أحقية الزوج في راتب زوجته من الناحية الشرعية

الفجر الطبي

أحقية الزوج في راتب
أحقية الزوج في راتب زوجته من الناحية الشرعية


من المقرر شرعًا أن الزوجة لا يجوز لها العمل إلا بإذن زوجها، فإن خرجت وعملت بدون إذنه الصريح أو الضمني كانت عاصية؛ لأن الحقوق الزوجية متقابلة؛ إذ عليه الإنفاق وعليها الاحتباس في منزل الزوجية لِحَقِّه، وقد قال الله تعالى: ﴿الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾ [النساء: 34].

ولا يقدح هذا في الحق المقرر للمرأة في العمل المشروع وأن لها شخصيتها وذمتها المالية متى كانت بالغةً عاقلة؛ لأن المشروعية لا تُنافي المنع؛ إذ مِن المقرر شرعًا أن للزوج أن يَمنع زوجته مِن صلاة النوافل وصومها مع أنها عبادة مشروعة.

والإذن الصريح يتمثل في أن يُعلِمَ الزوجُ زوجتَه به، والإذن الضِّمني أن تعمل دون اعتراضٍ منه أو يتزوجها عالِمًا بعملها.

وكما أن الزوج هو الذي له حق الإذن في عمل الزوجة خارج البيت، فإن بعض الفقهاء جعلوا له كذلك حق إلغاء هذا الإذن ومنع الزوجة مِن الاستمرار في العمل إلا إذا كان هناك التزامٌ عليها في هذا العمل ألزمَت به نفسها قبل الزواج فإن الزوج لا يملك حينئذٍ منعها منه، وصرح الشافعية والحنابلة بأن للمرأة أن تخرج للإرضاع إن كانت آجرَت نفسها له قبل عقد النكاح ثم تزوجت؛ لصحة الإجارة، ولا يملك الزوج فسخَها ولا منعَها مِن الرضاع حتى تنقضي المدة؛ لأن منافعها مُلِّكَت بعقدٍ سابقٍ على نكاح الزوج مع علمه بذلك.

وهذا المعنى هو الذي أخذ به القانون عندما قَيَّد هذا الحقَّ للزوج وجَعل مِن إذن الزوج للزوجة بالعمل خارج المنزل إذنًا مُلزِمًا للزوج يدوم بدوام العلاقة الزوجية بينهما حقًّا مكفولًا لها، فإذا طلب منها بعد ذلك الامتناع عن العمل فلم تمتثل فإنها لا تُعَدُّ ناشزًا ولا تسقط نفقتها؛ لأنه رضي بهذه الصورة مِن الاحتباس وأسقط حقَّه فيما زاد عليها، إلا إن كان عملها هذا منافيًا لمصلحة أسرتها أو مشوبًا بإساءة استعمال هذا الحق –حيث نصت الفقرة الخامسة مِن المادة الأولى مِن القانون رقم 25 لسنة 1920م (المعدلة بالقانون رقم 100 لسنة 1985م) على أنه: [لا يُعتَبَرُ سببًا لسقوط نفقة الزوجة خروجُها مِن مَسكن الزوجية -دون إذن زوجها- في الأحوال التي يُباح فيها ذلك بحكم الشرع مِمَّا ورد به نَصٌّ أو جرى به عُرفٌ أو قَضَت به ضرورةٌ، ولا خروجُها للعمل المشروع ما لم يَظهر أن استعمالَها لهذا الحق المشروط مشوبٌ بإساءة استعمال الحق أو مُنافٍ لمصلحة الأسرة وطَلَبَ منها الزوج الامتناع عنه] اهـ، وهذا الذي استقرت عليه المحاكم الشرعية.

ومن المعلوم أن حكم الحاكم يرفع الخلاف، وأن لولي الأمر تقييد المباح، وأنَّ له أنْ يتخير في الأمور الاجتهادية ما يراه محققًا للمصلحة، والعمل بذلك حينئذٍ واجبٌ، والخروج عنه حرامٌ؛ لأنه مِن قبيل الافتئات على الإمام.

كما أنه مِن المقرر شرعًا أن للزوج ذمةً مالية مستقلة عن زوجته، وأن للزوجة كذلك ذمةً ماليةً مستقلةً عن زوجها، وقد روى سعيد بن منصور والدارقطني والبيهقي عن حِبَّان بن أبي جَبلة -وقال سعيد: عن حِبّان عن الحسن مرسلًا- أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «كلُّ أَحَدٍ أَحَقُّ بمِاله مِن والدِه ووَلَدِه والناسِ أَجمَعِينَ»، فهذا الحديث يقرر أصل إطلاق تصرف الإنسان في ماله، وعليه: فلا يترتب على الزواج في الشريعة الإسلامية اندماج مالية أحد الزوجين مع مالية الآخر؛ سواء الأموال السائلة أو العقارات أو الأسهم أو غير ذلك من صور المال المختلفة، ولا يحق للزوج أو للزوجة -بموجب عقد الزواج في الإسلام- أن يتحكم أحدهما في تصرفات الآخر المالية، كما لا يعطي الشرع حقًّا ماليًّا لأحدهما على الآخر فوق ما يجب على الزوج لزوجته من مهر، وما يجب عليه من النفقة لها ولأولاده منها، وما يجب عليه لها في حال الطلاق؛ من نفقة العدة، ونفقة الحضانة إن كانت حاضنة، وكذلك المتعة في بعض أحوال الطلاق، وما يجب عليها له في حال الخلع إن طلبت هي الطلاق من غير أن يكون قد أضر بها في شيء، وفوق ما قد يُلزِمان به أنفسهما أو يتفقان عليه من حقوق أخرى.

وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فذمة الزوجة المالية منفصلةٌ عن ذمة الزوج المالية تمامًا، ولا تأثير لعقد الزواج بنفسه على ذمتَي الزوجَين المالية بالاندماج الكُلِّيِّ أو الجُزئِيِّ، إلَّا في الحقوق أو الشروط التي تَنتُجُ مِن عقد الزواج، وإذا كانت الزوجة قد انتظمت في عملٍ مُباحٍ بإذن زوجها الصريح أو الضِّمني دون أن يشترط عليها جُزءًا مِن مرتبها نظير الإذن لها، أو إنهاءَ عملها بعد الزواج على ما سبق بيانه، ولم يكن هذا العمل منافيًا لمصلحة أسرتها أو مشوبًا بإساءة استعمالها لهذا الحق؛ فإنه لا حق للزوج حينئذٍ في أن يخص نفسه بشيءٍ مِن مرتبها بغير رضاها، وليس للزوج أن يحتج على أحقيته لشيءٍ مِن مرتبها بكونها تعمل وتتقاضى مرتبًا نظير عملها هذا؛ لأن الزواج عقد استمتاع لا عقد تملك، وليست الزوجة أَمةً حتى يكون مالُها مالًا لزوجها: سواء اكتسبته قبل عقد النكاح أو بعده.

والله سبحانه وتعالى أعلم