مي سمير تكتب: حكايات تجارة الآثار المصرية ما بين باريس ونيويورك ولندن

مقالات الرأي

مي سمير
مي سمير

أشهر تجار الآثار المصرية فى العالم

صورة كيمكاردشيان بفستانها المثير ترشد عن سرقة تابوت ذهبى فى متحف نيويورك


شهد أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين انتشارا كبيرا لجامعى الآثار من الشرق الأوسط. فى تلك الفترة كان موريس نحمان أحد أشهر تجار الآثار المصرية. عمل فى منطقة وسط البلد بالقاهرة ابتداء من عام ١٨٩٠، وبصماته فى جميع أنحاء مبيعات الآثار المصرية لأهم المتاحف فى أوروبا والولايات المتحدة.

فى حين أن نحمان معروف فى الغالب بأنه البائع الأول للقطع الأثرية المصرية القديمة،إلا أن قائمة تجار الآثار المصريين اليوم تحمل أسماء العديد من الشخصيات من مختلف أنحاء العالم.

 

حسب معهد الشرق الأوسط فى واشنطن، تشكل المافيا المنظمة العنصر الرئيسى فى تجارة الآثار المصرية. نظمت هذه المافيا شبكات امتدت إلى أوروبا وأمريكا الشمالية والشرق الأوسط وربما الشرق الأقصى. يمكن لأعضاء هذه الشبكة الوصول إلى القوارب المغادرة من الموانئ غير الآمنة فى البحر الأحمر وعلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، مما يسمح بتصدير بضائعهم غير القانونية بسهولة.

 

يعرض متحف اللوفر أبوظبى حاليا لوحة ضخمة من الجرانيت الوردى، محفورة باسم الملك توت عنخ آمون. وصف عالم المصريات مارك جابولد، الأستاذ فى جامعة بول فاليرى فى مونبلييه قطعة الآثار المصرية بأنها «عمل استثنائى بأكثر من طريقة»، حسب صحيفة لوموند الفرنسية. هذا الكنز المصرى القديم هو الآن فى قلب تحقيق دولى مترامى الأطراف حول الاتجار بالآثار.

أدى التحقيق الذى أجراه فى فرنسا قاضى التحقيق جان ميشيل جنتيل، إلى احتجاز الشرطة للمدير السابق لمتحف اللوفر جان لوك مارتنيز.

وكشفت مجلة Canard enchaîné عن اعتقال فنسنت روندوت، أمين المتحف ورئيس قسم الآثار المصرية، وعالم المصريات أوليفييه بيردو. وبحسب مصادر لوموند، تم الإفراج عن روندوت وبيردو فيما بعد. ومع ذلك، تم توجيه الاتهام إلى جان لوك مارتينيز مساء الأربعاء، ٢٥ مايو، بتهمة غسل الأموال فى جريمة منظمة والتواطؤ مع الاحتيال فى عصابة منظمة والتآمر لإخفاء أصل القطع الأثرية التى يشتبه المحققون فى تهريبها إلى خارج مصر خلال فترة الربيع العربى. أطلق سراح مارتينيز لكنه ظل تحت الإشراف القضائى.

يعد متحف اللوفر، المملوك للدولة الفرنسية، أكثر المتاحف زيارة فى العالم حيث يزوره حوالى ١٠ ملايين زائر سنويا قبل جائحة كوفيد-١٩ وهو موطن لبعض التراث الثقافى الأكثر شهرة فى الحضارة الغربية.

وفتح محققون فرنسيون القضية فى يوليو ٢٠١٨، بعد عامين من شراء فرع متحف اللوفر فى أبو ظبى لوحة نادرة من الجرانيت الوردى تصور الفرعون توت عنخ آمون وأربعة أعمال تاريخية أخرى مقابل ثمانية ملايين يورو (٨.٥ مليون دولار).

مارتينيز هو حاليا سفير وزارة الخارجية الفرنسية المسئول عن التعاون الدولى فى مجال التراث الثقافى، والذى يركز بشكل خاص على مكافحة الاتجار بالفنون. وقال محاموه فى بيان لوكالة فرانس برس إن «جان لوك مارتينيز يطعن بأقوى طريقة فى لائحة الاتهام ضده فى هذه القضية». وقالوا «فى الوقت الحالى سيحتفظ بتصريحاته للقضاء ولا يساوره شك فى أن حسن نيته سيثبت».

يشتبه المحققون الفرنسيون فى أن مئات القطع الأثرية قد نُهبت من مصر ودول أخرى فى الشرق الأوسط خلال الاحتجاجات التى بدأت فى نهاية عام ٢٠١٠، والتى أصبحت تُعرف باسم الربيع العربى. وهم يشتبهون فى أن القطع الأثرية بيعت بعد ذلك إلى صالات العرض والمتاحف التى لم تطرح الكثير من الأسئلة حول الملكية السابقة.

وتأتى لائحة اتهام مارتينيز بعد القبض على صاحب المعرض الألمانى اللبنانى الذى توسط فى البيع، روبن ديب، فى هامبورج فى مارس وتسليمه إلى باريس للاستجواب.

ونقلت مجلة Canard enchaîné عن مارك جابولد، عالم المصريات الفرنسى، قوله إنه أبلغ مسئولى متحف اللوفر بالشكوك المتعلقة بمسلة توت عنخ آمون لكنه لم يتلق أى رد. أدى فتح التحقيق فى عام ٢٠١٨ إلى زعزعة سوق الفن فى باريس، التى تعد مركزًا رئيسيًا للآثار من حضارات الشرق الأوسط.

يحاول التحقيق تحديد الشبكة المسئولة عن بيع لوحة الجرانيت المصرية بعد أن تم الاتجار بها من قبل عالم الآثار، كريستوف كونيكى، والتاجر روبن ديب. ويشتبه المحققون فى أنهم قدموا وثائق مزورة واختلقوا أصولا مزورة من أجل «غسل» مئات القطع الأثرية المنهوبة فى بلدان مختلفة فى الشرقين الأدنى والأوسط.

وقد تم سبق اتهام عالم الآثار كريستوف كونيكى وصديقه ريتشارد سمبر عام ٢٠٢٠ بارتكاب مجموعة من الجرائم بما فى ذلك الاحتيال وغسل الأموال والتزوير والتورط فى تجارة الآثار المصرية غير الشرعية. كونيكى وسمبر، وهما شخصيتان محترمتان على نطاق واسع فى عالم الآثار الباريسية، يشتبه فى أنهما كانا يستغلان حالة عدم الاستقرار التى أعقبت الربيع العربى فى أوائل عام ٢٠١١ لنهب الآثار القديمة.

 

تورط عالم الآثار الفرنسى كونيكى، المتخصص فى آثار البحر الأبيض المتوسط وعضو الجمعية الفرنسية لعلم المصريات، فى قضية شهيرة لتهريب تابوت من مصر فى عام ٢٠١١. وانتقل تابوت الكاهن المصرى القديم «نجم عنخ» عبر دبى وألمانيا وباريس قبل أن يبيعه كونيكى إلى متحف المتروبوليتان فى نيويورك مقابل ٣٫٥ مليون يورو (٤ ملايين دولار) فى عام ٢٠١٧. أقام متحف «ذا ميت» كما يطلق عليه معرضا يحمل اسم الأثر المنهوب - «نجم عنخ وتابوته المذهب» - قبل إعادته إلى مصر فى عام ٢٠١٩ بعد أن كشف تحقيق عن سرقته خلال الانتفاضة التى أطاحت بالرئيس المصرى حسنى مبارك عام ٢٠١١.

وقد أدت صورة نجمة برامج الواقع الأمريكية كيم كاردشيان وهى ترتدى فستانا ذهبيا فى حفل Met Gala ٢٠١٨ بجوار تابوت «نجم عنخ» إلى فتح باب التحقيق فى تهريب التابوت المصرى. تم إخطار مساعد المدعى العام فى مانهاتن ماثيو بوجدانوس بصورة كيم كارداشيان وهى تقف بجانب التابوت من قبل مرشد مجهول فى الشرق الأوسط.

وجد التحقيق أن التابوت الشهير تم تهريبه من منطقة المنيا فى مصر خلال ثورة ٢٠١١، ثم أرسلوها فى عام ٢٠١٣ إلى حسن فاضلى، تاجر آثار فى الشارقة، إحدى مدن الإمارات العربية المتحدة. كتب فاضلى نموذج تصدير حيث وصف القطعة الأثرية بالخطأ على أنها يونانية رومانية من أجل التغطية على الأصول الحقيقية للمقبرة. ثم تم بيع القطعة بعد ذلك إلى روبن ديب، مدير معرض ديونيسوس فى هامبورج بألمانيا. قام ديب بتزوير رخصة تصدير مصرية تقول إنه تابوت نجم عنخ وتم تصديره بشكل قانونى فى عام ١٩٧١. تم بيع التابوت بعد ذلك إلى عالم الآثار الفرنسى والتاجر كريستوف كونيكى وزميله ريتشارد سمبر. فى حين أنه من غير الواضح ما إذا كانوا على علم بأصول التابوت، قاموا ببيعه إلى متحف ذا ميت الذى وافق على دفع أكثر من ٤ ملايين دولار. لكن اللصوص تركوا عن طريق الخطأ عظمة إصبع داخل التابوت، حيث بقيت عندما وصلت القطعة الأثرية إلى نيويورك حيث متحف ذا ميت.

اعتقلت الشرطة الألمانية ديب فى أغسطس ٢٠٢٠، ووفقا لصحيفة Art Newspaper، والذى أكد أن «جميع مستندات التصدير كانت شرعية».أعيد التابوت المرصع بالذهب إلى القاهرة فى عام ٢٠١٩. واعتذر الرئيس التنفيذى لمتحف «ذا ميت» دانيال فايس للشعب المصرى. وقال فايس فى بيان «بعد أن علمنا أن المتحف كان ضحية للاحتيال وشارك عن غير قصد فى تجارة غير مشروعة بالقطع الأثرية، عملنا مع مكتب إدارة الآثار لإعادته إلى مصر».

وفقا لملخص رسمى للتحقيق الذى أجرته هيئة المحلفين الكبرى، حصل متحف «ذا ميت» على التابوت الذهبى على الرغم مما اعتبره مكتب المدعى العام فى نيويورك أدلة عديدة تثير الشبهات بما فى ذلك: ثلاثة تواريخ ملكية متضاربة، وتورط مهربين معروفين، ورخصة تصدير مزورة تحمل ختم جمهورية مصر العربية قبل أن تستخدم الدولة هذا الاسم. يُزعم أن المتحف قد حذف رسائل البريد الإلكترونى المتعلقة بعملية الشراء بناء على طلب التاجر. وفقا لأمر تفتيش عام ٢٠١٩، كان متحف «ذا ميت» هو الموقع المحتمل لحيازة إجرامية لممتلكات مسروقة من الدرجة الأولى، وهى جريمة يعاقب عليها بالسجن لمدة تصل إلى ٢٥ عاما. كان التنبيه هو أن مسئولى ذا ميت كانوا يعلمون أن التابوت مسروق لكنهم اشتروه على أى حال. قال متحدث باسم المتحف الأمريكى إن المتحف قد خدع من قبل «منظمة إجرامية دولية». على الرغم من عدم توجيه أى اتهامات، إلا أن المتحف اعتذر للشعب المصرى، واسترجعت مصر التابوت.

 

روبن سيمز، الذى يبلغ من العمر ٨٣ عاما، هو تاجر آثار بريطانى شهير لعب دور كبير فى نهب الآثار المصرية. تم الكشف عنه كلاعب رئيسى فى شبكة إجرامية دولية تتاجر فى الكنوز الأثرية المنهوبة. أسس سيمز وشريكه كريستوس ميكايليدس، شركة تجارية فى عام ١٩٧٠، وأصبح سيمز أحد أبرز تجار الآثار فى بريطانيا وأكثرهم نجاحا.

نشأت عائلة كريستوس، الباباديميتريوس، فى الإسكندرية، مصر، وانتقلت لليونان فى عام ١٩٦٢. بفضل خبرتهم ومعرفتهم فى مجال الشحن، كانوا بارعين فى إنشاء شركات خارجية، مسجلة فى بنما، والتى تساعد كلًا من السفن وشركات الآثار على تجنب دفع الضرائب. فى عام ٢٠٠٥، قضى سيمز عقوبة بالسجن لتجاهل أوامر المحكمة بشأن بيع تمثال مصرى مقابل ٣ ملايين استرلينى، ولكنه لم يبق فى السجن طويلا. بعد ١١ عاما، عثرت الشرطة الإيطالية والسويسرية على تماثيل رخامية وكنوزا أخرى مسروقة من العديد من الدول، والتى قالت إن شركة سيمز خزنتها فى ميناء جنيف فى سويسرا.

كشفت التحقيقات الجارية التى أجرتها السلطات الإيطالية أن تورط سيمز فى تجارة الآثار غير القانونية كان أكثر شمولا مما كان يعتقد سابقا، وأنه أخفى كنزا كبيرا من الآثار المنهوبة فى ٤٥ صندوقا فى مستودع جنيف فريبورت فى سويسرا لمدة ١٥ عاما، من أجل إخفائها عن عائلة شريكه كريستوس ميكايليدس بعد رحيل الأخير بشكل مفاجئ عام ١٩٩٩ ودخول سيمز فى نزاعات مع عائلة شريكه الراحل.