خطيب جامع الراجحي: نجاح الحج.. إنجاز شرَقت به حلوق أعداء الدين

السعودية

الراجحى - أرشيفية
الراجحى - أرشيفية


خصّص إمام وخطيب جامع الراجحي بحي الجزيرة بالرياض الدكتور حمزة بن سليمان الطيار، خطبة اليوم الجمعة، للحديث عن نجاح موسم حج هذا العام ، وفشل مخططات المخربين وتهديداتهم.

 

وقال في نص خطبته:

"فإن من النعم الكبرى والمنن العظمى أن يُفسَح في الآجال، وينسأ في الآثار حتى تدرك مواسم الخيرات، وتحل أوقات البركات، وتتضاعف هذه النعم إذا تكللت بمحالفة التوفيق للعبد باستثمارها في الطاعات، واغتنامها في فعل الصالحات؛ فيتزود فيها من القربات، ويرتفع فيها لأعلى الدرجات، وقد مَنّ الله علينا بإدراك هذا الموسم العظيم الذي ينطوي على ضروب من النفع العميم، وتنوعت حظوظ المشمّرين لاغتنامه، والمبادرين بانتهازه، وتفاوت ما أحرزوا فيه من المكاسب، وما نالوا من أفضل المواهب، وتفاوتت حصائد كسبهم بحسب تفاوت كدّهم. وثمة طائفة قعد بهم سوء الحظ، وثبطهم طول الأمل؛ فاستناموا إلى النفس الأمارة حين زخرفت ما سولت، وعللتهم بالأماني الكاذبة وسوّفت؛ فلم يأبهوا بهذه المواسم الميمونة، ولم يرفعوا رأساً لهذه الأيام المعدودة، ولم يفطموا فيها النفوس من مراضع الإهمال، ولم يوقظوها من رقدة الخبال، فهنيئاً للمستثمرين المشمرين، وعزاء للمهملين المسوفين.

 

أيها المسلمون، أوصي نفسي وأوصيكم بتقوى الله عز وجل والمداومة على حُسن عبادته، والمواظبة على مراقبته في جميع الأحيان، وعلى امتداد الآماد؛ فالمسلم مأمور بتقوى الله في كل الأحيان، وفي شتى الأحوال، وعليه أن يعمر وقته بالعبادة إلى أن يلفظ آخر نفس من أنفاسه، قال تعالى: {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين}، وقال تعالى على لسان نبيه عيسى عليه السلام: {وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً}.

 

فعبادة الله تعالى هي الحكمة التي خلقنا من أجلها، والمكلف مطالب بها في جميع الأزمنة، ولا يذهبن الوهل بمغرور فيتخيل أنه إنما يؤمر بالجد في الطاعات، والاستكثار من نوافل الخيرات في المواسم المصطفاة، والأزمنة المنتقاة، وهو فيما سواه موضوع حبله على غاربه، متروك سدى في متاهات مذاهبه، كلا بل إنما هذه المواسم فرصة لأن ينال المجتهدون الكثير من الحسنات، وتنحطُّ عنهم السيئات في مدة وجيزة، وبكلفة يسيرة؛ فالمحظوظ من انتهز هذه الفرصة، والمحروم من حرم هذه البركة.

 

وكما جعل الله في السنة موسميْ الصيام والحج؛ كذلك شرع لنا نوافل الخيرات في مطاوي الليل والنهار؛ فمن نوافلهما الصلوات الراتبة والوتر، وفي أثناء الأسبوع كصيام الاثنين والخميس، وفي غضون الشهر كصيام أيام البيض؛ فمن وُفق لاستثمار هذه المنح فليحمد الله تعالى، وليحافظ على ذلك المغنم الرابح، ومن تقاصرت همته عن شيء منها فليستدرك الفائت؛ فإن الله تبارك وتعالى قد امتن علينا بإعطائه لنا فرصة تعويض التقصير فقال: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا}؛ أي جعل أحدهما خَلَفاً للآخر، إن فات رجلاً من النهار شيء أدركه من الليل، وإن فاته من الليل أدركه من النهار.

 

فاحرصوا عباد الله على اغتنام الأوقات في الطاعات، وعمارة الأزمنة الفاضلة فيما شُرع فيها من الفرائض والنوافل، ولا يغرنكم الطمع في امتداد المدة، وطول النَّظِرَة؛ فإنه لا يمر يوم من أيام العمر إلا كان انصرامه خَرْمَاً من الأجل، ودنواً من الهرم، وابتعاداً عن الشباب، وحثاً للخطى إلى حافة القبور، وإذا طويت صحيفة الحياة عند حلول سكرات الموت، لم ينفع ندم، ولم يكن إلى مردّ من سبيل، يقول الحق جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ، وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُمْ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِنَ الصَّالِحِينَ، وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا ۚ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.

 

وقال في الخطبة الثانية:

أيها المسلمون، إن الله قد تَكَرّم على الحجاج بأن أعانهم على أداء مناسكهم التي شرعها لهم وحثهم عليها، وبيّنها لهم ودعاهم إليها، وتفضّل عليهم بنيل الأمنية العظيمة التي استحوذت على اهتماماتهم، وصرفوا لها جل عناياتهم؛ فبذلوا فيها الأموال الطائلة الوفيرة، وفارقوا الأوطان الحبيبة، وودعوا الأهل والأحباب، وهجروا الدعة والراحة، تجشموا كل هذه المصاعب، واستلذوا مرارة تلك المتاعب تلبية لنداء ربهم الذي أمر نبيه وخليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام بتوجيهه إلى الناس فقال: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}.

 

فالحمد لله على ما يسّر، والشكر له على ما وفق، نسأله سبحانه أن يتقبل منهم عملهم قبولاً حسناً، ويجعل حجهم مبروراً، وسعيهم مشكوراً.

 

ثم إننا نشكر الله جل وعلا ثم نشكر دولتنا المباركة، ومملكتنا الغالية، المملكة العربية السعودية على ما بذلت من جهود مشكورة تكللت بنجاح الموسم، وإنجاز أعماله بهذا الشكل المشرّف الذي ملأ العيون روعة، والنفوس حبرة، والقلوب بهجة، إنجازاً كان قرة عيون المتقين، وقذى في عيون المفسدين، إنجازاً ليس وحيداً في بابه، وليس الأولَ من نوعه؛ فقد عُهِد من المملكة العربية السعودية القيامُ التام بشؤون الحرمين الشريفين، وسارت الركبان بخدماتها العظيمة، ورعايتها الكريمة، إنجازاً شرقت به حلوق أعداء الدين، الذين سوّلت لهم نفوسهم طيشاً وسفاهة، وغروراً وحماقة، سولت لهم أن يتلاعبوا بهذه الشعيرة العظيمة، وأطمعتهم في أن خبثهم المعهود ومكرهم المشهود سيخولانهم طعن الأمة في خاصرتها بإثارة الفوضى وإشاعة الذعر في الأماكن الطاهرة؛ فمُنِيت آمالهم بالخيبة، وأعقبت مساعيهم بالحسرة، وكانت أجهزة هذه الدولة المباركة عند حسن الظن بها، تحملت كل جهة مسؤوليتها المنوطة بها، وحمى كل الثغر الذي استحفظه، وأدى الأمانة التي استؤمن عليها؛ وفق ما يتلاءم مع هذه المسؤولية الجسيمة التي أكرم الله المملكة بتحملها، ووفق قدسية البقاع الطاهرة التي أمر الله بتطهيرها من أدران الشرك والوثنية، ونهضت هذه الدولة المباركة بتنقيتها من شوائب البدع المستحدثة، وأباطيل الخرافات المستهجنة، وتتابع ملوكها في خدمتها يتلو الخلف خطى السلف؛ سائرين على أقوم منهج بأتم نسق، ينبلج من أنوار آرائهم ما يبدد دجى الغسق، والله سبحانه أعلم وأحكم حيث وضع أمر الحج بأيدٍ أمينة، ولدى نفوس كريمة، بذلت كل ما في وسعها، وكل ما بمقدورها كي تخدم ضيوف الرحمن، والواقع المشاهد يشهد شهادة ناطقة بذلك؛ فهذه الأموال الكثيرة التي بُذلت، وتلك الجنود العظيمة التي حشدت؛ لم توضع ولم تبذل ولم تحشد ولم توظف ولم تهيأ ولم تسخر إلا لهذا الموسم المبجل العظيم، والزمن المقدس الكريم الذي يتكرر كل عام، والله أعلم حيث يجعل رسالته.. أفيقابل هذا الإكرام بالنكران والإجرام؟ وهذا الإنعام بالكفران والانتقام؟ ساء ما يحكمون.

 

وكل هذا مما لا يدع مجالاً للشك في بطلان ما نعق به نواعق الفتن، وسماسرة المحن، ومطايا كل بلية استهدفت المسلمين، وذخيرة كل متربص يكيد للمؤمنين، ألا وهم المجوس الفرس؛ أهل القبح والفسق والرجس، الذين لم تجفّ مآقيهم من دموع البكاء على تاج كسرى الذي سلبته كتائب الإسلام، وعلى ألوية مملكة فارسَ التي داسها جيش الفاروق بالأقدام، الذين لم يندمل في قلوبهم جرح انهيار دولة آل ساسان، ولم ينطفئ منها لهب الحزن على بيوت النيران، فما زالت خناجرهم تحدد وتسمم تهيئاً للانتقام من المسلمين، وحناجرهم تنهق وتنبح وعيداً لأهل السنة المصلحين من عهد عدو الله أبي لؤلؤة إلى يومنا هذا، ومما ارتفع به نعيقهم بأخَرَةٍ التشكيك في قدرة المملكة العربية السعودية على إدارة الحج والأخذ به للطريق السليم، والمنهج القويم؛ والواقع الحاضر والتاريخ الغابر يثبتان بطلان مطلبهم الوضيع واقتراحهم القبيح؛ ألا وهو تدويل الحج، وهذا المطلب المتناهي في رعونته وفجاجته، الفريد في وقاحته وسماجته لم يكن نابعاً من استجلاب مصالح، أو دفع مفاسد؛ بل وراءه غايات خبيثة، ومقاصد دنيئة؛ منها ما انطوت عليه نفوسهم وأشربته قلوبهم من الحسد للمملكة العربية السعودية سيدة العالم الإسلامي على ما اختصها الله به من المكانة المرموقة، وما حباها به من المواهب المغبوطة، حسد لا تُنضج ناره سوى أحشاء الحاسد، وحقد لا يثقل سوى كاهل الحاقد.

 

ولا عجب فلم يعهد التاريخ الإسلامي من هذه الطائفة إلا بُغض المصلحين، وعداوة الماجدين، والغدر بحجاج بيت الله الحرام؛ فكم أراق أهل هذه النِّحلة الفاسدة والملة الحاقدة دماء الحجاج، وكم جمحت بهم في وادي الغي مطايا اللجاج، كم أوضعوا خلال المسلمين يبغونهم الخبال، وكم أذاقوا المجتمعات طعم النكال، يُشجيهم ويحزنهم استقرار الدول المسلمة وازدهارها، ويسعدهم اضطرابها وانهيارها، وإن غيرتهم المزيفة وتباكيهم لتنظيم الحج خدعة لا ينخدع بها إلا قاصر النظر، أعشى البصيرة والبصر، وإن حرصهم على خدمة الحجاج كحرص العاهرة على الشرف؛ فتنبهوا يا عباد الله لدسائسهم الخطيرة، والتفوا حول قيادتكم الرشيدة، واستمسكوا بغرز الجماعة فما خاب من استمسك به. وافخروا بمبادئ دينكم، وبجهود دولتكم، وببسالة رجال أمنكم، وبنصاعة سجلكم في خدمة حجاج بيت الله الحرام، وزوار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

من مكة قبلة الإسلام بث لنا     مضمخاً بالتهاني أطيب النبإ

أن الحجيج بفضل الله قد سلموا    راق النظام وقرت أعين الملإ

وها أنا أقرع الأسماع مقتبساً      من حافظ لثغور الحرف مرتبئ

فليعلم الفرس والأذناب وليصلوا    بالعلم لاتَ بلبنانٍ وخامنئي

بأن أحلامهم باتتْ كخادعةٍ       من السرابِ بجرعاءٍ على ظمأِ

هل صدّق الأحمق المغرور في وهلٍ  بأنه السيد المقصود في اللجأِ

يهدد الأسد والآياتُ تحرسه      في قمْ وطهرانَ خابٍ عند مختبئ

لا رفض في حرم الرحمن يفسده    فليسمعوها بملءِ السمع في الملأ

لن يلطم الخد داع للحسين ولن     يدعى بلعن ولا رجعٍ ولا بَدَأِ

ولن يقوم لنار الفرس قائمة      ولن يزال سناها شرَّ منطفئِ

كل القطاعات في الميدانِ حاضرةٌ  أسودُ غابٍ دعاهم ليثُ مجترئِ

جاءت غطارفة الإيمان قاطبةً     وأي شهم من الأبطالِ لم يجئ

لا صبرَ للضيم والأجنادُ قادرةٌ     على الدفاع ولا إقرارَ للخطإ