أزمة الدولار تضرب "صناعة الغزل والنسيج".. وتهدد المصانع بالإغلاق

الاقتصاد

أحد مصانع الغزل والنسيج
أحد مصانع الغزل والنسيج أرشفية


مازال مسلسل إهمال قطاع الغزل والنسيج عرض مستمر في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، وسيطرة تجار العملة الصعبة على السوق السوداء واحتكار"الدولار" للتربح منه بطرق غير شرعية، الأمر الذي أصاب قطاعات اقتصادية عديدة بموجة عارمة من الإحباط حتى وصل بهم المطاف إلي إغلاق العديد من الشركات، وإعلان إفلاسها بسبب نقص المواد الخام وصعوبة استيرادها، فضلا عن ارتفاع سعر الغزل إلي 48 جنيهاً للكيلو الواحد، ولم تمضي تلك أزمة قطاع الغزل والنسيج كغيرها بل أطاحت بعدد كبير جداً من العاملين بالقطاع "الطبقة الكادحة" التي لا حول لها ولا قوة.


"الفجر" ترصد دور الحكومة في مواجهة أزمة صناعة الغزل والنسيج فضلاً عن أراء الخبراء الاقتصاديين حول تلك الأزمة:-

وفيما يخص دور الحكومة لحل أزمة" صناعة الغزل والنسيج، كان قد أكد الدكتور أشرف الشرقاوي – وزير الدولة لقطاع الأعمال، على إنه عند توليه حقيبة وزارة قطاع الأعمال، أخذ على عاتقة تطوير وإعادة هيكلة شركات الغزل والنسيج بمصر، وأعلن أنها ستأخذ الأولوية في التطوير وإعادة الهيكلة، ولكن ستأخذ التصريحات الوقت أكثر من العمل على حل المشكلة، إلى أن تنتهي فترة وزارته، و يأتي من بعده، وهكذا تسير الأمور على مدار الحكومات المتعاقبة.


وأضاف "الشرقاوي" أن السبيل لإحياء تلك الصناعة وعودة تلك الشركات لسابق عهدها، المفعم بشهرتها وجودتها و تنافسيتها عالميا، أنه يمكن تمويلها بصفة مبدأيها من بيع بعض الأراضي الشاسعة، التي تمتلكها شركاتها والتي يقع معظمها على النيل مباشرة في عدة محافظات، لسهولة نقلها، ونقل خاماتها عبر الملاحة النيلية، التي استبدلت الآن بالحافلات والقطار وغيرها من وسائل النقل البري، ليصبح بيع تلك الأراضي غير مؤثرا على حركة التشغيل، وتستخدم عوائد بيع تلك الأراضي، والمقدرة بالمليارات، في إعادة هيكلة وتطوير مصانع الغزل، وكذلك توفير الماكينات والمعدات الحديثة، التي تواكب العصر، مع تدريب العمالة على أعلى مستوى من التدريب، وإن تطلب الأمر سفر البعض منهم للتدريب بالدول التي يشهد لها بتنافسية عالمية عالية في هذا القطاع، كذلك توفير الدعم اللازم لتلك الشركات، من تسهيل إجراءات استيراد أجهزة وخامات جديدة، ودعم أسعار المحروقات لتلك الصناعة، مع إلزامها بالعمل بكامل طاقتها وليس 30% من خطوطها فقط، لتعود الروح إليها مرة أخرى، ثم يأتي بعد ذلك اختيار التوقيت المناسب للبدء في طرح نسب من تلك الشركات في البورصة المصرية، لزيادة رأس مالها، وتوزيع نسب من أسهمها بتسهيلات كبيرة للعاملين بها، على سبيل الإثابة و التشجيع، موضحاً أنه في النهاية يتم التخطيط لحملات ترويجية و إعلامية، لإحياء تلك الصناعة، و فرض رسوم إغراق على المنتج الأجنبي المماثل، ومحاولة تخفيض التكلفة الإنتاجية والضرائب على المنتج المصري.


في البداية قال أيمن فودة  رئيس لجنة أسواق المال بالمجلس الاقتصادي الأفريقي، إن صناعة الغزل والنسيج شهدت تراجعًا كبيرًا في نشاطها، خلال الأعوام الماضية، بعد أن كانت صناعة الغزل والنسيج تعتبر من أكبر الصناعات الإستراتيجية التي تمتلكها مصر على مر العصور، حيث تمتلك مصر 32 شركة حكومية بقطاع الغزل والنسيج في 9 محافظات، موزعة على مناطق متفرقة من الجمهورية، موضحًا أن هناك 8 شركات مقيدة بالبورصة المصرية، بالإضافة إلى شركة النيل لحليج الأقطان "المتوقفة الآن".


وأوضح "فودة"، أن صناعة الغزل والنسيج احتلت في تاريخ مصر المرتبة الأولى، وسط الصناعات التصديرية التي اشتهرت بها مصر، لجودة المنتج الذي لم يجد له أي منافس لعصور طويلة - على حد قوله، والتي كان يستخدم لها القطن المصري طويل التيلة، بعمالة مصرية مدربة ذات خبرة عالية، لتنشر شهرة المنتج المصري في هذا القطاع بجميع أنحاء العالم، إلا أن هذه الصناعة بدأت في الاندثار مع الإهمال المستمر لهذا القطاع المهم من الحكومات المتعاقبة، لتتحول معظم هذه الشركات للخسارة، بعد أن كانت تحقق مكاسب كبيرة للدولة، وتغطي احتياجات الدولة، ويتم تصدير الفائض منها للعديد من الدول الأوروبية وأمريكا، لتغطي بصادراتها معظم دول العالم، علاوة على ما كانت توفره من عملة صعبة، تعزز من احتياطي النقد الأجنبي، وتوفر الخامات اللازمة للعديد من الصناعات المحلية.


وتابع"فودة"، يأتي في مقدمة أسباب هذا التحول السلبي، الذي أدى إلى خسائر شركات الغزل والنسيج، ارتفاع تكلفة الإنتاج الذي تفاقم مع تخفيض سعر الصرف،  مع عدم القدرة على وجود تنافسية مع صناعة الغزل والنسيج في دول أخرى أثبتت جدارتها بجودة خاماتها ورخص سعرها، ليتراجع العامل المصري بشكل قوي نتيجة عدم التدريب الكافي والتطوير، وإعادة هيكلة المصانع والماكينات التي يعمل عليها لسنوات طويلة، مما أثر بشكل كبير على تراجع تلك الصناعة وعدم التطوير بها،


كما أن اتفاقية "الكويز" أثرت بشكل سلبي ومباشر على تلك الصناعة، ومع الكساد العالمي الذي تمر به دول أوروبا المستورد الرئيسي للأقطان المصرية، والإهمال الذي لحق بتلك الصناعة، وعدم الاهتمام بالعاملين بها، ليتوقف التصدير بشكل شبه كامل، بالإضافة إلى تراجع الأراضي الزراعية المخصصة لزراعة القطن هذا العام إلى 100 ألف فدان، مقابل 247 ألف فدان العام الماضي، نتيجة للتراجع الكبير في عائد زراعة القطن، وتقاعس الحكومة عن إعطاء الفلاح السعر المناسب لتوريد القطن، حتى عزف عن زراعته لطول مدة بقائه بالأرض و خدمته الزراعية، فضلًا عن زيادة تكلفته عن عوائده المناسبة، التي لا تسد احتياجات مزارعيه الحياتية.


ولفت "فودة" إلى أن الأرض المخصصة لزراعة القطن في عصر الستينات، كانت تزيد عن 2 مليون فدان، مما ينذر بقرب كارثة ستحل بهذه الصناعة الهامة والحيوية بالبلاد – على حد وصفه، والتي لم تلتفت لإصلاحها العديد من الحكومات المتعاقبة، بل أسهمت بإهمالها في اتساع المشكلة.


وفى السياق ذاته قال بهاء عبد النبي الخبير الاقتصادي، إن قطاع الغزل والنسيج من القطاعات التي  تشهد ركودًا كبيرًا ومستمرًا، وإهمالًا من قبل الحكومة خلال الفترة الماضية، مع تحقيق خسائر فادحة، موضحًا أنه من من بعض أمثلة تلك الشركات التي تعرضت لتلك الخسائر، شركة النصر لصناعة المنسوجات، وشركة العربية لحليج الأقطان، وشركة النيل لحليج الأقطان، وشركة بولفارا للغزل والنسيج، وغيرها.


وأوضح عبد النبي، أن تلك الشركات المذكورة بالرغم من خسائرها الفادحة، إلا أنها تمتلك محافظ أصول ثابتة، لا تقل محفظة أقل شركة بهم عن مليار جنيه حجم المحفظة كاملة، مع مراعاة أنها من الضروري أن تقوم تلك الشركات بإعادة هيكلتها مرة أخرى، خلال الوقت الراهن، وإعادة التخطيط المالي المناسب للشركة، ووضع خطة تهدف إلى الربح لخروجها من تلك الخسائر الفادحة، وعلى رأسها تغيير الآلات والماكينات في صناعات الغزل والنسيج، والتطوير من منتجاتها، فضلًا عن اتجاه الحكومة نحو الدعم الكامل لذلك القطاع، وخاصة خلال الفترة القادمة، مشددًا على أنه من الضروري أن تقوم الحكومة بالاهتمام الكامل بذلك القطاع، الذي تم ركوده بالكامل عدة سنوات ماضية، والقيام بدعمه.


 ولفت عبد النبي، إلى أنه من المفترض خلال الفترة القادمة، أن هناك نية من الحكومة لشراء أسهم شركة النيل لحليج الأقطان بالكامل، وإعادة هيكلتها، مع التخطيط المناسب لبعض الشركات الأخرى ولجؤها إلى تقسيم الشركة الواحدة، إلى شركتين مختلفتين النشاط، كالآتي: شركة غزل ونسيج، والأخرى شركة استثمار عقاري ومقاولات "باعتبار أن تلك الشركات تمتلك محافظ أصول ثابتة ضخمة".


 وشدد عبد النبي، على ضرورة الاهتمام بتلك الشركات، واستثمار تلك المحافظ بانفصالها بشركة استثمارات عقارية ومقاولات خارج شركة الغزل والنسيج، في استغلال تلك الأصول الثابتة، في الاستثمارات المباشرة خلال الفترة القادمة، مؤكدًا أنه بعد نجاح الإصلاح الاقتصادي الكامل للسياسات النقدية والمالية للدولة، وإذا تم بالفعل دعم الحكومة الكامل لتلك القطاع، فسوف يشهد القطاع نمو وازدهار كبير بعد ذلك، ومن الممكن أن يتم بعض الاستحواذ عليه، من قبل مستثمرين أجانب وعرب خلال الفترة القادمة.


وفي الختام قال سعيد الفقي الخبير الاقتصادي، إن صناعة الغزل والنسيج، من الصناعات الأصيلة والقديمة في مجتمعنا، مضيفًا أن مصر كانت صادراتنا من تلك الصناعة إلي جميع دول العالم، لما تتميز به من جودة عالية، خاصة وأن مصر تتميز بإنتاجها من القطن طويل التيلة، الذي تنتج منه أعلى جودة عالمية، ولكن مع إهمال الحكومة لمصانع الغزل والنسيج، قل الإنتاج وقلت الجودة.


 وأرجع الفقي، ذلك لأسباب عدة، جاء أولها عدم تطوير مصانع الغزل والنسيج، بمعدات حديثة تساعد علي جودة الإنتاج وزيادته، ثانيًا الاعتماد على القوى العاملة البشرية بدون تطوير، مما يتسبب في قلة المهارات لديهم، وثالثًا التواكب مع آليات الإنتاج الحديث من ماكينات ومعدات.


وتابع الفقي، كل هذا أدى إلى خسائر متتالية لمصانع الغزل والنسيج، ومن الحلول المقترحة لإعادة تلك الصناعة لمكانتها، أولًا استيراد ماكينات حديثة تساعد علي الإنتاج المتطور، وذلك سوف يؤدي إلي زيادة الطلب على السلعة، ثم الاتجاه إلى التصدير، ولكي نصدر لابد من جودة الإنتاج وتميزه، وثانيًا تطوير الثقافة العمالية، عن طريق دورات تعليمية وإرشادية، من خبراء متخصصين، مما له من أثر كبير على إبداع العامل في إنتاجه، فضلًا عن ضرورة اهتمام الحكومة، بمنظومة قطاع الغزل والنسيج ككل، باعتباره من الصناعات الهامة والمؤثرة في الدولة، والسعي إلى التغيير، وبعد تطبيق تلك الحلول سيكون لدينا عائد للدولة، من خلال التصدير، فضلًا عن الحصول على العملة الصعبة، خاصة وأن مصر في أمس الحاجة لها.