ريهام الزيني تكتب: الاستراتيجية الربانية مفتاح الإنتصارات الرمضانية؟!

ركن القراء

ريهام الزيني
ريهام الزيني

 

 

من أهم أسباب الإنحطاط الذي أصاب الأمة الإسلامية والعربية والإنسانية هو عدم قراءة التاريخ، مما أدي إلي انتشار المفاهيم الخاطئة التي تزداد خطورة عندما تتحول في أعماق الوعي الجمعي إلي بديهيات زائفة ومسلمات ثقافية قاتلة تساعد علي إشاعة الروح الخاملة الخانعة، وإيقاظ الروح اليأسة الفاشلة، وتزداد الأزمة تفاقما عندما يلوح في الأفق شبح الإستسلام للتبعية الفكرية دون دراسة متأنية لخطورة الإدراك العقلي لغبار اليأس وقتل بذرة الإرادة والعزيمة والقوة، مما يؤدي إلي إنهيار أفاق الوعي المعاصر حتي يصبح معول هدم لا أداة بناء أركان أمة شاء الله أن تكون خير أمة أخرجت للناس.

 

 

ومن أخطر المفاهيم الخاطئة الشائعة والإنحرفات الطارئة بطرق متعددة في أذهان الأجيال المعاصرة، تلك التي تؤدي إلى نتائج ثقافية مدمرة في علاقتنا مع ربنا، والإعتقاد بأن رمضان شهر الراحة والكسل والخمول، شهر تتوقف فيه الأعمال وتؤجل فيه المهام والواجبات، شهر تؤخر  فيه المشروعات، شهر يرتبط في العقول بكثرة النوم والتعب، مما يؤدي إلي التسويف والمماطلة، هكذا يدعي لسان حال البعض، وهكذا أصبحت علاقتنا مع الله وفكرتنا عن رمضان شهر الجهاد والإنتصارات والفتوحات.

 

ورغم المشقة التي يتعب بها الصيام أجسادنا ويضيق بها أنفسنا، هناك أحداث وروائع تاريخية مثالية تحكي لنا عن عمق هذا الشهر المبارك في كل الحضارات والأمم، ومازال هناك تواريخ مصيرية خالدة وأيام لا تنسي ولا تمحي أهميتها الكبيرة في توجيه مسارها وتحديد مستقبلها، ولنا في الإنتصارات الرمضانية للأمة الإسلامية عبرة وحكمة وخير ذكريات وشواهد حدثت في عمق أيامها ولياليها، فلنسير معا برهة في ثنايا بعض معارك هذة الأمة التي لا تقرأ تاريخها ولا تصوغ حاضرها ومستقبلها.

 

 

ولو ذهبنا نستقصي كل الفتوحات الإسلامية الرمضانية لطال بنا المقال، ولكننا سنذكر أبرزها وما يمكن أن نتعلم منها، غزوة بدر الكبري أول معركة بين المسلمين والمشركين، فتح مكة وهو يوم الفرقان، معركة البويب بين المسلمين والفرس علي ضفاف الفرات بالعراق، الفتح الإسلامي لبلاد النوبة بالسودان، الفتح الإسلامي للأندلس، فتوحات المسلمين في جنوب فرنسا، معركة بلاط الشهداء، فتح عمورية، فتح سرقوسة من جزيرة صقلية، معركة المنصورة بين الحملة الصليبية والدولة الربوبية معركة عين جالوت بين المغول والمسلمين علي أرض فلسطين فتح امكانية علي يد الظاهر بيبرس، فتح جزيرة قبرص في عهد المماليك فتح البوسنة والهرسك في معركة قوية بين الصرب والعثمانيين، وعبور العاشر من رمضان في أكتوبر  73 وغيرها الكثير والكثير من الفتوحات والإنجازات العسكرية الفاصلة في تاريخ الأمة الإسلامية.

 

 

ويكفينا فخرا أننا نستحضر روح هذه المشاهد العظيمة والخالدة في التاريخ الإسلامي لنأخذ منها الحكم والعبر والدروس، في زمن وهنت فيه الأرواح، وضعفت العزائم، وغرس حب الدنيا والخوف من الموت في النفوس والقلوب، وغفل الناس عن الحكمة في إختيار رمضان شهر الصوم والصيام، مما أدي إلي عدم إستشعارنا أنه شهر الصبر والجهاد والإنتصارات والفتوحات التي حققها أجدادنا وأسلافنا.

 

 

شهر رمضان هو سيد الشهور والليالي والأيام، وهذة المعارك والبطولات والإنتصارات الرائعة التي أشرت إليها تبعث لنا رسائل واضحة لا غموض فيها مفادها أن رمضان حقا شهر الفتوحات الربانية العظيمة التي غيرت وجه التاريخ وكتبه من جديد، إنقاذا للإنسانية من الهرولة إلي الأنفاق المظلمة التي ليس لها نهاية سوي الإضطرابات العالمية المطلقة، وأنها فرصة لتحقيق الإنجازات والإنتصارات المستعصية، ولم تكن للراحة والكسل كما يدعي، وهناك عوامل كثيرة تقف وراء هذة الفتوحات العسكرية الجبارة وسنذكر بعضها لعلها تكون درسا بليغا وعبرة وعظمة لمن يعتبر في كل مجالات حياتنا:-

 

 

في رمضان، يتعانق صفاء الروح مع قوة الإيمان وتحلق النفس البشرية المتحلية بالروح المعنوية المخلصة التقية، فتكون المحصلة عزيمة وإرادة وشجاعة وجسارة تكسر الحواجز وتبدد الهواجس وتتحدي العوائق التي تدفع النفس والروح دفعا بلا كسل ولا كلل إلي تحقيق الإنتصارات المستحيلة بلا عقبات ولا ملل.

 

 

 

في رمضان، ومع الصوم والصيام الحقيقي تكون المعركة الأولي بين المرء ونفسه، تتخلي النفس البشرية عن أمراضها النفسية والروحية، وتتحلي بنفس قوية وروح نقية تتزين بالحب والتعاون، فإن هزم في هذة المعركة الفاصلة فلن يحقق إنتصارات علي غيره، وإن إنتصر علي نفسه ووساوسه وهواجسه حتما سيكون إنتصاره علي غيره أيسر بكثير.

 

 

في رمضان، الحروب والمعارك والغزوات في الإسلام ليست من أجل الظلم والعدوان والإحتلال، بل هي وسيلة لدفع عدوان الفئات الظالمة والدول المستبدة المستكبرة، فالحرب في الإسلام مفسدة لا ترتكب الإ لدفع مفسدة أعظم منها في سبيل الدين أو الوطن أو رد حقوق المستضعفين في الأرض.

 

 

 

إن الإنتصارات الرمضانية ليست بالعدد ولا بالعدة، ولا بالأعداد الكثيرة ولا بالأسلحة الوفيرة، بل الفتوحات الرمضانية مقترنة في المقام الأول بالإيمان والإخلاص والعمل والتوكل علي الله مسبب أسباب النصر وأصول التمكين للمؤمنين علي المعتدين، والنصر بالله ولله وحده لا شريك له.

 

 

إن الإنتصارات الرمضانية كانت وستظل مثالا للتربية الصحيحة لإعداد الأمم والأوطان والشعوب وتقويمها ماديا ومعنويا، لتظل دائما وأبدا حائطا وصدا منيعا ضد الهجمات العقائدية والفكرية والعسكرية الباغية.

 

إن الإنتصارات الرمضانية كانت وستظل مثالا للرحمة والتواضع والتسامح، وتجسيدا للقيم والمباديء والأخلاق الحضارية لعظمة الإسلام والمسلمين علي مر العصور في صورة حية وملموسة وواقعية نادرة المثال.

 

 

إن الإنتصارات الرمضانية كانت الهم الأكبر والشغل الشاغل لدي قادة الحروب الإسلامية وهو تقديم وإعلاء راية الله راية الحق ودين الإسلام فوق كل المصالح الشخصية والمنافع البالية والمطامع الفانية، وتحت هذة الراية تأتي الرايات الوطنية والإجتماعية والعلمية وغيرها الكثير والكثير من الرايات المباركة التي تتبعها.

 

 

ومن يقرأ صفحات التاريخ الإسلامي، ويستكشف زوايا حضارتنا دون تجاهل أو تغافل يري أن كل الأساطير والخرافات الشائعة حول شهر رمضان بعيدة كل البعد عن مبادئ ديننا، وغريبة عن حضارتنا ومعتقداتنا، ولو بحثنا في إنجازات أسلافنا التي نعلمها والتي لا نعلمها، لوجدنا أن أعظم البطولات كانت في شهر رمضان، حيث وقعت العديد من الحروب والغزوات التي تكللت بالفتوحات والإنتصارات وهم قلة تقاتل كثرة، مما يؤكد أنه ليس شهرا لأصحاب الراحة والنوم والتخلف عن صفوف الجهاد والدعوة إلي الله، وكذلك لم يشرعه الله للتهرب من الإلتزامات الوظيفية والإجتماعية، بل هو شهر الجد والإجتهاد لأصحاب الهمم العالية، شهر الإنقاذ والنجدة وتمكين الإسلام ونصر المؤمنين أصحاب الأرواح النقية القوية الإستثنائية التي تتجاوز كل التحديات والصعوبات التي إكتسبتها جراء عنايتها الشديدة بشهر رمضان كما قال القرآن المجيد.

 

 

فلا يصح للمسلمين أن لا يعرفوا هذة المعاني للمدرسة الرمضانية الربانية للحرب الباسلة، ويظنون أنه مجرد شهر للأعمال الفنية والخيم الرمضانية والإعلان عن أعمال إحتياليه بإسم المبادرات الإنسانية منها وهمية ومزيفة، ليس هذا هو شهر رمضان الذي يريده الله عز وجل، رمضان لا يتضيق حدوده في الصيام والقيام وإعتياد المساجد وإقامة الموائد وتلاوة القرآن، بل تتسع دائرته إلي عمق التاريخ، حيث إستطاع المسلمون كسر شوكة الذل والهوان، وأخمدوا نيران الظلام، وصنعوا من التحديات والأزمات أحلاما ناضجة، وحطموا قيود المستحيل، وتحدوا الإعاقات التي وقفت حائلا في وجه طموحهم، حتي أفاض الله علي المسلمين ببركة هذا الشهر العظيم إنتصارات لا تمحي أثارها ولا تبلي، بل كانت ومازالت حافزا يمدهم بالعزيمة والإيمان.

 

 

 فكيف لا يكون شهر رمضان من كل عام إمتدادا لفتوحات بدر الكبري ونصر أكتوبر 73، الأمة التي إستشهدت لهويتها الدينية ووقفت في وجه طغاة الفاشية، فتعلو روحها مدركة أن كل هذة المعارك صغيرة أمام إيمان وعقيدة المسلم المؤمن بسر بركة صيحة العبور التي تزلزل القلوب الأ وهي "الله أكبر" صوت المؤمن وسر أسرار الفتح العظيم والنصر المبين في مواجهة الأعداء المتجبرين وإسقاط الطغاة الظالمين؟!، وأين فاعلية العبادة والتعبد الذي جعل الصائمون الأوائل من رمضان شهرا للإنتصارات، وأين روح رمضان مدرسة المقاومة الحقيقية في الثورة الروحية الرمضانية المنسية التي تقودنا للإستراتيجية الربانية مفتاح الإنتصارات الرمضانية، وإلى متى سنظل متجاهلين عوامل النصر والتمكين في القرآن العظيم؟!.

 

 

وأخيرا، أوصيكم ونفسي بشهر الجهاد الأكبر وحماية الأمة من شرور النفس ومكر الأعداء المتربصين، إنها دعوة لمن يتذكر تاريخه، ومن ينساه ويتركه فريسة سهلة لأعدائه ليطمسوه ويشوهوه كيفما شاءوا وأينما تزامن مع ما خططوا له، إنها دعوة لتجديد العهد والوعد مع الله إنها وصية ري العالمين للأولين والآخرين، فمن يستجيب لنداء الله ورسوله لسبيل الصلاح والفلاح والنصر علي الأعداء، إنهض وإبدأ لاتزال لدينا الفرصة، فقط نطلب من الله العون والمدد..ﻷننا ﻓﻌﻼ نستطيع.