شيخ الأزهر: حرية الاعتقاد شيء.. والارتداد شيءٌ آخَر

أخبار مصر

الإمام الأكبر الدكتور
الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب - صورة أرشيفية


قال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب - شيخ الأزهر الشريف - إن النصوص القرآنية ليس فيها أي تناقض حتى على المستوى الظاهري للآيات، ولكن المشكلة في أن الذين يقرأون أو يمرون بهذه الآيات غير مؤهلين لفهم القرآن الكريم فهمًا دقيقًا، ومن ثَمَّ يظنون أو يتوهمون أنَّ فيها تناقضًا.

وأضاف "الطيب": من أجل ذلك يجب على هؤلاء أن يسألوا المتخصصين أو أن يتعلموا أصول اللغة العربية، فقوله تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) يعني أنه لا يُجبَر إنسانٌ على أن يعتنق دينًا، وهذا لا يتعارض مع قوله تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ)، (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ)؛ لأن كلمة إسلام في القرآن الكريم تَرِدُ بمعنى الدِّين الإلهي، ولذا بشر سيدنا إبراهيم -عليه السلام- بالإسلام، قال تعالى: (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً)، ومن كلام سيدنا نوح – عليه السلام - كما حكى القرآن عنه: (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) وسيدنا موسى– عليه السلام - قال نفس الشيء، حتى سيدنا عيسى -عليه السلام- لما قال الحواريون (مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ).

وتابع "الطيب": هكذا كل الأنبياء قالوا: نحن مسلمون ودعوا الله - سبحانه وتعالى - أن يجعل من ذريتهم أمة مسلمة، فعندنا دين واحد عليه لافتة واحدة اسمها الإسلام هو دين الله، والأنبياء كل منهم جاء يبشر بهذا الدين، إذن حين يقول القرآن الكريم: (لا إكراه في الدين) فهذا يعني أنها قاعدة  تضمن حرية العقيدة، ثم إنه القرآن الكريم لم يقل: ومن يبتغ غير الإسلام دينًا يُقتَل، ولكنه قال (فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ)، لأن الدِّين عند الله الإسلام.

وأوضح شيخ الأزهر - في حلقة أمس من برنامجه (الإمام الطيب) الذي يذاع يوميًّا طوال شهر رمضان المعظَّم على التليفزيون المصري وقنوات سي بي سي إكسترا، وإم بي سي مصر، وتليفزيون أبو ظبي وعدد من القنوات الفضائية الأخرى - "ليس هناك مَن هو مسؤول عن قبول الدِّين وعدم قبوله إلا الله سبحانه وتعالى، والإسلام لا يجبر أحدًا على الدخول فيه ولا يحارب المتدينين بأديان أخرى، حتى لو كانت وثنية ما لم يعتدوا.

وواصل: وهنا نؤكد أنَّ الكفر ليس علة في أن يقاتل المسلمون غيرهم، والعلة الوحيدة التي يرفع عندها المسلم سلاحه ليقاتل، هو الاعتداء عليه أو على دينه أو على عِرضه أو وطنه، وعليه لا يقال: إن الإسلام يقاتل الوثنية من أجل الوثنية، قال تعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) فالوثنيون لو سالموا المسلمين، ولم يقاتلوهم في الدِّين، ولم يخرجوهم من ديارهم، فالقرآن الكريم قال: (تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ)، ولم يقل: قاتلوهم، فالإسلام لا يحارب الوثنية غير المعتدية, وإنما يحمل إليهم رسالة الإسلام، لأننا كمسلمين مأمورون بالبلاغ، باعتبار أن الإسلام دينٌ عالميٌّ يجب أن يحمله أهله إلى الآخرين كتبليغ وتوصيل لرسالة الحق إليهم ولإنقاذهم من ضلال الشرك ومن ضلال الوثنية، وهذا هو مفهوم أن الإسلام كيف يتعامل مع الآخرين.

وأشار الإمام الأكبر إلى أنَّ الرِّدة كمصطلح فقهي إسلامي، هي الخروج عن الإسلام بعد الدخول فيه سواء رجع إلى دينه الأصلي قبل الإسلام أو إلى دين آخر أو أصبح لا دينيًّا أو أصبح ملحدًا، ويجب أن نعلم أن حرية الاعتقاد شيء وحرية الارتداد شيء آخر؛ لأن المرتد عرف الحق ودخل فيه ثم أدار ظهره له وخرج إلى شيء آخر، وهذا في حد ذاته انحراف، مبينًا أن أهل الفترة بين رسالتين ناجون ولا يؤاخذون، لأنه لم يأتهم رسول يبلغهم رسالة السماء، قال تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا)، ولذلك نقول للمتشددين الذين يزعمون أن أبوي النبي -صلى الله عليه وسلم- فى النار- إن القرآن الكريم قال (لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ) وأبو النبى- صلى الله عليه وسلم - وأمه بنص القرآن لم يُنذروا.

ونوه "الطيب" بأن المرتد قد يشكل خطرًا على المجتمع الإسلامي؛ لأن تصميمه على الخروج من عباءة الدِّين الذي كان عليه غالباً ما تصاحبه مشاعر عدائية ضد هذا الدين، لكن قد تكون هناك أزمات فكرية تمر ببعض الأفراد جعلته لم يعد يؤمن بهذا الدين، سواء تحت إغراءات مادية أو إغراءات فكرية بدين آخر أو بمذهب آخر، واكتفى بأن يخرج من دينه ويتدين بطريقة أخرى، وهذا لا يشكل خطورة على المسلمين ولا على المجتمع الإسلامي، لكن فقه القديم كله فيه أن الردة بشكل عام خطر على الإسلام وخطر على المجتمع الإسلامي.

واختتم  الإمام الأكبر حديثه بأن البيئة والمنطلقات والثقافات التي أنتجت حرية الردة وحرية تغيير الدين وحرية العودة إلى الدين وحرية اللادين، تختلف تمامًا مع الأرضية والثقافة التي ينشأ فيها حكم إسلامي يتعامل مع الردة، ولذلك من الظلم أن نتحاكم إلى حقوق إنسان نشأت في بيئة تختلف مع الآخر اختلافًا جذريًّا.