ريهام الزيني تكتب: بئس قوم لا يعرفون الله إلا في رمضان ؟!

ركن القراء

ريهام الزيني
ريهام الزيني

 

في رمضان نصلي صلاة من يجعل الصلاة قرة عين، ونصوم صوم وصيام من ذاق حلاوة الإيمان وطاعة الرحمن، وننفق نفقات من لا يخشي الفقر ولا يخاف الجوع وإذلال النفوس، ونؤدي الفرائض والصلوات والسنن والعبادات بخفة ونشاط، مستشعرين بلذة النفس وبهجة الروح، وهكذا نتقلب في أعمال الخيرات والبركات والإنتصارات الرمضانية الروحية والوطنية، ورغم إستمرار جهاد الثورة الروحية الرمضانية المنسية يرحل رمضان وربما عاد تارك الصلاة وأكل الربا ومشاهد الفحش وفاعل الزنا والشبهات المتعددة.

 

ودائما يأتي السؤال الذي يتبادر في الأذهان عندما ينتهي شهر الصيام وماذا بعد رمضان؟، ماذا جنينا من ثماره الناضجة وظلاله الوارقه؟، هل تحققت فينا التقوي، هل تعلمنا الصبر والمثابرة، هل تربينا علي مجاهدة النفس عن كل ما تريد من شهوات متعددة الأشكال والألوان، هل إنتصارنا علي العادات السيئة والتقاليد الكارثية المدمرة، هل إنتصارنا في الثورة الروحية الرمضانية المنسية، هل تخرجنا من المدرسة الرمضانية بشهادة صفة الربانية أم الرمضانية، هل... وهل.... وهل...أسئلة كثيرة وخواطر عديدة لا تخطر الإ علي قلب مسلم مؤمن مخلص صادق مع ربه، والإجابة جاءها نبينا محمد صل الله عليه وسلم منذ قرون فقال لمن سأله:" قل آمنت بالله ثم استقم"، أي الإستقامة بعد الطاعة هي أعظم كرامة يجنيها من كان مؤمنا تقيا نقيا.

 

فالواجب علي المسلم الإستقامة الدائمة في رمضان وبعد رمضان وفي سائر الأشهر والأيام فهي علامة علي النجاح والفلاح يوم الحسرة والندامة والملامة، ولذلك فإن كل مسلم يسأل ربه في جميع صلواته "اهدنا الصراط المستقيم" سورة الفاتحة، فالمؤمن الحقيقي مطالب بالإستقامة سبيل إلي كثرة النماء وطريق إلي تدفق الرزق، تصديقا لقوله تعالي "والو استقاموا علي الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا، لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا" سورة الجن، فكلما قل ماء الحياء قل ماء السماء، وكلما هان الله علي الناس هانوا عليه وذلك في قوله" ومن يهن الله فما له من مكرم "سورة الحج.

 

أليس رب رمضان رب شعبان وشوال، وهو رب سائر الأشهر والليالي والأيام؟، أليست العبادة والتقوي هي الحالة التي يجب علي المسلم المداومة عليها حتي تتحول إلي أسلوب حياة أكثر صلاحا وإستدامة وروحانية؟، أليس رب رمضان هو القائل في كتابه المجيد: واعبد ربك حتي يأتيك اليقين"؟!، واليقين هو الموت، وقال سبحانه وتعالى:" وما خلقت الجن والإنس الإ ليعبدون"، وقال أيضا "إنما يتقبل الله من المتقين"، ومن علامات قبول العبادة في رمضان وفي سائر الليالي والأيام هي التقوي، وصفة التقوي لا توجد الإ في المؤمن وليس مجرد مسلم، وذلك مصداقا لقوله تعالي "الذين آمنوا وكانوا يتقون".

 

فكيف حالك بعد أن ينتهي سيد الشهور ومتجر الأولياء والصالحين؟، فهل ينتهي شهر رمضان فينتهي معه التوبة والخشية من رب رمضان؟، هل سيمر هذا الضيف العزيز بأجوائه الروحانية ونفحاته الرحمانية ولياليه النورانية الربانية ثم تعود ريمة إلي عاداتها السلبية القديمة؟!.

 

كيف حالك بعد أن ينتهي موسم الأبرار والمتقين، هل ستتحقق العودة إلي الوراء ومع إنتهاء شهر رمضان الفرائض تترك، والمصاحف تشكو لهجرها، والعبادات تشكو لإهمالها، والمساجد تشكو لقلة عمارها، والشوارع تشكو فسقها وفجورها، والبيوت تشكو خرابها وقطع أرحامها، والمعاصي ترتكب دون حياء أو خجل وغيرها..وغيرها..،فلا تعود إلي ذلك إلا في مناسبات دينية وروحانية أخري؟!.

 

شهر رمضان هو لتجديد العهد والوعد مع الله بزيادة القرب، شهر الصيام هو لتجديد الصلح مع الله بأن نشغل أروحنا بالتقرب إلي بارئها، شهر القيام هو لمحاسبة النفس وتقويمها، شهر الجهاد هو لمواصلة تفعيل البرامج والمبادرات والثورات الروحية الرامية إلي الإرتقاء في سلم الطاعات والمقامات الربانية بالجهاد والعبادات طوال العام، نبني أخلاقنا بمحاسن أفعالنا وأقوالنا من أجل العيش في الدنيا بأنفاس الأخرة.

 

ولو تحدثنا عن فكرة الولاء والإنتماء للوطن لوجدنا عدم تعارضه مع الولاء والإنتماء للدين، وأيقننا أن ثمرات العبادات هي نتاج المعاملات الطيبة، وتجديد العهد مع الله في رمضان هو تجديد الولاء والإنتماء للوطن علي إستكمال مسيرة البناء  وتحقيق تطلعات الشعب والأمة والإنسانية جمعاء، وأوامر الدين كلها لصالح البلاد والعباد في كل أوان وفي كل زمان ومكان، وصلاح الدين هو تهذيب للنفس وصلاح للأسرة والمجتمع، وبالتالي يتحول الأمن الإجتماعي إلي أمن قومي وطني بني علي أساس سليم وذلك لمن يتدبر ويتفكر.

 

نحن لا نناشد أن نكون كما كنا في رمضان من الجهاد والإجتهاد في العبادات والمعاملات، ولكن أذكر نفسي وإياكم ألا ننقطع عن الأعمال الصالحة، فلنحيا علي روح الصوم والصيام والصدقة والقيام في رمضان وغيرها من السلوكيات والأفعال الخيرة ولو بالقليل وعلي قدر المستطاع، كما قال الرسول صل الله عليه وسلم "خذوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتي عملوا" متفق عليه.

 

فلنسأل الله العون والمدد علي الإستمرار والمثابرة والمداومة علي الأعمال الصالحة شعار المسلمين والمؤمنين الأتقياء الأخفياء الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ولنداوم معا دعاء النبي صل الله عليه وسلم" اللهم أعني علي ذكرك وشكرك وحسن عبادتك".

 

وأخير لا يسعني الإ أن أختم مقالي المتواضع هذا بثلاث نقاط على النحو التالي:ألا بئس قوم لا يعرفون الله في رمضان، وبئس قوم لا يعرفون الله إلا في رمضان، ونعم قوم يعرفون الله طوال العام، ويعبدون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم يتدبرون ويتفكرون آناء الليل وأطراف النهار، ويجتهدون في الثبات على الطاعات بعد مواسم العبادات وفعل الخيرات.

 

رمضان ينقضي كأي شيء يرحل وينتهي ويبقي الرحمن الرحيم، هل غابت الشمس وتخلف القمر هل أمسكت السماء عن قطرها وأوقفت الأرض نباتها، كلا ثم كلا، فالحياة مستمرة، فإغتنم كل لحظة في عمرك فإنها إلي يوم القيامة لن تعود، ينقضي رمضان ويبقي الإيمان، ينقضي رمضان ويبقي القرآن، ينقضي رمضان وتبقي العبادات وذكر الرحمن، ينقضي رمضان ويبقي البر والصدقات والإحسان، ينقضي رمضان كأي شيء ينقضي، فمن كان يعبد رمضان فإن رمضان يرحل وينقضي، ومن كان يعبد الله فإن الله دايم باقي ليس لأوليته إبتداء، ولا لآخريته إنقضاء.

 

ما أجمل العبادة في رمضان، وما ألذ المداومة علي الطاعة بعد رمضان، فهل نعود إلي الضلال بعد الهدي، هل نعود إلي الظلام بعد النور، كلا ثم كلا، بل معا نتمسك بالعروة الوثقي والدين القويم والطريق المستقيم، معا نستقيم بأوامر الله ومحبته وحسن عبوديته، معا لإحياء المباديء والمعتقدات الدينية المتفقة مع الشريعة الإسلامية والمنبثقة مع الأهداف الموالية للكتب والشرائع السماوية، مهما كلفتا ذلك من مشقة، ولنقارن بين حالنا في رمضان وحالنا بعد رمضان!!، هل مازالت الأكف ضارعة والعيون دامعة والألسن ذاكره والقراءات خاشعة أم هناك نية للإنتكاسة والتراجع؟!.