عادل حمودة يكتب: زيارة السيدة العجوز المستفزة على حسابك!

مقالات الرأي

عادل حمودة
عادل حمودة

سيناريو حرب الصين على تايوان:

بكين ستحدد ساعة الصفر قبل نهاية العام القادم

غلق مضيق تايوان أمام البحرية الأمريكية

احتلال جزر صغيرة تطلق منها الصواريخ على تايوان

ألف سفينة تحمل الجنود تخترق ستة موانئ رئيسية


 

لم يشأ «يون سول بول» رئيس كوريا ورئيس حكومتها وقائد جيشها أن يترك عرضا مسرحيا ليستقبل رئيس مجلس النواب الأمريكى «نانسى بلوسى» التى هبطت طائرتها فى مطار «أنتشون» على بعد ٣٠ ميلا غرب العاصمة «سول».

أكثر من ذلك اتجه بعد نهاية العرض إلى كواليس المسرح ليهنئ الممثلين ويناقشهم فى النص ثم دعاهم لتناول العشاء معه ليعود بعد منتصف الليل إلى «البيت الأزرق» مقر إقامته الرسمية.

بدا واضحا أنه يرفض استقبال «السيدة العجوز المستفزة» بعد أن أشعلت التوتر بين الصين والولايات المتحدة عندما نفذت ما فى رأسها وزارت «تايوان» وباتت فيها.

لم يشأ أن يستجب لرغبتها فى زيارة المنطقة الحدودية الملتهبة بين الكوريتين حتى لا تنفجر الأوضاع بينهما وينفذ الرئيس الشمالى «كيم جون يون» تهديداته النووية أو يجرب جيلا جديدا من صواريخه البالستية.

مشى رئيس كوريا الجنوبية على خطى الرئيس الأمريكى الأسبق بيل كلينتون الذى رفض منح تأشيرة دخول لرئيس تايوان حتى لا تحدث أزمة مع الصين ولكن رئيس مجلس النواب وقتها «نيوت جينشر» منحه التأشيرة بل أكثر من ذلك سافر إلى تايوان ليدعم استقلالها واكتفت الصين وقتها (فى تسعينيات القرن الماضى) بإطلاق صاروخين فى الهواء وهدأت الأزمة.

لكن الصين تغيرت وأصبحت القوة الاقتصادية الثانية فى العالم وصعد جيشها إلى المرتبة العسكرية الأولى ليصبح الأكبر فى العالم إلا أن «المرأة العجوز» لم تدخل فى حسابها فارق الزمن وهى تلعب بورقة تايوان.

اشتهرت نانسى بيلوسى بجرأتها فى المواجهة إلى حد تصعيد الأزمات وليس حلها أو حتى تبريدها.

ما أن تجاهل ترامب مصافحتها قبل أن يلقى خطاب حالة الاتحاد (فى فبراير ٢٠٢٠) حتى مزقت الخطاب علنا أمام الكاميرات.

وفور بدء الحرب الروسية على أوكرانيا حتى طارت إلى كييف لتلتقى بالرئيس فولوديمير زيلينسكى.

ولم تكن زيارة تايون بداية غضب الصين منها.

حسب شبكة «سى إن بى سى» الأمريكية فإنها زارت ساحة «تيانانمن» فى عام ١٩٩١ بعد عامين من قمع الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية ورفعت لافتة تحيى ذكرى أبطالها وضحاياها وكانت فى ذلك الوقت نائبة عن كاليفورنيا.

وفى يوم الثلاثاء الثانى من أغسطس الجارى وضعت نانسى بلوسى يدها بين أنياب التنين- الصين- وهبطت طائرتها مطار تايبية (عاصمة تايوان) بعد أن تابع نحو المليون شخص فى العالم مسار طائرتها على موقع متخصص بحركة الطائرات وكأنهم توقعوا أن تسقط بصاروخ تطلقه بكين رغم أنها كانت فى حراسة الجيش الأمريكى.

بالقطع رفعت بيلوسى أسهم بايدن الذى طارده الفشل السياسى بلا توقف.

انسحاب عشوائى فوضوى من أفغانستان. لم يستطع إجبار روسيا على الانسحاب من أوكرانيا رغم العقوبات غير المسبوقة التى فرضها عليها. عجز عن التوصل إلى الاتفاق النووى مع إيران. لم يحصل من العرب على ما أراد فى قمة جدة.

لكن بايدن لم يستمتع بارتفاع أسهمه سوى ساعات قليلة ووجد نفسه وبلاده بعدها فى أزمة تدخل فى تصنيف الكوارث حيث ارتفعت طبول الحرب فى الصين لتثير الرعب فى واشنطن.

لقد تصاعدت الحرب بين البلدين.

حرب تجارية أضيف إليها حرب تكنولوجية.

حرب باردة دفعت بها السيدة العجوز (٨٢ سنة) إلى حدود الحرب الساخنة.

بما فعلت استحقت وصفها بالجنون الذى أطلقه عليها ترامب مؤكدا أنها «لا تلمس شيئا إلا ويصبح كارثة» و«دون أن تقصد حققت للصين حلمها».

كانت الصين قد حذرت من الزيارة وبدا واضحا أنها راهنت على حكمة سيدة على رأس السلطة التشريعية الأمريكية ولكنها خسرت الرهان فلم يكن أمامها سوى تدبير رد فعل عاجل قبل أن تغادر المنطقة.

كان رد الفعل العاجل أكبر مناورة عسكرية بدأتها على عجل ثم راحت تزيد من قواتها المشاركة فيها ساعة بعد ساعة. ضاعفت عدد الطائرات المقاتلة. اخترقت المجال الجوى التايوانى ٢٠ مرة فى اليوم. أدخلت حاملتى طائرات تتحركان بالطاقة النووية. نفذت نموذج محاكاة لغزو تايوان بهجوم برمائى. نشرت قواتها البحرية أمام ستة موانئ ستكون بوابات الدخول ساعة الغزو.

لكن الأخطر أنها أطلقت ١١ صاروخا سقط خمسة منها فى المياه الاقتصادية اليابانية فأعادت مشاعر العداء القديمة بين البلدين.

ويبدو أن الخلايا الصينية الخفية فى تايوان بدأت سلسلة اغتيالات مؤثرة عسكريا كان آخرها نائب رئيس وحدة أبحاث تطوير الصواريخ فى وزارة الدفاع «أو يانج لى» الذى عثر عليه ميتا فى فندق جنوب تايوان.

وما أن وجه البيت الأبيض اللوم لسفير بكين فى واشنطن (تشينج تشين جانج) على المناورات الصينية حتى أعلنت حكومته أنها ستعلق كل الاتصالات بينها وبين الولايات المتحدة سواء الاتصالات العسكرية أو التنسيق فى مكافحة المخدرات والهجرة غير الشرعية والمناخ الذى وافقت الصين على مضض بقبول التفاهم حوله خاصة أنها أكبر مصدر للانبعاث الحرارى.

وقطع الاتصالات العسكرية يضاعف من خطورة الموقف حيث خطأ عابر غير مقصود دون توضيح ممن وقع فيه قد يؤدى إلى إشعال الحرب رغم أن واشنطن أعلنت أنها لا تريد المواجهة وطالبت سفنها الحربية المنتشرة بالقرب من الصين بالابتعاد قدر ما تستطيع عن السفن الصينية تجنبا لخطأ ينتهى بكارثة.

سبق أن اعترضت مقاتلة صينية طائرة تجسس أمريكية (فى عام ١٩٩٥) لكن صفاء المناخ بين البلدين جعل الصين تعيد الطائرة إلى الولايات المتحدة بعد أن عرفت سرها.

على أن المثير للدهشة استفزاز واشنطن لبكين رغم وجود استثمارات أمريكية فى الصين موزعة بين ٥٩ ألف مشروع وتصل قيمتها إلى ٦٧ مليار دولار وحققت هوامش ربح تعد الأعلى على المستوى العالمى.

كما أن الصين ثانى أكبر شريك تجارى للولايات المتحدة وأسرع سوق تصدير نموا هناك ويصل حجم التجارة الصينية الأمريكية إلى ٣٨٥.٣٤ مليار دولار وتمثل المنتجات الصينية حوالى ٧٥٪ من السلع فى الأسواق الأمريكية (ملابس وأحذية وأجهزة إلكترونية وهواتف محمولة وأكثر من ذلك نموذج العلم الأمريكى الذى يعلقه السياسيون فى ثيابهم).

وبسبب الأسعار المنخفضة للمنتجات الصينية يوفر المواطن الأمريكى نحو ٣٠٠ دولار شهريا من فاتورة استهلاكه لن يحصل عليها لو اشترى السلع نفسها من دولة أخرى.

وفى المقابل توجد استثمارات صينية فى الولايات المتحدة وإن لم يزد حجمها على ١٧ مليار دولار.

والمؤكد أن الحرب فى تايوان ستؤثر تأثيرا مباشرًا على كل إنسان على ظهر كوكب الأرض.

فى تلك الجزيرة الديمقراطية الصغيرة (٣٦١٩٣ كيلومترا مربعا) التى لا يزيد عدد سكانها كثيرا على ٢٥ مليون نسمة تنتج النسبة الأكبر من الشرائح الذكية (أو أشباه المواصلات) التى تدخل فى صناعة الكمبيوترات والهواتف المحمولة والأسلحة المتطورة والسيارات والطائرات ومع تصاعد التوترات بين تايبيه وبكين أصبح مصير تلك الصناعة شديدة الأهمية فى خطر ولو تعطل إنتاجها فإن عشرات الصناعات ستشل.

شهد العالم بعد تعافيه من كورونا أزمة فى الرقائق الذكية أدت إلى توقف كثير من مصانع السيارات ونقص المعروض منها وزيادة أسعاره وأصبح على راغبى شراء سيارة جديدة فى أوروبا الانتظار ٦ أشهر.

وأجبرت شركة آبل على رفع سعر آخر ثلاثة أجيال من تليفونها المحمول ولو تجددت الأزمة فإن انتظار الحصول على تليفون محمول سيمتد إلى سنة على الأقل.

وحدث الشىء نفسه فى تكنولوجيا الأقمار الصناعية ما فرض رسوما إضافية على الفضائيات وشركات الترفيه السينمائية.

وحتى لا تترك الأزمة رصدت الإدارة الأمريكية ٥٣ مليار دولار لاستثمارها على عجل فى إنتاج الرقائق الذكية ولكن ربما تشتعل الحرب قبل أن نرى إنتاجها.

لن ينجو أحد من تأثير الحرب لو أعلنت على تايوان.

لكن لا أحد يقدر على منع الحرب ولو طال الزمن.

من اليوم بدأت الصين فى وضع قيود على معاملاتها الخارجية حتى تتجنب العقوبات الغربية المتوقع فرضها عليها إذا ما غزت تايوان ما يعنى أن ستؤجل قرار الحرب حتى تستعد لمواجهة تبعاته الاقتصادية مستفيدة مما حدث لروسيا فى حربها مع أوكرانيا.

وتدرك الصين أن من يبدأ فى الهجوم ينال فرصة أكبر فى كسب الحرب لذلك لن تشنها فى المدى القريب وإن استغلت زيارة بيلوسى فى تبرير إعلانها وكأنها أجبرت على رد الفعل.

كثير من مراكز الدراسات الصينية والآسيوية فى الولايات المتحدة ترى أن الصين ستظل فى حالة تسخين حول تايوان حتى يصبح اختراقها لمجالها الجوى وحدودها البحرية الاقتصادية أمرا معتادا وفى توقيت ما لن يتجاوز العام القادم ستبدأ هجومها.

حسب تلك المراكز فإن الصين قد تبدأ بإغلاق مضيق تايوان (أو مضيق فورموسى ) الذى يفصل بين الصين وبين تايوان ويعتبر جزءًا من بحر الصين الجنوبى ويبلغ طوله ١٨٠ كيلومترا وعرضه ١٣٠ كيلومترا وبإغلاقه سيرتبك العالم وستسارع الصين بنقل أسلحة ومعدات وأنظمة تجسس وغيرها إلى المضيق لتضاف إلى السفن الحربية الرابضة هناك.

وفى الوقت نفسه يمكن أن تحتل الصين بعض الجزر الصغيرة القريبة من تايون (مثل جزيرة ماستوش وكيمن) لتكون نقاط ارتكاز عسكرية ومنصات للمدفعية وقواعد للصواريخ.

ودون تردد ستضرب الصين برا وبحرا وجوا كل قدرات تايوان الدفاعية لتشل مقاومتها.

ثم يكون الغزو بمئات الجنود تحملهم عشرات من السفن التى تحولت من الأسطول التجارى إلى الأسطول الحربى ويصل عددها إلى الألف سفينة.

لكن بالشخصية الصينية الجوانية التى يصعب الكشف عما فى أعماقها ربما تلعب لعبة الحرب بطريقتها.

هذا ما سيحدث غالبا.