"الفوركس" بين هروب النقد الأجنبي.. وشركات الوهم

الاقتصاد

بوابة الفجر


تقارير تصف "الفوركس" بـ"أهم عوامل هروب النقد الأجنبي من مصر".. والعاملين به "برئ"
"عواد" و"المستريح" آخر النصابين
الجمعية المصرية لدراسات التمويل: "الفوركس" أخطر أنواع الاستثمارات المالية
 
كشفت تقارير وأبحاث صادرة عن جهات رسمية عن دخول "سوق تداول العملات الأجنبية" أو كما يطلق عليه "الفوركس" ضمن أكبر وأهم عوامل هروب النقد الأجنبي من مصر، في ظل معاناة الاقتصاد القومي من فقد الاحتياطي؛  بسبب عدم وجود مصادر دخل، والاعتماد على الاحتياطي لاستيراد السلع الأساسية؛ لتلبية احتياجات المواطنين.

كما انتشرت في الآونة الأخيرة شركات توظيف الأموال التي تعمل بنظام الفوركس، لإيهام العملاء بإمكانية الحصول على أكبر دخل دون بذل أي مجهود، وبعد أن تتمكن الشركات من ضحاياها تكشف عن أنيابها وتمتنع عن منحهم الأرباح أو رد الأموال إليهم، وكان أخر تلك النماذج في مصر هاني لطفي عواد المحبوس حالياً في دبي، بتهمة النصب وصاحب إحدى شركات توظيف الأموال "ستار كابيتال" ، والذي تمكن من جمع ما يقرب من 410 ملايين دولار من 20 ألف مواطن مصري ، بعد أن أقنعهم بأن الشركة توفر لهم أرباح تبلغ قيمتها 7% شهرياً ، واستمر في إيداع تلك الفوائد للعملاء ضحاياه لمدة عام ونصف تقريباً ثم توقف وأغلق الشركة وتوجه إلى دبي هارباً، مما دفع الضحايا لتقديم بلاغات في محاولة للحصول على أموالهم .

تلك كانت الحالة الأخيرة، ولكنها ليست النهاية، فمن المؤكد أن الأيام المقبلة ستكشف عن المزيد من أشباه هاني عواد، والمستريح وغيرهم ، طالما أن التشريعات غير كافية.

و" الفوركس" مصطلح يشير إلى سوق العملات الأجنبية  أو البورصة العالمية للعملات الأجنبية، وهو اختصار لسوق تداول العملات الأجنبية، وهو سوق يمتد في جميع أنحاء العالم وتشارك فيها البنوك والمؤسسات العالمية والمتداولون الأفراد، هو اختصار لصرف العملات الأجنبية أو المضاربة عليها تماماً كتداول السندات الحكومية والسلع، و تتكون أسواق الفوركس العالمية من عملات كل بلد, ويتم التداول عليها 24 ساعة في اليوم, 5 أيام في الأسبوع، و يمكن لمتداولي الفوركس العمل من أي مكان في العالم، ويقدر المحللون الماليون الحجم اليومي لتداول العملات في سوق الفوركس بحوالي 30 تريليون دولار (30 ألف مليار دولار يوميا)، و يتم التداول عن طريق شراء وبيع العملات الأساسية، كالدولار والفرنك و الجنيه الاسترليني واليورو.

وتتحرك الأسعار هبوطاً وارتفاعاً بسرعة كبيرة خلال هذه الفترة, مما يخلق فرصاً، ومخاطر أيضاً.

وتقوم تجارة الفوركس أو المضاربة بالعملات على أساس أن تقوم بشراء عملة عندما يكون سعرها منخفضاً، وتبيعها عندما يصبح سعرها عالياً وتأخذ الربح، كما هو الحال في البورصة.

وقد بدأ دخول الفوركس في مصر منذ بداية ظهور شركات توظيف الأموال ، والتي تعتمد غالبيتها في جلب الأرباح على المضاربة بالعملات.

إعداد تشريع للقضاء على شركات "الوهم"
 مصادر بمباحث الأموال العامة كشفت عن إعداد تشريع ، للقضاء على ظاهرة شركات الوهم ، عن طريق تجريم العمل بها، ووضع عقوبات رادعة لمن يخالف القوانين.

وأكد شريف سامي رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية، في تصريح خاص لـ "الفجر"، على أن الهيئة لديها توجه للعمل على إصدار تشريع للحد من تعاملات "الفوركس" في مصر؛ نظراً لما تتسبب فيه من مشكلات للاقتصاد القومي، بسبب أن معظم الشركات التي تقدم تلك الخدمات ما هي إلا شركات وهمية، وخاصة أنه لايوجد حتى الآن تشريع يجرمه.

وأضاف "سامي" أنه لا خلاف بين هيئة الرقابة المالية والبنك المركزي المصري حول الإشراف على التشريع الخاص بـ"الفوركس"؛ لأن البنك المركزي أيضا يعمل على تنظيم قواعد الصرف، كما ان الهدف من التشريع هو حماية المال العام والمؤسسات المالية الرسمية من تلك التعاملات المشبوهة، موضحًا أن البنوك تضم غرف تداول ولكنها تعمل على خدمة المستوردين بعيداً عن نشاط المضاربة الذي تتبناه الـ"فوركس" .

وأشار "سامي" ، إلى أن تعاملات الفوركس لها العديد من المخاطر، والتي يتمثل أبرزها في الخسائر الفادحة التي قد يتعرض لها الضحايا؛ نتيجة لجهلهم وعدم حصولهم على منظمومة معلوماتية كافية حول النشاط، كما يساهم أيضا في هروب النقد الأجنبي من مصر عن طرق المضاربة في العملات الأجنبية، بعيداً عن القنوات الشرعية .

رئيس الاتحاد المصري لمتداولي الفوركس: تداول العملات لا علاقة له بهروب النقد الأجنبي من مصر
محمود العربي مدير بأحد الشركات التي تعمل في مجال الفوركس في مصر، ورئيس الاتحاد المصري لمتداولي الفوركس ، أكد أن تداول العملات الأجنبية أو المضاربة فيها كما هو الحال في الفوركس ، لا علاقة له بهروب النقد الأجنبي من مصر ، مشيراً إلى أن ما يحدث داخل البنوك وشركات الصرافة من تبادل للعملات يعد أحد أنواع الفوركس .

وأوضح العربي، أنه لا يوجد تشريع على مستوى العالم بأكمله يجرم عمل الفوركس، مشيراً إلى أن الامارات والبحرين ولبنان وقبرص، بهم شركات تعمل بتظام الفوركس بشكل قانوني .

وأكد أنه لا يمكن لعميل الفوركس أن يخسر أكثر من رأسماله ، في حين الحال على العكس في البورصة ، حيث يخسر العميل رأس ماله بأكمله ويصبح مدين لشركة السمسرة أيضاً.

 وأضاف "العربي"،  أن الجهل بالفوركس هو السبب الرئيسي وراء اتهامه بهروب النقد الأجنبي والنصب على المواطنين ، مؤكداً أن هناك أكثر من 20 شركة تعمل بنظام الفوركس في مصر، ولكن تحت مظلة نوعيات شركات أخرى نظراً لعدم وجود تشريع يقنن عملها، وجميع شركات توظيف الأموال تأتي بأرباحها التي توزعها على المودعين من خلال المضاربة بالعملات الأجنبية، لتحقيق أرباح مرتفعة وسريعه .

وقال "العربي"، إنه سبق وأن تقدم بطلبات لحكومات سابقة بهدف إصدار تشريع لتقنين عمل شركات الفوركس، إلا أنه قوبل بالامبالاة، الأمر الذي جعل تجارة العملات الأجنبية "الفوركس" في مصر مرتعاً للنصابين، مشيرًا إلى أنه لا يمكن لأي جهة إصدار تشريع يجرم عمل الفوركس ، وخاصة أن مصر فيها أكثر من 50 ألف متداول ، جميعهم عملاء لدى البنوك أي أن القطاع المصرفي أيضاً يستفيد بشكل غير مباشر من وجود شركات الفوركس في مصر، عن طريق زيادة حجم ودائع البنوك من خلال متداولي الفوركس، كما أنه نوع من أنواع التجارة غير المجرمة دولياً.

اقتراح هيئة رقابية للإشراف على "الفوركس"
واقترح "العربي"، إنشاء هيئة رقابية تتبنى الإشراف على عمل الفوركس من خلال البنوك؛ لضمان عدم هروب الأموال خارج البنوك، ويعمل على توفير النقد الأجنبي، ما يساهم في جذب الأموال من الدول العربية  والأجنبية، مما يساعد على دعم الاحتياطي الأجنبي، وضمان سلامة أموال المودعين، واكتشاف الشركات الوهمية في أسرع وقت قبل وقوع الكوارث.

وكشف "العربي"، عن أن الغالبية العظمى من المتاجرين في البورصة المصرية، متداولين أيضاً في الفوركس سواء أكانوا شركات أو أفراد، موضحاً أن شركات الفوركس لديها نظم للتأمين على حسابات العملاء في حالة تعرضهم للخسائر.

رئيس قطاع الخزانة ببنك التعمير والاسكان: مجرد تبادل عملات
أما أحمد الخولي رئيس قطاع الخزانة ببنك التعمير والاسكان، فله رأي آخ، حيث أكد أن "الفوركس" ليس له علاقة بهروب النقد الأجنبي، و إنما هو مجرد تبادل للعملات ليس إلا.

 وأوضح الخولي ،أن الأزمة فقط  تكمن في عدم وجود تشريع ينظم عمل شركات الفوركس، مما يجعله مرتعاً لـ"النصابين"لاستغلال جهل وطمع عملائهم و الاستحواذ على أموالهم دون ردها أو سداد العوائد ،مشيراً إلى أن الشركات تخدع ضحاياها بالعائد المرتفع ، مما يجعل العميل لا يفكر في عدم مشروعية النشاط من عدمه وينساق خلف العوائد الوهمية .

 وأضاف الخولي أن الجهل والطمع من أهم الأسباب التي تدفع المواطن للتعامل مع مثل تلك الشركات .

الجمعية المصرية لدراسات التمويل: أخطر أنواع الاستثمارات المالية
وقال محسن عادل نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل و الاستثمار، إن التعامل في سوق تداول العملات يُعد من أخطر أنواع الاستثمارات المالية، خاصة وأنها ترتبط بتسهيلات مالية توفر للمتعاملين في السوق خطوط ائتمان مرتفعة تصل إلى ما نسبته 400% من رأس المال؛ فمن يمتلك 20 ألف دولار يمكنه المضاربة بما يقارب من 100 ألف دولار.

واعتبر "عادل"، أن ارتفاع حجم التغطية الائتمانية مقارنة برأس المال يزيد من مخاطر تصفية المراكز المالية في حال عكس السوق لمركز المضارب، إضافة إلى ذلك فالتداول في أسواق العملات يحتاج إلى خبرة واسعة، ومتابعة دقيقة، ومعرفة بالإحصائيات والبيانات المؤثرة في الأسواق وحركة العملات، وتاريخ نشرها وبما يحمي المضارب من التغيرات المفاجئة للأسواق كنتيجة مباشرة للبيانات المعلنة.

وتابع "عادل": "للأسف الشديد هناك تسويق محموم من قبل شركات الاستثمار لجذب شريحة كبيرة من المستثمرين إلى سوق تداول العملات دون التمعن في قدراتهم وخبراتهم الاستثمارية، ما يعني إقحامهم في أسواق خطرة قد تقضي على رساميلهم في أيام معدودات".

وأفاد بأن شركات الاستثمار تبحث عن الربح ولا شيء غير ذلك، وتضع جميع المخاطر على العميل، ومتى كان السوق في صالح العميل فهي تغريه بتوسيع مركزه الاستثماري لتحصيل مزيداً من العمولات، أما إذا ما عكس السوق اتجاه، وبدأ في تقليص هامش المتاجرة وانخفاضة عن النسبة المحددة سلفاً، فتقوم بتصفية مركز العميل دون الرجوع إليه، اعتمادا على اتفاقية المتاجرة بالعملات التي تعطي الشركة الحق في حفظ حقوقها من خلال التصفية الفورية.

 ونصح عادل بعدم التوسع في أسواق العملات لما تنطوي عليه من مخاطر كبيرة قد تتسبب بفقدان كامل رأس المال في يوم واحد، مطالباً بأهمية قيام الجهات المسئولة بتثقيف المستثمرين وحمايتهم من حملات التسويق التي تقودهم إلى حافة الهاوية الاستثمارية.

 وأضاف "عادل"، أن إعلان إحدى الشركات الأجنبية عن وجود نحو 600 ألف مستثمر مصري يتعاملون في سوق الفوركس، هي أرقام غير دقيقة ومشكوك في صحتها؛ لأنه لا توجد مصادر دقيقة في تحديد عدد من يتعاملون في أسواق العملات.
 
"الفجر" التقت أحد ضحايا شركات توظيف الأموال في مصر، والتي كانت تعمل تحت اسم "247" و المملوكة للمدعو "محمود عزت العوا"، المحبوس حالياً على ذمة قضايا نصب، وأكد الضحية "م.ع" أنه تعرف على الشركة من خلال شقيق المتهم الذي كانت تربطه به علاقة صداقة ومنحه مبلغ 200 ألف جنيه ، للمضاربة بهم" فوركس" .

وأضاف "حصلت على أرباح لمدة شهرين، وبعدها امتنع "العوا" عن سداد الأرباح وتم القاء القبض عليه، ولم يحصل أياً من الضحايا على حقوقه المالية.

خبراء: "المركزي" هو الجهة المنوط بها وضع ضوابط وتشريعات لتجريم "الفوركس"
بعض الخبراء أكدوا أن البنك المركزي المصري، هو الجهة المنوط بها وضع ضوابط وإقرار تشريعات لتجريم "الفوركس" ، وأنه ليس من السهل القضاء شكل نهائي على تلك الظاهرة ، في ظل عدم وجد نظام متكامل لمتابعة عمليات تحويل الأموال و كذلك لجوء البعض للتلاعب .

قال مختار الشريف الخبير الاقتصادي، إن الأزمة تكمن في دخول الفوركس ضمن التعاملات الدولية، التي تفرض ضوابط معينة لشكل الرقابة عليها داخلياً.

وأضاف "الشريف"، أن الدورة المستندية لدخول أو خروج نقد أجنبي بإشراف البنك المركزي المصري تحول دون العمليات المشبوهة، لكن البعض يلجأ للطرق الملتوية لتحقيق أغراضه بعيدًا عن نظر الهيئات الرقابية.

واوضح أنه لا يمكن وضع حدود لعمليات تداول النقد الأجنبي، وخاصة أن نظام الفوركس يتعامل على الأسهم و السندات، مشيراً إلى أن البنك المركزي يعمل على مراقبة عمليات تحويل الأموال في محاولة منه للحد من العمليات المشبوهة.

وضرب الشريف مثلًا على عمليات خروج النقد الأجنبي من مصر، بوجود العمالة الأجنبية من مختلف البلاد، و هم يقومون بتحويل أموالهم بالعملات الصعبة لبلادهم، مما يمثل سبيل لخروج النقد الأجنبي لا يمكن السيطرة عليه، لذا مطلوب وجود منظومة بيانات متكاملة، في سياق يتناسب مع البعد العملي بعيدا عن الجوانب النظرية.

وأكد محمد بدره الخبير المصرفي، على خطورة وجود نظام مثل "الفوركس " في مصر؛ لأنه يعد أحد أخطر طرق خروج النقد الأجنبي من مصر، في صورة لا يمكن السيطرة عليها أو الحد منها.

وأضاف "بدره"، أن البنك المركزي المصري قنن أوضاع خروج العملات الأجنبية ضمن تعليمات "اعرف عميلك" وكان من أبرزها وضع حد أقصى للإيداع بالدولار "10 ألاف دولار"؛ للتقليل من عمليات هروب النقد الأجنبي، ولكن العاملين في تلك المجالات يكون لهم العديد من الطرق المشبوهة والملتوية، وخاصة أن الشركات التي يعملون من خلالها غير قانونية، ولا تخضع لتشريع يضبط عملها، لذا فإن عملية السيطرة على "الفوركس" وما يشبهه من عمليات "شبه مستحيلة.