نادية صالح تكتب: الدنيا خريف والجو فظيع يبقى خلاص هنضيع

مقالات الرأي



هذا العنوان هو سؤال وليس إقرار حالة بأنه طالما أن الدنيا خريف والجو فظيع أننا خلاص هنضيع.. لأنه لابد أن نقتنع أن هذه هى الدنيا، فكيف نسينا؟

هذا هو حالها وقانونها، فصول أربعة.. ربيع ثم خريف، شتاء بعده صيف، ليل وراءه نهار، لابد أن ننظر.. وفى أنفسنا ألا نتدبر؟! «وفى أنفسكم أفلا تتدبرون» كما قال لنا الحق سبحانه وتعالى، ويا أيها السادة اسمحوا لى أن نتأمل معًا حالنا، ولو جاز لنا أيضًا وسمح الوقت، أن نتدبر بعض أحوال العالم أيضًا، وسوف أترك للقلم حرية التأمل دونما قيد أو تقطيم ليكون أكثر صدقًا وغوصًا فى نفوسنا المتعبة، والآن.. هي ننزل البحر فى هذا الخريف ومع سيولها التى لم نعرفها من قبل إلا قليلاً..

1- السيول والهدم ومظاهر الخراب وشواهد الإهمال وإفقار الفقراء والمعدومين، كلها لابد أن تثير الغضب وتوقيع العقاب القدرى ولكن ليس من المعقول أن تسود «من السواد» الدنيا فى أعيننا وأن نضع المسئولية على واحد فقط من الناس ليكون مسئولاً وسببًا وحيدًا عن هذا الشر الذى وقع، لأننا كلنا ولابد من الاعتراف بذلك - مسئولون عن التقصير والإهمال والمسئولية مشتركة، فليبق كل فى مكانه يؤدى واجبه ويقوم بمسئوليته ولا يعنى ذلك ألا نجلس للحساب والعقاب ولكن بشرط أن يكون جلوسنا دونما تشنج وعصبية تعمى عيوننا عن التوصل إلى الأسباب الحقيقية لما جرى ويمكن أن يجرى مرة أخرى، وأيًا كانت الأمور وحجم جسامتها فمن المصلحة أن تهدأ الأعصاب لنكون قادرين على الحل..، وأغلب الظن أن السماء قد أشفقت علينا واستمعت إلى دعاء الصالحين بيننا ولم تسقط السيول من جديد بهذه الكثافة.. وتذكروا أنه هو الرحمن الرحيم.

2 - الإرهاب الذى ضربنا ويضربنا بكل غشومية وظلامية فكره ويأخذ منا بعضًا من أحبائنا وشبابنا شهداء وضحايا. ولكن الجميع من جيش وشرطة يتكاتف ويبذل جهده ورصد الهجمات والعداوات، فالله غالب على أمره بإذنه ومشيئة لأننا على الحق، وهنا لابد أن نرقب ونراقب ما حولنا فى العالم، وجرى ويجرى، فهذه طائرة روسية تسقط فى سيناء فى مأساة إنسانية مروعة، وضحاياها تعدى عددهم مائتى راكب، يسقطون فى سيناء دونما ذنب، والسبب مازال مجهولاً أو يكاد..، والباقى معروف ومحفوظ بل محفور فى ذاكرتنا، وتلا ذلك خريف إرهابى أكثر بشاعة.. حاول أن يطفئ أنوار مدينة تسميها الدنيا كلها «مدينة النور» باريس.. ويحصد أرواح أبرياء فى أماكن متفرقة بين رواد حفل موسيقى وآخرين على موائد بعض المطاعم.. أماكن بلغت ستة أو سبعة أماكن وأرواح تعدت مائتى إنسان وأكثر من خمس مائة جريح كثير منهم حالاتهم حرجة حملت لنا تكنولوجيا ذلك العصر اللعين أصواتهم وهم يستقبلون المجرمين الذين قتلوهم وأصواتهم وصراخهم تقول: «من فضلك»؟! ما هذا؟! بكل أدب ورعب، الأرواح تزهق دونما ذنب، وإجرامهم يضع «الإسلام» السمح سبيلاً للكراهية والحرب بين الناس بفضل جهلهم وغشاوة أفكارهم المجنونة.. سامحهم الله.. بل لن يسامح الله أبدًا.. لأنهم يكرهون الناس ويقتلون النفس التى حرم الله إلا بالحق فكأنهم بذلك قتلوا الناس جميعًا، وبعد ذلك ورغم كل هذه الأعاصير وغيرها فى بلاد كثيرة، فلابد أن نلاحظ عدم تشنجهم وهياجهم، لابد أن نلاحظ حرصهم على عدم إلقاء التهم جزافًا، لابد أن نلاحظ احترامهم للموت والموتى والزهور والشموع فى الساحات، لابد أن نلاحظ عدم وجود هتافات فارغة «يسقط.. يسقط» لابد أن نلاحظ توحد كل الاتجاهات لاحظوا الرئيس أولاند ومعه ساركوزى الرئيس السابق ومعهم زعيمة اليمين المتطرف وغيرهم.. الجميع يد واحدة من أجل أن تحيا فرنسا «vive le france»، تدبروا يا أولى الألباب.

أرجو أن ننتزع من بين زعابيب هذا الخريف صورة رئيس إحدى اللجان الانتخابية فى المرحلة الأولى للانتخابات البرلمانية وهو يترك رسالة مكتوبة على سبورة الفصل الذى كانت تجرى فيه انتخاب هذه اللجنة.. ويشكر فى رسالته المدرسة والتلاميذ على حسن استضافتهم للجنة.. تأملوا هذا التصرف «النبيل» و«الراقى» و«الإنسانى».. وراقبوا ماذا يمكن أن يترك من الأثر فى نفس التلاميذ وإدارة المدرسة كما حدث معى عندما قرأت عن هذا التصرف، وأظنه لابد أن يكون سببًا فى عودة أو بداية عودة الربيع بعد الخريف، ونسمات صيفية منعشة بعد شتاء طويل أزعجنا وانزعجنا منه.

ويا أيها السادة.. الأمثلة كثيرة وكل منا إذا فتش بداخله ونظر من حوله - يمكن أن يرى ويحكى ويتأمل.. حتى يضمنا الأمل ولا يكفهر الجو.

تدبروا يا أولى الألباب وليتذكر كل منا أشياء وأشياء.. أوقدوا الشموع ينقشع الظلام.. ولا ترددوا بأن الدنيا خريف والجو فظيع وخلاص حنضيع إنما ستكون الدنيا ربيع وسيكون الجو بديع بإذن الله.