في ذكرى ميلاده الـ 127 .. محطات سياسية من حياة الأديب الثائر "العقاد"

تقارير وحوارات

عباس محمود العقاد
عباس محمود العقاد


في سبيل الحق والجمال والقوة أحيا، وفي سبيل الحق والجمال والقوة أكتب, وعلى مذبح الحق والجمال والقوة أضع هذه الأفكار المخضلة بدم فكر ومهجة قلب قربانا إلى تلك الأقانيم العلوية وهدية في السحاب إلى العباب".. كلمات قالها أديب الفكر الراحل، عباس محمود العقاد، الذي شغل حياتنا لأكثر من ثلاثة أرباع قرن من الزمان, في حياته أو بعد مماته.

ولد العقاد في أسوان في مثل ها اليوم الموافق  28 يونيو 1889، لأم من أصول كردية، اقتصرت دراسته على المرحلة الابتدائية فقط، لعدم توافر المدارس الحديثة في محافظة أسوان، حيث ولد ونشأ هناك، كما أن موارد أسرته المحدودة لم تتمكن من إرساله إلى القاهرة كما يفعل الأعيان. 

اشتهر العقاد بعلمه وفلسفته في كل العلوم، لكنه كان أيضًا من الشخصيات السياسية البارزة واللامعة حيث كان صحفيًا شجاعًا تعرف على زعيم الأمة سعد زغلول ليصبح عضواً في البرلمان بعدما أصبح من خصوم الملك فؤاد الذي سجنه تسعة أشهر بسبب حماسه الوطني ودفاعه عن الدستور ضد طغيان بشوات القصر، كما تصدى "العقاد" بموضوعية كاملة لإبرام حزب الوفد "المعاهدة" مع بريطانيا العظمى عام 1936 حيث وصفها بأقذع الألفاظ وقدم لها تحليلاً علمياً وطنياً رائعاً وكشف نفاق الساسة ورجال الصحافة الذين لبسوا على الشعب بأنها معاهدة الصداقة والاستقلال، لكنها منحت بريطانيا حق الاحتلال العسكري تحت ستار الدفاع عن مصر وعن قناة السويس مما تسبب في مراجعة حكومة الوفد عن الاتفاقية حتي تم إلغائها. 

في التقرير التالي "الفجر"، ترصد أهم المحطات السياسية بعيدًا عن الفكر المعرفة في حياة الراحل "عباس محمود العقاد"، الذي لا يحمل لقبًا علميًا يسنده ولا سلطانا يعزه, ولا جاها عريضا يدعمه, ولا مالا وفيرا يحميه فهو يحارب الصهيونية محاربته للنازية, ويحارب الشيوعية محاربته للرأسمالية, ويحارب الاستعمار محاربته للمتاجرين بالوطنية, ويحارب الإلحاد محاربته لأدعياء الدين, ويحارب ممثلي الأقلية محاربته لممثلي الأغلبية، وإنما العقاد كان مقاتلاً على الدوام. 

الصحافة وسعد زغلول
ترك العقاد عمله بمصلحة البرق، بعد أن مل العمل الحكومي الروتيني، قام بالعمل في مجال الصحافة، مستغلًا ثقافته الوسعة في كافة المجالات واطلاعه بشكل كبير بكل ما يشغل الفكر والرأي العام داخل وخارج مصر، حيث أنشأ صحيفة "الدستور" بالاشتراك مع محمد فريد وجدي، والتي كانت فرصته للتعرف على زعيم الأمة سعد زغلول الذي يؤمن العقاد بفكره وبمبادئه، حتى جاء اليوم  الذي توقفت الصحيفة عن الصدور بعد فترة من إصدارها، ليعود العقاد للبحث عن عمل يقتات منه، مما اضطره إلى إعطاء بعض الدروس ليحصل على الأموات التي تسد جوعة.

العمل بالسياسة
كانت صاحبة الجلالة بمثابة الباب الذي دخل منه "العقاد" إلى عالم السياسة، حيث أصبح من أوائل كبار المدافعين عن حقوق الوطن في الحرية والاستقلال، وظهر هذا عندما دخل في معارك حامية مع القصر الملكي، الأمر الذي جعلة حديث الساعة حتى أشتهر العقاد وذيع صيته ليصبح عضوًا بمجلس الشعب المصري بعد انتخابه. 

من المعتقل إلى قبة البرلمان
وبتهمة العيب في الذات الملكية، ظل العقاد داخل المعتقل ما يقرب تسعة أشهر عام 1930 وذلك بعدما أراد الملك فؤاد إسقاط عبارتين من الدستور، تنص إحداهما على أن الأمة مصدر السلطات، والأخرى أن الوزارة مسئولة أمام البرلمان، الأمر الذي أوقد نار العقاد في وجه الملك فؤاد ليرتفع صوته وتعلو حنجرته من تحت قبة البرلمان على رؤوس الأشهاد من أعضائه قائلًا: "إن الأمة على استعداد لأن تسحق أكبر رأس في البلاد يخون الدستور ولا يصونه"، ليتكرر الأمر مرة أخرى ولكن بتهكم زائد ضد الملك يتخذ الملك قراره ويصدر أمر اعتقاله لإخماد نار ثورته للحق واحترام القانون.


محاربته لباشوات القصر 
وبعد خروجه من المعتقل أصبح رأي العقاد المعادي للملك أمرا جلل قد جعل بشوات القصر في موقف المعادي له على الدوام، وأصبح قائد المعرفة نفسه يحارب القصر محاربته للباشواته, ويتخذ منهم جميعًا مواقف جسدها في رأيه الخاص الذي يعبّر عنه قائلاً: "أريد أن أكون أنا نفسي لا أكثر ولا أقل".

الملك فاروق وجماعة الإخوان
ومع استمرار أديب الفكر والمعرفة في صراعة ضد الملك قال: "هذا رأيي في الملك فاروق ولدي ما يدعمه، وأعتذر لقيادات الإخوان, لأنني أعرف جيدا أنهم لا يتفقون معي فيه، بل وربما يثير هذا الرأي مشاكل داخل الجماعة"، وتابع: "الحقيقة لابد وأن تظهر مهما مرت السنوات، فالملك فاروق كان له دور كبير جدا مع الإخوان، ولكن للأسف الشديد لم يتكلم أحد عن حقيقة هذا الدور لأسباب مجهولة في نظري".. والغريب أن القضية حفظت مرتين، وكانت جريدة المصرى نشرت رقم سيارة الجناة ماركة (فورد ليموزين)، والذي التقطه صحفى شاب يدعى محيى الدين عمل بجريدة المصرى, وفيما بعد القسم الرياضى تولى رئاسة مجلة المصور، ولكن تمت مصادرة الجريدة بعد طباعتها دون إبداء الأسباب.

الحرب العالمية الثانية
وبدوره السياسي البارز لن يتوقف العقاد عن الحدود الداخلية لمصر فقط، ولكنه وقف موقفًا معاديًا للنازية خلال الحرب العالمية الثانية، حتى إن أبواق الدعاية النازية وضعت اسمه بين المطلوبين للعقاب، وما إن اقترب جنود إرفين روميل من أرض مصر حتى تخوف العقاد من عقاب الزعيم النازي أدولف هتلر، وهرب سريعًا إلى السودان وذلك عام 1943 ولم يعد إلا بعد انتهاء الحرب بخسارة دول المحور.

"ركوب الموجة"
في هذا الوقت وبعد رجوعة بشرف من السودان قد أندهش البعض في كيفية قيام العقاد بهذه الرسالة وذلك الدور وهو الذي لا يحمل لقبًا علميًا يسنده ولا سلطانا يعزه, ولا جاها عريضا يدعمه, ولا مالا وفيرا يحميه،  وتزيد الدهشة إذا أدركنا أن العقاد لم يكن ممن يجيدون لعبة ركوب الموجة, فلا ينافق ولا يتملق ولا يزايد، ولكنه كان مقاتلاً على الدوام، فهو يحارب الصهيونية محاربته للنازية, ويحارب الشيوعية محاربته للرأسمالية, ويحارب الاستعمار محاربته للمتاجرين بالوطنية, ويحارب الإلحاد محاربته لأدعياء الدين, ويحارب ممثلي الأقلية محاربته لممثلي الأغلبية.

حكومة الوفد
فرح العقاد فرحًا كبيرًا عندما أعلنت حكومة الوفد فى أكتوبر 1950 بعد عدم اكتراث مجلس الأمن بالمسألة المصرية التي ناقشها فى أولى جلساته فى باريس عام 1946، وتم إلغاء المعاهدة في حالة صمود حكومة الوفد ضد الانجليز وبطشهم فى منطقة القناة التى الهبت الوطنية المصرية.

ثورة عرابى
كما أنصف العقاد عرابى وثورته فى وقت كان العرابيون فيه ينتقدون قائدهم وثورته في مطلعها، كما شاهد العقاد بنفسه أحمد عرابى باشا بعد عودته من المنفى الذى قضى فيه ربع قرن من حياته، وما أجدر شبابنا أن يقرأوا الثورة العرابية. 

"ناصر" وحركة الجيش ضد الملك
وأثناء تحرك الجيش تحت عين الضباط الأحرار  بقيادة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر عام 1952 أيدها العقاد وامتدح شبابها ولكنه لم يخش فى الحق لومة لائم، ولم يمنعه البطش فى ذلك الوقت من أن يعترض بصراحة على كل الاجراءات الاستثنائية فى مجال الملكية الخاصة والحريات فى ذلك الزمان، تلك الاجراءات التى كانت سبباً رئيسياً فى سقوط النظام بأكمله عام 1967.