأساسية والمدعوم من أمريكا وبريطانيا وتحت رعاية صندوق النقد الدولى، وتحت مظلة هذا المشروع تم منح كثير من أراضى الأورومو للمستثمرين الأجانب لزراعة قصب السكر، وتصل تكلفة هذا المشروع إلى 4.9 مليار دولار، ويساهم فى تمويله، مجموعة مساعدة التنمية «داج» والتى تضم فى عضويتها على سبيل المثال، بنك التنمية الإفريقى، البنك الدولى، صندوق النقد الدولى، المعونة الأمريكية، إلى جانب وكالات التنمية الحكومية لـ21 دولة من ضمنهم إسرائيل.

ومن المفترض أن يقدم هذا المشروع الخدمات التنموية للسكان المحليين، ولكن الخدمة الوحيدة التى تم تقديمها كانت طردهم من أراضيهم وتنفيذ خطة لإعادة توطينهم بحجة توفير الخدمات للسكان المحليين المتوفرة فى الأماكن الجديدة، ولكن بحسب الكاتب البريطانى فإن الهدف الرئيسى هو سيطرة هذه الكيانات الأجنبية على أراضى السكان الأصليين وفى نفس الوقت نقلهم إلى أماكن جديدة تستطيع فيها الحكومة الإثيوبية إحكام سيطرتها عليهم.

يضيف الكاتب البريطانى إنه بفضل الاعتماد على رعاية الماشية، وهى المهنة التى تعتمد بشكل الأساسى على الترحال والتنقل بشكل مستمر، نجح الأورومو، على مدار 118 سنة من الهرب من السياسات القمعية للحكومات الإثيوبية التى تم انتهاجها ضد المزارعين المستقرين فى أراضيهم، ولذا تسعى الحكومة الإثيوبية إلى القضاء على هذه المهنة لتسيطر على شعب الأورومو وأراضيه، تنفذ الحكومة الإثيوبية هذه الخطة بمساعدة الجهات الأجنبية وعلى رأسها هيئة المعونة الأمريكية.

والتقى الكاتب البريطانى مع عدد من سكان الأورومو والذين كشفوا له عن سلسلة من الانتهاكات الحكومية والتى تبدأ من الاستيلاء على الأرض، الضرب، الاغتصاب، وأخيرا إجبارهم على توقيع اتفاقيات مع الحكومة.

وفى محاولة لحفظ ماء الوجه، نشرت وكالة المعونة الأمريكية ووزارة التنمية الدولية البريطانية تقريراً أشاروا فيه إلى عدم وجود أدلة واضحة على الانتهاكات التى يتعرض لها شعب الأورومو من قبل الحكومة الإثيوبية.

والتقى الصحفى البريطانى مع عدد من السكان المحليين الذين قابلوا صناع هذا التقرير وأكدوا لهم حجم الانتهاكات التى يتعرض لها الأورومو والممارسات القمعية للحكومة الإثيوبية، ورغم ذلك اختار صناع التقرير تجاهل هذه الشهادات وأصدروا تقريراً فى صالح الحكومة الإثيوبية.

يذكر أن المجاعة انتشرت بين بعض سكان إقليم أوروما من الذين يعتمدن على الزراعة بعد قيام الحكومة الإثيوبية ببناء سد لتوفير المياه لمزارع قصب السكر فى إطار مشروع ترويج الخدمات الأساسية، ويبقى السؤال كيف لمشروع خدمى تموله جهات أجنبية بقيمة 4.9 مليار دولار يترك السكان المحليين جياعاً.

لكن غض البصر الأمريكى عن الوضع المتردى لحقوق الإنسان فى إثيوبيا لا يرجع فقط لتورط وكالة المعونة الأمريكية فى هذه المشروعات الاستثمارية التى ترفع شعار التنمية ولكنها فى حقيقتها تمنح الأراضى الإثيوبية للمستثمرين الأجانب، فالدعم الأمريكى للنظام الإثيوبى يرجع لخضوع النظام الإثيوبى لمطالب أمريكا الأمنية، بما فى ذلك تأسيس قاعدة عسكرية للطائرات بدون طيار، والتى تم افتتاحها عام 2011 بمدينة أربامنيش جنوب إثيوبيا، بهدف القيام بعمليات عسكرية واستخباراتية فى شرق إفريقيا والشرق الأوسط تحت مظلة الحرب على الإرهاب، وظلت القاعدة مفتوحة وتعمل بكامل قوتها حتى بداية 2016.

فى ظل هذه الحقائق التى كشفتها تقرير غربية، يأتى التصعيد الأخير فى المشهد الإثيوبى وتصاعد حدة المواجهات بين النظام والمعارضة كنتيجة لتاريخ طويل من السياسات القمعية من قبل الحكومة الإثيوبية، ولكفاح مستمر من قبل المعارضة للحصول على حقهم فى حياة كريمة، أما محاولة اتهام مصر بأنها تقف وراء تلك التطورات الأخيرة، فهو محاولة يائسة من النظام الإثيوبى للتخلص من مسئوليته عن تدهور الأوضاع الداخلية المستمر منذ عشرات سنوات.