سمير فريد يكتب: الصحافة العالمية.. "اشتباك" رؤية مرعبة للفوضى وغياب القانون

الفجر الفني

بوابة الفجر


هناك تقييم بالنجوم 4 ممتاز 3 جيد 2 عادى 1 فقير ثم ردىء فى النشرة اليومية لمجلة «سكرين إنترناشيونال»، التى تصدر أثناء المهرجان، ويشترك فى التقييم هذا العام 11 ناقداً، 3 من أمريكا و2 من فرنسا و2 من بريطانيا وناقد من كل من روسيا وألمانيا وإيطاليا وتايلاند إلى جانب التقييم الذى ينشر باسم المجلة لمجموعة النقاد الذين يعملون بها. ويقتصر هذا الاستفتاء على أفلام مسابقة السعفة الذهبية فقط. حتى عدد السبت، حيث تم تقييم الأفلام الأربعة الأولى المتسابقة، يتفوق الفيلم الرومانى «سيرانيفادا» إخراج كريستى بيو، والذى كان أول فيلم عرض فى المسابقة.

الاستفتاء الآخر بالنجوم فى نشرة مجلة «فيلم فرانسيه»، ومكون من خمس فئات أيضاً: جدير بالسعفة الذهبية، و3 نجوم جيد و2 عادى و1 فقير ثم ردىء. ويقتصر التقييم على نقاد فرنسا فقط وهم 15 ناقداً، ويشمل أفلام مسابقة السعفة الذهبية، ومسابقة «نظرة خاصة».

حتى عدد السبت شاهد 7 من نقاد فرنسا الفيلم المصرى «اشتباك» إخراج محمد دياب الذى عرض فى افتتاح مسابقة «نظرة خاصة»، ومنحه اثنان سعفة ذهبية، وواحد جيد، و3 فقير، وواحد ردىء، وبالطبع فإن التفاوت واضح بين جدارة الفيلم للفوز بالسعفة الذهبية وبين وصفه بالرداءة. ومن وصفه بالردىء وصف أيضاً «سيرانيفادا» بالردىء!!

فى عدد السبت من نشرة «فارايتي» اليومية حوار على صفحة كاملة من «فارايتي» مع محمد دياب أجراه نك فيفاريللى، ونقد جى ويسبرج، وفى عدد نفس اليوم من نشرة «سكرين إنترناشيونال» نقد لى مارشال، وكان عدد الجمعة من نشرة «هوليوود ريبورتر» قد نشر نقد ديبورا يونج، والذى كان أول مقال فى اليوم التالى مباشرة للعرض الأول للفيلم يوم الخميس.

«فارايتي» و«هوليوود ريبورتر» أعرق وأهم جريدتين فى أمريكا، و«سكرين إنترناشيونال» أهم جريدة فى بريطانيا، والثلاثة أكبر صحف صناعة السينما العالمية. وفيما يلى أهم ما جاء فى المقالات الثلاث.

هوليوود ريبورتر

كتبت ديبورا يونج أن الفيلم يدور عام 2013 بعد عامين من الثورة المصرية، ويعبر عن رؤية سوداوية مرعبة للفوضى وغياب القانون فى البلاد. بعد سقوط نظام مبارك الذى استمر 30 سنة، أصبح الثوار ضد الإسلاميين الأصوليين، وكلاهما ضد الجيش. ويبدو ذلك من خلال سيارة شرطة تجمع الطرفين.

الرائع أن الفيلم لا ينحاز إلى أى طرف. هذا فى ذاته يرفع الفيلم فوق المناقشات السياسية، ويجعله معبرا عن مصر المعاصرة فى السينما أكثر من أى فيلم آخر. اختيار الفيلم فى افتتاح مسابقة «نظرة خاصة» سوف يساعد على توزيعه فى العديد من دول أوروبا. «اشتباك» فيلم أصيل رغم الانزعاج عند مشاهدته بين ما يحدث داخل السيارة من مشاحنات، وما نراه من نوافذها الحديدية من حرب أهلية فى الشوارع. الجمهور يشعر بأنه مسجون بدوره. كما تبرز نيللى كريم فى دور الأم التى تقاتل وتفضل دخول السيارة لتكون مع زوجها وابنها الصبى، وتستخدم خبرتها فى العمل كممرضة لعلاج الجرحى.

المرأة الأخرى فى السيارة عائشة (مى الغيطى) التى ترتدى الزى الإسلامى من الرأس إلى القدمين، والتى كانت تشترك فى المظاهرات المؤيدة للإسلاميين مع والدها المسن. المرأتان تتصرفان على نحو يجعل الرجال ينظرون إليهما باحترام، وهم رجال غير متحضرين بصفة عامة.

نصف المقبوض عليهم تقريباً من الثوار، والنصف الآخر من الإخوان المسلمين الذين يحتجون على إسقاط الرئيس مرسى الذى انتخب ديمقراطياً، ولكنه عزل بناء على رغبة شعبية، وبتأييد من الجيش. وهناك اختلافات بين الطرفين. الإخوان على سبيل المثال يفرقون بين الأعضاء وبين المتعاطفين، ويعتبرون هؤلاء مؤيدين من الدرجة الثانية، والبعض منهم يميل إلى العنف أكثر من بعضهم الآخر، وقلة تبدى استعدادها لقطع أعناق من يخالفهم. ولكن ما يجمع بينهم فى هذا المجتمع المصغر الذى يعبر عن المجتمع المصرى الغضب ضد الفوضى الاجتماعية والسياسية حولهم.

فارايتى

وكتب جى ويسبرج أن الفيلم يدور عام 2013 مباشرة بعد عزل الجيش محمد مرسى الذى كانت حكومته تمثل الإخوان المسلمين. ويجمع الفيلم الذى صوره ببراعة مدير التصوير أحمد جابر بين الطرفين فى سيارة شرطة. خلفية الفيلم تأتى فى سطور قليلة تكتب على الشاشة فى البداية من الثورة الشعبية عام 2011 التى أسقطت نظام حسنى مبارك إلى انتخاب الإخوان المسلمين عام 2012، ولكن فى السنة التالية أسقط الجيش بقيادة الرئيس الحالى عبدالفتاح السيسى حكومة الإخوان، ودخل معهم صراعاً حاداً منذ ذلك الحين.

«اشتباك» ينضم إلى الأفلام الناجحة التى تدور فى مكان محدود للغاية («قارب الحياة» و«لبنان»). سيارة الشرطة 8 أمتار مربعة، وكل الأحداث تدور داخلها، وما يجرى فى الخارج نراه من نوافذها أو من بابها عندما يفتح. أول المقبوض عليهم الصحفى الأمريكى آدم (هانى عادل) والذى يعمل فى وكالة «أسوشيتدبرس»، والفوتوغرافى الذى يعمل معه زين (محمد السباعى). الصراع بين الشرطة والإخوان فى الخارج يجعل من الصعب معرفة ما هو الأكثر أماناً: البقاء داخل السيارة، أم مغادرتها. إنها مصغر لكل المجتمع المصرى الآن، فهناك من قبض عليهم وليس لهم أى انتماء سياسى.

هناك أيضاً الشرطى الطيب عوض (أحمد عبدالحميد) الملتزم فى عمله، ولكن غير الخاضع للنظام عندما يتعارض مع قناعاته. فى السيناريو عدد قليل من نقاط الضعف مثل المشاجرة غير الضرورية بين مانس (أحمد مالك) وفيشو (حسنى شتا). وفى المقابل هناك لحظات حنونة عندما يشترك الجميع فى الاستماع إلى أحدهم يغنى.

تتحرك السيارة، ولكن من مأزق إلى آخر، وتنتهى رحلتها بأن تنقلب فى الليل، وتلمع أضواء الليزر الخضراء فى الظلام فى المشهد الأخير بتصميم فنى ممتاز. إدارة دياب للزحام داخل السيارة إنجاز مرموق. والرسالة واضحة: لابد من الوحدة الوطنية وتوقف العنف.

سكرين إنترناشيونال

وكتب لى مارشال: فى مصر التى تحول فيها الربيع العربى إلى خريف، يأتى «اشتباك» تحدياً سينمائياً شجاعاً لمحاولات الضغط على الصحافة وحرية التعبير.

محمد دياب معروف فى بلاده كناشط سياسى ومدون ساهم فى ثورة 2011 التى أسقطت نظام مبارك. دياب فى فيلمه يعبر عن الفوضى والانقسام عقب عزل الرئيس المنتخب محمد مرسى الذى ينتمى إلى الإخوان المسلمين فى يوليو 2013. الموضوع والمعالجة يحفزان على مشاهدة الفيلم، والميلودراما فيه قليلة، ويجب أن يعرض حيث يوجد من يهتمون بمعرفة ماذا يحدث فى هذه الأمة الإسلامية المركبة. ربما هناك شىء من المسرح فى البداية عندما تلقى الشرطة بالصحفيين والمتظاهرين من الطرفين فى السيارة، ولكن الفيلم يتجاوز ذلك لسببين: الأول أنه سينمائى خالص يستخدم الكاميرا المحمولة باليد فى مكان محدود لا يثير فقط التوتر، وإنما يتحول إلى مرآة لمجتمع أصبح مشحوناً ولم يعد فيه مجال للمناورة. وثانياً لأن الدراما تركز على مدى استعداد هذا المجتمع للتوحد بفضل قوة الثقافة المصرية، والتى يبدو ثراؤها من خلال بعض التفاصيل.

أول المقبوض عليهم صحفى أمريكى فى «أسوشيتدبرس» من أصل مصرى. وعندما يلقى بعض معارضى مرسى الحجارة على السيارة قائلين إن بها جاسوسا أمريكيا، يمنعهم آخرون من ذلك. وهناك الشرطى القبطى الذى يتمرد على الأوامر ويجد نفسه داخل السيارة، والذى يضيف المزيد من المفارقات الدرامية.