تفسير قوله تعالى: " وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل "

إسلاميات

قرأن كريم
قرأن كريم


( وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون ( 83 ) ) 

يذكر تبارك وتعالى بني إسرائيل بما أمرهم به من الأوامر ، وأخذ ميثاقهم على ذلك ، وأنهم تولوا عن ذلك كله ، وأعرضوا قصدا وعمدا ، وهم يعرفونه ويذكرونه ، فأمرهم أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا . وبهذا أمر جميع خلقه ، ولذلك خلقهم كما قال تعالى : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) [ الأنبياء : 25 ] وقال تعالى : ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) [ النحل : 36 ] وهذا هو أعلى الحقوق وأعظمها ، وهو حق الله تعالى ، أن يعبد وحده لا شريك له ، ثم بعده حق المخلوقين ، وآكدهم وأولاهم بذلك حق الوالدين ، ولهذا يقرن الله تعالى بين حقه وحق الوالدين ، كما قال تعالى : ( أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير ) [ لقمان : 14 ] وقال تعالى : ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ) الآية إلى أن قال : ( وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ) [ الإسراء : 23 - 26 ] وفي الصحيحين ، عن ابن مسعود ، قلت : يا رسول الله ، أي العمل أفضل ؟ قال : " الصلاة على وقتها " . قلت : ثم أي ؟ قال : " بر الوالدين " . قلت : ثم أي ؟ قال : " الجهاد في سبيل الله " . ولهذا جاء في الحديث الصحيح : أن رجلا قال : يا رسول الله ، من أبر ؟ قال : " أمك " . قال : ثم من ؟ قال : " أمك " . قال : ثم من ؟ قال : " أباك . ثم أدناك أدناك " . 

[ ص: 317 ] 

[ وقوله : ( لا تعبدون إلا الله ) قال الزمخشري : خبر بمعنى الطلب ، وهو آكد . وقيل : كان أصله : ألا تعبدوا كما قرأها بعض السلف فحذفت أن فارتفع ، وحكي عن أبي وابن مسعود ، رضي الله عنهما ، أنهما قرآها : " لا تعبدوا إلا الله " . وقيل : ( لا تعبدون ) مرفوع على أنه قسم ، أي : والله لا تعبدون إلا الله ، ونقل هذا التوجيه القرطبي في تفسيره عن سيبويه . وقال : اختاره المبرد والكسائي والفراء ] . 

قال : ( واليتامى ) وهم : الصغار الذين لا كاسب لهم من الآباء . [ وقال أهل اللغة : اليتيم في بني آدم من الآباء ، وفي البهائم من الأم ، وحكى الماوردي أن اليتيم أطلق في بني آدم من الأم أيضا ] ( والمساكين ) الذين لا يجدون ما ينفقون على أنفسهم وأهليهم ، وسيأتي الكلام على هذه الأصناف عند آية النساء ، التي أمرنا الله تعالى بها صريحا في قوله : ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ) الآية [ النساء : 36 ] . 

وقوله تعالى : ( وقولوا للناس حسنا ) أي : كلموهم طيبا ، ولينوا لهم جانبا ، ويدخل في ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمعروف ، كما قال الحسن البصري في قوله : ( وقولوا للناس حسنا ) فالحسن من القول : يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ويحلم ، ويعفو ، ويصفح ، ويقول للناس حسنا كما قال الله ، وهو كل خلق حسن رضيه الله .