مدبولي يوضح.. ماذا حدث في مؤتمري 1982 و2015؟

تقارير وحوارات

مدبولي
مدبولي

 


انطلقت، صباح اليوم بالعاصمة الإدارية الجديدة، فعاليات "المؤتمر الاقتصادي - مصر 2022.. خارطة طريق لاقتصاد أكثر تنافسية "، والذي تنظمه الحكومة بتكليف من السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، على مدار ثلاثة أيام؛ لمناقشة العديد من القضايا والملفات الاقتصادية تتعلق بأوضاع الاقتصاد المصري ومستقبله، وذلك بحضور عدد من الوزراء، ومسئولي وممثلي الجهات الحكومية، ومشاركة واسعة من كبار الاقتصاديين، والمفكرين، والخبراء.


 

 

أربع مؤتمرات اقتصادية في تاريخ مصر
 

 

 

وأكد مدبولي أهمية تحليل مخرجات مؤتمرين من المؤتمرات الأربعة، باعتبارهما مهمين جدًا لمصر، الأول هو "المؤتمر الاقتصادي الكبير" عام 1982، والثاني "مؤتمر مصر المستقبل" عام 2015، مشيرًا إلى أن سر اختيار هذين المؤتمرين، أن كلاهما تم عقده بينما مصر في خضم ظروف استثنائية جدًا، ففي مؤتمر عام 1982 كانت مصر تشهد فترات ما بعد الحرب ونصر أكتوبر، بينما الدولة المصرية تواجه اقتصادا مُثقلا بمشكلات هائلة في هذه الفترة، حيث حدثت توجهات اقتصادية معينة على رأسها سياسة الانفتاح الاقتصادي، كما وقعت بعض الأزمات السياسية التي انتهت باغتيال الرئيس الراحل محمد أنور السادات وتولي الرئيس الراحل محمد حسني مبارك زمام الأمر.

وأضاف أنه فيما يخص مؤتمر عام 2015، فقد كانت الدولة كذلك قد انتهت للتو من أزمات سياسية شديدة العنف على مدار الأعوام من عام 2011 إلى 2013، مع موجة ارهاب لم تشهدها مصر من قبل، وكانت الدولة في هذا التوقيت قد بدأت أولى خطوات الاستقرار السياسي، ولذا كانت دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي لهذا المؤتمر، لكي يناقش أوضاع الاقتصاد المصري وكيف ننمو به.


منظومة النقل الجماعي، والسكة الحديد، والمستشفيات، والمدارس، والمرافق، وطوابير الجمعيات الاستهلاكية، ووضع الصرف الصحي في الشوارع الراقية والبسيطة والانفجار السكاني، مسكن ملائم، الدعم وسعر الصرف المتقلب،

وانتقل إلى ملف آخر تناوله المؤتمر الاقتصادي وهو القطاع العام ودور القطاع الخاص، مشيرا إلى أن القطاع العام الذي أصبح فيما بعد قطاع الأعمال العام يتبعه 372 شركة تعاني من مشكلات عديدة، وأن هناك ضرورة لتقوية دور القطاع الخاص لكي يقوم بدور أكبر في الاقتصاد.


التضخم، أوضح مدبولي أن حجم التضخم في ذلك الوقت كان قد وصل إلى 20% في العام 1980-1981، كما ظهرت الحاجة لتوفير فرص العمل لاستيعاب الزيادة السكانية التي تدخل إلى سوق العمل سنويا، حيث كان المطلوب حينها توفير 400 ألف فرصة سنويا مقارنة بالوقت الحالي الذي يتطلب ما يزيد على مليون فرصة عمل سنويا لاستيعاب شبابنا، وكان هناك حلم في تلك الآونة أن تصل الاستثمارات الكلية ( وهي جملة استثمارات الحكومة مع القطاع الخاص) إلى 6 مليارات جنيه لكي يتم توفير 400 ألف فرصة عمل، وكان هذا هو المستهدف في المؤتمر الاقتصادي وقتها.

 

 

ونوّه رئيس الوزراء إلى أن المؤتمر خرج بالعديد من التوصيات وكانت جميعها أفكارا جيدة، إلا أنه بعد 18 يوما فقط من انتهاء هذا المؤتمر، سطر الأديب العالمي نجيب محفوظ مقالا في جريدة الأهرام تحت عنوان ( من الجاني؟) قال فيه " إن أمهات الأفكار التي انبثقت من المؤتمر لم تكن جديدة.. ولا أقول ذلك تهوينا من عمل المؤتمر؛ فقد شخص الداء فأحسن تشخيصا واقترح شتى العلاجات.. وأتساءل إذا كان الداء معروفًا.. فكيف تُرك دون علاج؟"

 


        
مؤشرات المؤتمر الاقتصادي 1982 
 

وفي هذا الإطار، أوضح رئيس الوزراء أن أول هذه المؤشرات يتمثل في أن المؤتمر الاقتصادي الكبير 1982 أشار إلى أن "تحديات الاقتصاد المصري أساسها اختلال التوازن في الحجم المتزايد للسكان، والذي لم تقابله زيادة مماثلة في الموارد الاقتصادية"، وقال مدبولي: هذا الحدث المتمثل في الزيادة السكانية اتضح بمقارنة الأرقام خلال 30 عاما، حيث تزايد عدد السكان من نحو 43 مليون نسمة في 1982 ليصبح نحو 81 مليون نسمة، أي بزيادة 38 مليون نسمة وهي تعادل زيادة في 27 دولة أوروبية خلال تلك السنوات.

 

 ثم انتقل الدكتور مدبولي للمؤشر الثاني وهو الناتج المحلي الإجمالي، حيث كان المؤتمر يرى أن " الناتج المحلي لا يفي بالاحتياجات المتزايدة للمواطنين،  مما يتطلب إعادة ترتيب أولويات الإنفاق العام والخاص وزيادة معدلات الإنتاج"، حيث كان هناك ضرورة أن ينمو الإنتاج والاقتصاد الوطني بمعدلات أسرع لكي يتوافق مع الزيادة السكانية، إلا أنه نتيجة للظروف التي مرت بها الدولة وعدم توفير الاستثمارات الكافية لكي ينمو اقتصادنا كانت النتيجة أن متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي على مدار 20 سنة 4.4%، رغم أن بعض السنوات حدث بها طفرات وصل فيها المعدل إلى 7.5% و7.2%، إلا أن المتوسط على مدار الـ 20 سنة يبلغ 4.4%، وبالمقارنة مع الدول المثيلة التي يُطلق عليها الدول متوسطة الدخل، وجدنا أن تلك الدول في نفس الفترة كانت تنمو بمتوسط 5%، بما يعني أن مصر كانت أقل من تلك الدول في معدل النمو.
 

ثم انتقل رئيس مجلس الوزراء إلى المؤشر الثالث وهو ما ذكره المؤتمر الاقتصادي 82 عن تلبية وإشباع احتياجات المواطنين، التي تعد الهدف النهائي للجهد التنموي، مشيرا إلى أن أية مشروعات تستهدف تلبية وتوفير الخدمات للمواطنين، كما أن تقدم المجتمع ـ اقتصاديًا واجتماعيًا ـ دائمًا ما يُقاس بمدى القدرة على إشباع هذه الحاجات، ونتيجة للظروف الاقتصادية وضعف الاستثمارات في تلك الفترة، كان متوسط نصيب الفرد من الناتج، على مدار 20 سنة، تبلغ نحو 1360 دولارًا، بينما في الدول المثيلة كان يمثل نحو 1800 دولارًا.

   وفيما يتعلق بالمؤشر الرابع، أشار الدكتور مصطفى مدبولي إلى أن مؤتمر 82 أكد عجز القطاعات الاقتصادية عن توفير فرص عمل كافية لامتصاص الزيادة السكانية في سوق العمل، نتيجة أن الدولة لم تستطع توفير نصف مليون فرصة عمل جديدة سنويًا كما كان مُستهدفا؛ نتيجة الظروف الاقتصادية والنمو السكاني الهائل، وبالتالي كان متوسط معدل البطالة وصل إلى نحو 9.6 أو 10% خلال تلك الفترة، في الوقت الذي بلغ فيه متوسط البطالة في الدول المشابهة لظروفنا اقتصاديًا نحو 4.9%.

    أما فيما يخص المؤشر الخامس، فأوضح رئيس الوزراء أن حجم الاستثمارات الكلية التي كانت تنفقها الدولة المصرية في عام 1991 كانت تبلع 8.9 مليار دولار، وفي 2011 بلغت 40 مليارا، لكن بالمقارنة مع الدول المشابهة مثل: تركيا وإندونيسيا وسنغافورة، وماليزيا، وفنزويلا، والأرجنتين، وجنوب إفريقيا، سنجد أن هناك فجوة واضحة بين مصر وتلك الدول، مشيرا إلى أنه نتيجة تلك الظروف استمرت الأوضاع التي رصدها مؤتمر 1982 بصورة أو بأخرى حتى عام 2011، من حيث مشكلات خدمة الصرف الصحي التي لم تكن تتجاوز نسبة 45%، وفي الريف كانت 12%، بالإضافة إلى مشكلة التكدس المروري، وانقطاع الكهرباء، وأسطوانات البوتاجاز، ونقص الخبز والوقود، وظاهرة العشوائيات التي استفحلت في تلك الفترة.
 
ثم تحدث رئيس الوزراء عن المؤشر السادس المتمثل في ثبات وتيرة الاستثمارات الموجهة للقطاع الصناعي، موضحا أن المشكلة الحقيقية لهذا القطاع أن الاستثمارات الموجهة إليه ظلت لفترة طويلة للغاية، وتحديدًا حتى عام 2011، لا تزيد على 6 مليارات جنيه سنويًا، وحدثت قفزة حقيقية في السنوات القليلة الماضية حينما بدأ القطاع الخاص يشارك ببعض المشروعات في عملية الصناعة جنبًا إلى جنبٍ مع الدولة، ولكن بصفة عامة تراجع نصيب قطاع الصناعة من الاستثمارات المنفذة في تلك الفترة من 22% إلى 10% خلال هذه الفترة.

وحول تفاقم مشكلة الإسكان المتمثلة في المؤشر السابع، أشار رئيس الوزراء إلى أن مؤتمر 1982 نوّه إلى أن سبب تفاقم هذه المشكلة يرجع إلى أن الإسكان الشعبي لم يحظ بنصيبه من الاهتمام، وبالتالي تبنت الدولة بعض البرامج للإسكان القومي، ولكن رغم ذلك ظل حجم الإسكان المنتج لا يكفي لتلبية الاحتياجات، وهو ما أدى إلى استمرار مشكلة المناطق غير الآمنة والعشوائية غير المخططة، والتي أصبحت تمثل ما بين 50 إلى 60% في المدن، بالإضافة إلى إشكالية التعدي على الأراضي الزراعية التي فقدت الدولة نتيجتها عشرات الآلاف من الأفدنة.

  وفيما يخص خطة الاستصلاح الزراعي، أوضح الدكتور مصطفى مدبولي أن المؤشر الثامن كان يتحدد في هذا العنصر، حيث أشار مؤتمر 1982 إلى أن الإنتاج القومي في الزراعة يعجز عن توفير الاحتياجات، وبالتالي ستحتاج مصر إلى خطة استصلاح لا تقل سنويًا عن 150 ألف فدان، وأوضح مدبولي أن الدولة قامت بجهد كبير في هذا الوقت، لكن لم تستطع استصلاح سوى 77 ألف فدان فقط كمتوسط.

 وتمثل المؤشر التاسع في الخدمات الاجتماعية ( التعليم – الصحة)، وفي هذا الإطار، أشار رئيس الوزراء إلى أن المؤتمر الاقتصادي 82 نوه بـ ارتفاع معدلات الأمية بسبب عدم كفاية حجم الإنفاق المخصص للتعليم، وفيما يتعلق بالخدمات الصحية المحددة في هذا المؤشر نقل عن تقرير منظمة الصحة العالمية، الصادر عام 2015، أن مصر لديها أعلى معدل من الإصابة بفيروس "سي"، حيث يقدر أن 14.7% من السكان يحملون الفيروس، بالإضافة إلى ما يصل إلى 10 آلاف إصابة جديدة تحدث كل عام.
وحول المؤشر الأخير المتمثل في مستويات الدَّين، أشار مدبولي إلى أنه على مدار 30 سنة، وتحديدًا منذ عام 1981 وحتى عام 2011، شهدت 19 سنة منها حجم دين يزيد عن 100% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ديْن أجهزة الموازنة العامة فقط، وأشار رئيس الوزراء إلى أنه في هذه الفترة وبالرغم من كل الجهود لمحاولة حل مشكلات الدولة، إلا أن ظروف الدولة المصرية أجبرتها في تلك الفترة على تبني حلول وسطية في ظل الإمكانيات المتاحة للتعامل مع المشكلات على المدى القصير، واتسمت تلك الحلول بانخفاض الإنفاق الاستثماري، والتركيز على الإنفاق الاستهلاكي، واتجهت النسبة الأكبر من الموازنة إلى تغطية الأجور والمعاشات والدعم، ولكن الإنفاق الاستثماري  الذي يقود  نمو الدولة كان منخفضًا، بالإضافة إلى ضعف القدرة الإنتاجية للقطاع الصناعي، وكذلك ضعف القدرة على توفير فرص العمل المطلوبة.


الحلول الشبيهة بالمسكنات

 

 

 كما أوضح الدكتور مصطفى مدبولي أن الظروف الاقتصادية في مصر كانت تفرض على الحكومات تبني "الحلول الشبيهة بالمسكنات"؛ وذلك بسبب طبيعة المجتمع التي غالبًا ما تكون غير متقبلة لبعض الحلول الصعبة والجذرية، وذكر رئيس الوزراء مثالا على ذلك بالإجراء الذي اتخذته الدولة لإعادة هيكلة الدعم في عام 1971، ورد فعل المواطنين في ذلك الوقت الذي جعل أمن الدولة والحفاظ على مقدراتها أولوية.. مستدركا بقوله: "هل هذا كافيا لإنقاذ الدولة وبنائها؟".


الحل الجذري الراديكالي 

 

وفي ضوء ذلك، تناول رئيس الوزراء كلمة للمفكر المصري الدكتور جمال حمدان قال فيها: "المأساة الحقيقة أن مصر لا تأخذ في وجه الأزمات الحل الجذري الراديكالي قط، وإنما الحل الوسطي المعتدل، أي المهدئات والمسكنات المؤقتة... والنتيجة أن الأزمة تتفاقم وتتراكم أكثر"، وهنا أوضح مدبولي أن الدولة لم تتخذ حلولا راديكالية لأنها غالبًا ما تكون غير شعبوية ولها ثمن سياسي باهظ يكون من الصعب على الحكومات أن تتحمله، وبالتالي تراعي الحكومات اعتبار "الحفاظ على استقرار الدولة"، لكن على المدى الطويل لن ينتج ذلك دولة متقدمة. 
 

وضع الاقتصادي بعد ثورات 2011 و2013

 

وتطرق رئيس الوزراء بعد ذلك إلى ثورات 2011 و2013 ودورهما في تأثر الاقتصادي المصري على نحو جسيم، وهنا أشار إلى ما قاله البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في عام 2015 عن مصر، حيث  ذكر الصندوق أن "مصر مرت بفترة تغيير جذري، فقد بشرت الأحداث الجسيمة التي وقعت في يناير 2011 بفترة من الآمال العظيمة ولكن أيضًا بالتحديات الكبيرة، ولكن منذ عام  2011 عانت مصر لعدد من السنوات من النمو المنخفض وارتفاع معدلات البطالة وتفاقمت هذه المشكلات بسبب العجز المالي الكبير والدين العام المتزايد والهشاشة الخارجية.

 وفي هذا الصدد، أوضح الدكتور مصطفى مدبولي أن الخسائر المصرية نتيجة عدم الاستقرار السياسي والأعمال الإرهابية التي شهدتها مصر على مدار السنوات الماضية قدرت بنحو 477 مليار دولار، ووصلت خسائر قطاع السياحة إلى 32%، ووصل متوسط معدل البطالة إلى 13%، كما تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 2.2%، ويشير ذلك إلى انخفاض المؤشرات الاقتصادية بصورة كبيرة نتيجة الظروف التي مرت بها مصر، على صعيد ارتفاع عجز الموازنة، ومتوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي، وغيرهما. 
 وفي السياق نفسه، أوضح رئيس الوزراء أن مصر، خلال الفترة بين فبراير 2011 إلى مايو 2013، انخفض تصنيفها الائتماني 6 مرات، وبشكلٍ عام، واجهت الدولة وضعا اقتصاديا كارثيا نتج عنه تراجع حاد لمعدل النمو بلغ 3%، بالإضافة إلى أعلى معدل عجز وصلت له مصر في الموازنة في ثلاثين عاما بنسبة 13%، بالإضافة إلى 516 مليار جنيه مثلت أكبر زيادة في المديونية.

 

وأوضح رئيس الوزراء أن استمرار تلك الأوضاع كان سيؤدي حتمًا إلى أوضاع أكثر خطورة للدولة المصرية ككل، ومن هنا كانت استجابة الدولة لتلك التحديات في عام 2015.