عادل حمودة يكتب: أنا ومرشد الرئيس «الحلقة الأخيرة»

مقالات الرأي



الباز ينضم إلى حزب كنتاكى تشيكن ويتزوج للمرة الثانية

■ تدخل لتمرير فيلم «كشف المستور» المستوحى من فصل فى حياة صفوت الشريف بعد أن اعترضت عليه الرقابة! ■ أميمة تمام أثارت أزمة بسبب صورة ظهرت فيها زوجته السابقة يوم زفاف ابنها

تزوج باسل ابن أسامة الباز الوحيد من فريدة ابنة محمد فريد خميس فى فندق ماريوت الزمالك.. حرصت غالبية الشخصيات العامة « السياسية والوزارية والرئاسية والفنية والصحفية» على الحضور.. فكان من السهل أن تجد أحمد أبو الغيط بالقرب من عادل إمام.. وجمال مبارك يتحدث إلى حسين فهمى.. وصفوت الشريف يختلى بعمرو موسى.. مثلا. وظهرت للمرة الأولى أمام الكاميرات السفيرة مها فهمى.. أم العريس.. مطلقة أسامة الباز.. وكان طبيعيا أن تشارك فى صور تذكارية يقف فيها العروسان وسطها وهى على اليسار وزوجها السابق على اليمين.. ونشرت مجلات وصفحات المجتمع الصور دون أن تدرك أنها تفجر لغما فى بيت الباز.

كان التعليق المكتوب تحت الصورة يشير بحسن نية إلى أن مها فهمى زوجة أسامة الباز دون إضافة كلمة سابقا.. فغضبت زوجته الأخيرة مقدمة البرامج السياسية فى التليفزيون الحكومى أميمة تمام.. وأغلب الظن أنه لم ينم ليلتها نوما هادئا.. فقد وجدت فى الصباح الباكر تليفونا منه يطلب منى تصويب ما حدث.. أو بدقة أكثر.. ترميم ما حدث.. ترضية للسيدة التى تعيش معه.. وإن كنت غير مسئول عن ذلك الخطأ.. فقد نشرت الصور فى مطبوعات مختلفة.. بعيدة عنى.

كان طلبه معتادا بحكم ما بيننا من صداقة.. وكان يريد ترضية زوجته الشابة.. تجنبا لمزيد من العتاب.. أكثر منه تصحيحاً لخطأ كان يمكن أن يمر دون أن ينتبه إليه سوى مقربين منه.

ولا أعرف مدى الدقة فى كلماتى لو قلت إن ارتباط الباز بأميمة لم يحظ بقبول مكتمل من غالبية أفراد عائلته.. وإن حرصوا على أن يمنحوها ولو بمشاعر محايدة كل ما يملكون من احترام.. لكى لا يخسرونه.

والمؤكد.. أن زواجه منها كان مفاجأة.. فلم تكن تتمتع بشهرة كافية خارج مبانى ماسبيرو.. كما أنه بدا بعيدا عن تكرار تجربة الزواج.. و شاعت فى تلك الفترة من تسعينيات القرن الماضى أخبارا لم تتجاوز الهمس وقتها عن ارتباطه عاطفيا بشخصيات معروفة.. صدمت فيما بعد عند زواجه.. وسمعت منها مباشرة حجم الألم الذى عاشته بعد أن هجرها.. وتزوج غيرها.

كانت صحيفة الوفد أول من تحدثت بلهجة هجومية عن علاقة ما جمعت بين الباز وأميمة وعندما قابلت الباز يومها وجدته مضطربا.. لا يعرف كيف يتصرف إزاء ما نشر.. وإن رفض تكذيب الخبر.. دون أن أعرف ما يدور فى رأسه.. إن تدريبه على الكتمان انتقل من السياسة إلى العواطف.. فهو يستطيع أن يتكلم ساعات طويلة دون أن تخرج منه بمعلومة واحدة متماسكة.. إلا لو شاء.

كان الباز يبدو بحكم طبيعته شخصا يستمتع بحريته بعيدا عن قيود الزواج.. وخارجا عن مسئوليته.. رافضا تكرار تجربته ثانية.. إن الوقت الطويل الذى يمنحه لعمله لم يترك له سوى ساعات ليلية قليلة يقضيها فى مشاهدة فيلم.. أو الفرجة على مسرحية.. أو حضور حفل توقيع رواية.. أو الجلوس على النيل بجانب واحد من أقرب الأصدقاء إليه يستشيره فى كثير من الأمور العامة والخاصة.. مثل الخبير السياحى على عبد العزيز.

وكثيرا ما كان السينمائيون يستعينون به لحل المشاكل التى تتعرض لها أعمالهم الفنية.. فعندما اعترضت الرقابة على مشاهد من فيلم كشف المستور الذى لعبت بطولته نبيلة عبيد.. ويوحى بأنه مقتبس من حياة صفوت الشريف وقت أن كان مسئولا عن السيطرة فى جهاز الأمن القومى خلال وجود صلاح نصر مديرا للمخابرات العامة.. ودعا كاتب الفيلم وحيد حامد الباز لحضور عرض خاص محدود.. فى قاعة صغيرة وسط القاهرة.. جرى بعده الوصول إلى حل وسط.. وعدلت النهاية.. وسمحت الرقابة بالعرض.

قبل ذلك.. تدخل هو والدكتور مصطفى الفقى لدى لتأجيل نشر فصل مبارك فى كتاب النكتة السياسية كيف يسخر المصريون من حكامهم.. كان الناشر عصام فهمى قد طلب من مؤسسة الأهرام طباعته تجاريا.. لكنهم.. خافوا من الكتاب.. ورفعوا النسخة التى كتبتها بخط يدى إلى إبراهيم نافع رئيس مجلس الإدارة «ونقيب الصحفيين» الذى رفعها بدوره إلى الرئاسة.. ليأخذ المشورة.. منتهى الحرية.

كانت مصر تحارب فى عاصفة الصحراء لتحرير الكويت فطلب الباز والفقى منى إعادة النظر فيما كتبت عن مبارك الذى كان يتعرض لحملة سخرية شديدة من قوى عربية مؤيدة للرئيس العراقى صدام حسين.. وتفهمت وجهة النظر.. وطبع الكتاب.

والأهم.. أن الباز كان يسخر من أصدقائه المتزوجين ويطلق عليهم حزب السائرون على العجين.. أو يصفهم بـ جماعة كنتاكى تشيكن.. فما الذى حدث ليصبح عضوا فى تلك الجماعة الخالية من شجاعة العزوبية؟.

لابد أن شيئا ما أقنعه على تغيير مساره غير القدر والمكتوب.. ربما لم يشأ أن تكون حياته الخاصة فرصة لجلسات وصفحات النميمة؟.. ربما لم يشأ بحكم منصبه الرئاسى الرفيع أن يكون موضع انتقاد أو طعن يختلط فيه ما هو عام بما هو خاص؟.

لقد تعرضت شخصيات قريبة من الرئيس لمثل هذه المواقف الحرجة المختلطة فخيرت بين مناصبها الرسمية وحياتها الخفية.. ولم يكن الاختيار صعبا.. المناصب طبعا.. السلطة أبقى.. النفوذ لا يعوض بنفوذ آخر.. المرأة تعوض بامرأة أخرى.

لقد طلق أحد رجال الرئيس زوجته الثانية بضغط من زوجته الأولى وبنصيحة من العائلة الرئاسية.. وعاش حياته بالطول والعرض.. وكان لا ينام إلا إذا عرف خريطة العلاقات الجنسية للمشاهير.. وكان منهم.

وكاد أحد زملائه أن يقتل بالرصاص وهو فى فراش زوجة صاحب شركة سياحة لولا أنه هرب فى الوقت المناسب.. وقد طلقت الزوجة التى عرفت بأنها سيئة العتبة فى لحظتها.. وإن تزوجت فيما بعد رجل أعمال شديد الثراء.. دخل السجن بعد زواجهما بأسابيع قليلة.

لم يشأ الباز أن يكون مضغة صحفية وسياسية ورئاسية فتلقى ما نشرت الوفد بهدوء.. وبعد فترة وجيزة أعلن زواجه من أميمة تمام.. وكان زواجا خالصا.. خاليا من الأولاد.. لسبب بسيط أنه أجرى جراحة ضرورية أزال فيها البروستاتا.. خشية إصابة جديدة بالسرطان الذى نجا منه بإرادة قوية.. بجانب تمارين اليوجا العقلية أو الميديتيشان التى كان يواظب عليها بنصيحة من الدكتور ميلاد حنا لمضاعفة المناعة فى الجسم.

فى مطعم هادئ بالعجمى احتفلنا بالزواج.. هالة سرحان ويسرا وإيناس الدغيدى وأنا.. ويبدو أن أميمة كانت شديدة الحرص فى التعبير عن ما فى داخلها فاكتفت بالصمت أغلب الوقت ونحن نتناول الطعام على ضوء الشموع.

لمعت أميمة على شاشة التليفزيون وتضاعف وجودها فى مكاتب وطرقات ماسبيرو ولعل انشغالها منحه حرية فى السفر والسهر بمفرده.. وبدا.. وكأن شيئا لم يتغير.

لكن.. بصعود نجم جمال مبارك و شلته أزيح صفوت الشريف من منصب وزير الإعلام الذى بقى فيه أكثر من ربع قرن متصورا أنه سيكون آخر وزراء الإعلام فى مصر.. وتولى المنصب بعده الدكتور ممدوح البلتاجى الذى لم يبق فيه طويلا بعد أن دبرت ضده مؤامرات رسمها وخططها ونفذها رجال ونساء سلفه.

فى ذلك الوقت كان أنس الفقى وزيرا للشباب والرياضة.. وما أن خرج البلتاجى من ماسبيرو حتى جلس الفقى على كرسيه وزيرا للإعلام.. ولابد أن نعترف أنه نجح فى مهمته.. وإن لم يكملها بإعادة هيكلة ماسبيرو.. فقد داهمته ثورة يناير قبل أن يحققها بواسطة شركات أجنبية.

لم تكن الجسور قوية بين أميمة والفقى.. ففى اجتماع مبكر مع قسم الأخبار راح الفقى يتحدث باهتمام شديد عن ضرورة تطوير النشرات بينما بدت أميمة غير مبالية بما تسمع وكأن الوزير الجديد لا يهمها.. ولا يعنيها.

ورغم أنه يعرفها جيدا فإنه حرصا على صورته وهيبته وخشية تكرار ما حدث وبخها الفقى بما أحرجها.. وكما كان متوقعا اشتكته إلى زوجها.. لكن.. الباز الذى كان يشعر أنه أكبر من التدخل بين زوجته ووزير شاب طلب منى حل المشكلة.

لم يتردد الفقى فى التعبير عن احترامه الشديد للباز.. مضيفا: إن خاله دكتور الأسنان المثقف كان صديقا له.. ووعد بحل المشكلة.

وتكررت وساطتى بين الباز والفقى حلا لما عانت منه زوجته فى ماسبيرو خاصة بعد فقد نفوذه الرئاسى واستبعد من الجماعة المقربة من الرئيس بصعود تيار جمال مبارك.. وإن بقى الباز فى مكتبه القريب من المعهد الدبلوماسى ينشغل بنقل خبراته إلى الدبلوماسيين الجدد.

وفى سنواته الأخيرة سمعت من أميمة أكثر من شكوى بتجاهل الرئاسة علاج زوجها الذى لم يكن ما يتقاضاه منها يزيد على حد قولها عن ستمائة جنيه.. والمشكلة.. أنه لم تكن هناك فى ذلك الوقت بعد ثورة يناير مؤسسة رئاسية نلجأ إليها.. وإن تولى المسئولية باسل.

وقد حزنت كثيرا لرحيل الباز.. حزنت لرحيل صديق لمدة تزيد على 44 سنة.. وحزنت لغياب كفاءة بمواهبه السياسية والقانونية والإنسانية.. وحزنت لاختفائه دون أثر يساوى قيمته ويعادل ما فعل.. فلا ذكريات ولا مذكرات.. لا خبرات دونت ولا تجارب سجلت.. وهو خطأ شائع فى بلادنا.. أن يرحل معنا ما نعرف فلا يستفيد منها أحد.. ونبدأ دائما من الصفر.. لذلك فنحن أقدم أمة وأضعف ذاكرة.