السعودية تواجه عصر "النفط الرخيص" برؤية 2030

عربي ودولي

بوابة الفجر

خطط وبرامج اقتصادية واجتماعية وتنموية تنتقل بالمملكة لمرحلة ما بعد البترول
برنامج التحول الوطني 2020 لبناء قدرات المملكة اللازمة لتحقيق الرؤية
"رؤية 2030" تحول الترفيه في السعودية إلى إرادة سياسية وليس مجرد صناعة خاضعة للاجتهادات الفردية


رؤية المملكة العربية السعودية 2030: 

الانخفاض الهائل في أسعار النفط إلى نحو 30 دولارا للبرميل، نتج عنه عجز في ميزانية المملكة العربية السعودية يصل إلى نحو 100 مليار دولار، ومن أجل مواجهة تحديات عصر انخفاض أسعار النفط، والانتقال إلى عصر ما بعد النفط، أو بمعنى أدق عدم الاعتماد على النفط بشكل رئيسي، بعد أن شكلت عائداته نحو 90% من إجمالي الميزانية السعودية، وذلك من خلال تنفيذ برامج اقتصادية واجتماعية وتنموية، تنقذ الاقتصاد السعودي من تبعيات استمرار تهاوي أسعار النفط، التي كبدت الميزانية السعودية عجزًا قد يصل إلى 20% من حجم الناتج المحلي الإجمالي، أعلنت السعودية في 25 أبريل الماضي "رؤية المملكة العربية السعودية 2030"، شملت هذه الرؤية خططًا واسعة لبرامج اقتصادية واجتماعية وتنموية تستهدف الانتقال بالسعودية، لمرحلة ما بعد النفط، وذلك بتحقيق اقتصاد مزدهر، ومجتمع حيوي، ووطن طموح، كما نص إعلان إطلاقها، وتتضمن خارطة محددة الخطوات لتحقيق أهداف السعودية في الاقتصاد والتنمية، خلال الـ15 سنة المقبلة. 

أعد هذه الخطة، مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، برئاسة ولي ولي العهد السعودي، وزير الدفاع، الأمير محمد بن سلمان، الذي قال: "أعتقد في سنة 2020 نستطيع أن نعيش بدون نفط"، إذ قام الفريق بوضع خطط للقضاء على الهدر الحكومي، وتنويع مصادر الدخل لإنهاء ما أطلق عليه مرحلة "إدمان" المملكة للنفط، واعتمادها عليه كمحرك رئيسي للاقتصاد.

ومن ضمن الأهداف الاستراتيجية لرؤية المملكة 2030 رفع نسبة الصادرات غير النفطية من 16% إلى 50% على الأقل، من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي، ورفع نسبة الاستثمارات الأجنبية المباشرة من إجمالي الناتج المحلي من 3.8% إلى المعدل العالمي 5.7%، والانتقال من المركز 25 في مؤشر التنافسية العالمي، إلى أحد المراكز الـ10 الأولى.

 حسب بنود الخطة، والتي من أهمها أيضًا طرح أقل من 5% من أسهم شركة النفط الوطنية السعودية العملاقة "أرامكو" في البورصة ليكون بذلك أكبر اكتتاب في العالم، وستخصص عائدات الطرح لتمويل الصندوق السيادي السعودي، وهذا ما سيضمن الشفافية، ووضع الشركة تحت رقابة كل بنوك السعودية والعالمية، بعد أن كانت منغلقة على نفسها.

وقد قدرت قيمة هذا الصندوق الذي تضمنته الرؤية السعودية 2030 ما بين تريليونين واثنين ونصف تريليون دولار، وهو ما يعني أنه صندوق سيسيطر على 10% من القدرة الاستثمارية في العالم بحجم ممتلكات يقدر بأكثر من 3% من الأصول العالمية، ويأتي هذا الصندوق بهدف الحد من اعتماد المملكة على عائدات بيع النفط، وستستكمل قيمته حسب خطة طويلة المدى، من 10 إلى 20 عامًا، إذ سيصل إلى النضج بتغذية قيمتها تريليوني دولار، وذلك بهدف استثمار 50% من رأس مال الصندوق محليا، و50% خارجيًّا.

وسيتولى الصندوق دعم الخطط الاقتصادية للسعودية، وسيركز بشكل أكبر على الاستثمار الصناعي، لتعزيز المكاسب وتحقيق تنمية صناعية مستدامة، وبالتالي ستكون الاستثمارات السعودية من مصادر الدخل الرئيسية.

برنامج التحول الوطني 2020:
ومن أجل بناء القدرات والإمكانات اللازمة لتحقيق الأهداف الطموحة لـ "رؤية السعودية 2030" ظهرت الحاجة إلى إطلاق برنامج "التحول الوطني 2020" كخطة تنفيذية لازمة لتحقيق رؤية 2030، يحتوي على الأهداف الاستراتيجية مرتبطة بمستهدفات مرحلية إلى عام 2020، ويقوم برنامج التحول الوطني 2020 في المملكة العربية السعودية على تنويع مصادر الدخل، وخفض الإنفاق العام بنسبة 40%، وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص، وتقليص الاعتماد على إيرادات النفط في ظل تراجع أسعاره عالميا.

ويتضمن مرحلة أولى من المبادرات التي سيبدأ إطلاقها ابتداء من عام 2016، لتحقيق تلك الأهداف والمستهدفات، وقدرت تكاليفها الكلية على الحكومة للخمس سنوات القادمة بـ 270 مليار ريال.

ويهدف "برنامج التحول الوطني 2020" إلى:
تحديد أهداف استراتيجية للجهات المشاركة، وترجمتها إلى مبادرات وتنفيذها وتحقيقها.
زيادة فرص العمل في القطاعات غير الحكومية بـ 450 ألف وظيفة.
تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص مما يوفر 40 % من الإنفاق الحكومي على المبادرات.
المساهمة في تعظيم المحتوى المحلي عبر توطين أكثر من 270 مليار ريال في المحتوى المحلي، بما يعزز قيمته المضافة ويخفف الاعتماد على الواردات.
المساهمة في التحول الرقمي عبر تحديد 5 منصات رقمية مشتركة بين الجهات العامة، و29 مبادرة رقمية جوهرية.
الشفافية: بتطوير لوحة قياس أداء موحدة.
المؤسساتية: عبر بناء منظومة حوكمة متكاملة للقطاع الحكومي.
الدعم التخصصي لتعزيز جودة مبادرات الجهات الحكومية.

تحديات وتخوفات تواجه الرؤية السعودية:
يتخوف بعض السعوديين من نتائج تطبيق الرؤية، خاصة أن تؤثر على مستويات الدخل، وتباطؤ وتيرة زيادة الرواتب في القطاع الحكومي، لأنها تتضمن خفض الدعم الحكومي للخدمات والمرافق العامة التي كانت تمول من العائدات الهائلة للنفط، وكذلك من تأثيرها بشكل أو بآخر في توفير الموارد الحكومية للسعوديين، كما أن الوزارات الحكومية تواجه تحديًا كبيرًا سيقاس بمدى قدرتها على تحمل متطلبات التحول الوطني الذي يعتمد في مدخلاته على فكر القطاع الخاص، خاصةً ما يتعلق منه بالإنتاجية، والقياس، والعمل وفق خطط استراتيجية للوصول إلى تحقيق أهداف محددة.

لكن الأمير محمد بن سلمان، طمأن السعوديين خلال رسالته للشباب السعودي، قائلا: "أنا واحد منكم. سنعمل جميعًا لتحقيق هذه الرؤية"، واستمر في طمأنة السعوديين من الطبقة المتوسطة فقال "70% من الدعم حاليًا يذهب إلى الأثرياء، هذا الأمر لا يجوز. والدعم هو لأصحاب الدخل المتوسط فما دون. الهدف هو إعادة هيكلة الدعم وتحرير الأسعار، ليصب في مصلحة أصحاب الدخل المتوسط".

"الترفيه" في رؤية المملكة 2030:
بعد إطلاق السعودية رؤيتها المستقبلية 2030 صدرت العديد من القرارات الملكية بإلغاء وزارات وإنشاء أخرى، وتمثل القرار الذي لقي المساحة الأكبر من الاهتمام الشعبي في إنشاء الهيئة العامة للترفيه، والتي ستعنى بكل ما يتعلق بنشاط الترفيه في المملكة، وخلال تدشين رؤية المملكة، أشار لأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي، إلى دفع الحكومة لتفعيل دور الصناديق الحكومية المختلفة في تأسيس وتطوير المراكز الترفيهية، وتشجيع المستثمرين من داخل وخارج السعودية، وعقد الشراكات مع مختلف شركات الترفيه العالمية، وتخصيص الأراضي لإقامة المشروعات الثقافية والترفيهية.

ونجد أن الترفيه في الرؤية لا يقتصر على انشاء هيئة للترفيه فحسب، بل تهدف إلى تحقيق رفاهية الحياة بالمفهوم الأوسع من خلال العديد من النقاط الواضحة في سبيل الوصول إلى المستوى المنشود من الترفيه، ويمكن تلخيصها في ثمانية أمور:

1-  توفير العمل: وذلك بخفض نسبة البطالة من 11.6 إلى 7% أي بما يقارب النسبة العالمية.
2- تعزيز مجال السياحة، ودعم المناطق والمحافظات والقطاع الحكومي والخاص لإقامة المهرجانات والفعاليات.
3- تفعيل دور الصناديق الحكومية في المساهمة في تأسيس المراكز الترفيهية وتطويرها.
4-  المساعدة على ممارسة الرياضة بهدف رفع مستوى سعادة الإنسان، فوفقا للإحصائيات هناك 13% من المواطنين يمارسون الرياضة مرة واحدة على الأقل أسبوعيًا، وتهدف الرؤية رفع تلك النسبة إلى 40%.
5-  تشجيع المستثمرين من الداخل والخارج على الاستثمار في قطاع الترفيه، وعقد شراكات مع شركات الترفيه العالمية.
6-  تخصيص أراض لإقامة المكتبات والمتاحف.
7-  دعم الموهوبين من كتاب ومؤلفين ومخرجين.
8- إيجاد خيارات ثقافية وترفيهية متنوعة تتناسب مع كافة الفئات والأذواق.


انشاء هيئة الترفيه السعودية:
وناقشت الصحف السعودية أمر انشاء هيئة للترفيه بشكل جاد، واستعرضت تجارب دول أخرى في مجال الترفيه، وأكدت أن الترفيه في السعودية تحول إلى إرادة سياسية وليس مجرد صناعة خاضعة للاجتهادات الفردية، وقدمت صحيفة مكة 25 نوعًا من أنواع الترفيه يمكن أن تهتم بها الدولة كان أبرزها: مسرح الشارع، ونوادي الكوميديا، وصناعة الأزياء، والمعارض الفنية، والحفلات الموسيقية، والأوركسترا.

كما شجع الكثير من السعوديين قرار إنشاء "الهيئة العامة للترفيه" بتفاعلهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وأبدوا ترقبهم لأولى نشاطات الهيئة، مؤكدين ضرورة وحاجة المواطنين للترفيه باعتباره عنصرًا أساسيًا في المجتمع وليس مكملًا أو إضافيًا.

 وكان في مقدمة الداعمين للقرار الفنان ناصر القصبي والذي اعتبر أن قرار إنشاء هيئة الترفيه سيعيد المجتمع السعودي إلى طبيعته التي فقدها منذ زمن طويل، كما رأى أن الترفيه سيسهم في تهذيب الأخلاق والأرواح واختفاء بعض السلوكيات السلبية في المجتمع.

وقال المخرج السينمائي السعودي ممدوح سالم: إن إنشاء الهيئة العامة للترفيه يؤكد ما ورد في رؤية التحول الوطني من مؤشرات ظهور مسارح وسينما ومتاحف في السعودية قريبًا، ولكن بما يتناسب مع خصوصيات المجتمع بمعنى الفصل بين الجنسين ومراقبة المضمون.

ونشر المرحبون بقرار إنشاء هيئة الترفيه على موقع "تويتر" العديد من التغريدات التي يرحبون فيها بوجود الهيئة، ويقدمون مقترحاتهم من أجل أن تقدم خدمة أفضل للمواطن

 وكانت أبرز تلك المقترحات: 
استغلال جمال الطبيعة في جنوب السعودية وإنشاء قطار سياحي من مدينة الباحة إلى أبها، وإقامة مدن ملاهٍ على مستوى عالٍ من الاحترافية، وأماكن للراليات.

وبعد انتشار خبر إنشاء الهيئة العامة للترفيه، ربط الكثير من أفراد التيار المحافظ بينه وبين تقليص صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مؤخرًا، وطالبوا بتغيير اسم الهيئة مؤكدين أنهم لا يريدون ترفيهًا إلا بضوابط شرعية، وقال الداعية السعودي أحمد بن سعد القرني في تغريدة نشرها عبر حسابه على "تويتر": "أيها الليبرالي.. هيئة الترفيه، ليس كما تظن ويظن غيرك هيئة الترفيه تعني بالأنشطة والفعاليات الصيفية والمسرحيات الهادفة".

ونفى عضو مجلس الشورى فهد العسكر أن يكون هناك رابطًا بين تقليص صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإنشاء هيئة الترفيه، ومن وجهة نظره فإن قرار تقليص صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف يرجع لوجود أدوار معينة من الممكن أنه قد تجاوزها بعض التنفيذيين بهذا القطاع دون وجود مستند نظامي، مؤكدًا على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعيرة من شعائر الإسلام، ويجب أن تعنى بها الهيئة، والمسألة باختصار عبارة عن تنظيم وتحديد دورها مقابل أدوار الجهات الأخرى منعًا للازدواجية.

وقد أدى الهجوم على قرار إنشاء هيئة الترفيه إلى قيام بعض الكتاب الصحفيين بالرد في العديد من المقالات في الصحف كان أبرزها ما كتبته الكاتبة السعودية عبير الفوزان في صحيفة «عكاظ» تحت عنوان «أعداء الترفيه»، حيث أكدت على أن صناعة الترفيه تحتاج قبل أن تبدأ أن يُعالج بعض الناس من حالة الفصام التي يعيشون فيها، فما يجدونه متاحًا في بلد آخر يقصدونه ويشدون له الرحال، يرونه في بلدهم غريبًا ويكاد يكون محرمًا تمامًا.