طارق الشناوي يكتب: العندليب أصبح زعيمًا!

الفجر الفني

طارق الشناوي
طارق الشناوي

سألت الموسيقار الكبير كمال الطويل لماذا توقفت منذ النصف الثاني في الستينيات عن تلحين الأغنيات العاطفية لحليم واكتفيت فقط بالوطنية؟، كان من المستحيل قطعًا أن تتفهم القيادة السياسية والأجهزة أن الطويل لديه اعتراض على طريقة عبد الحليم في البروفات. فاستثنى مرغمًا الغناء الوطني، حاول بعدها التهرب من تلحين (صورة) فوجد نفسه ممنوعًا من السفر، ومجبرًا على التلحين، بعد تهديد مباشر من وزير الحربية (الدفاع) الأسبق شمس بدران له محذرًا: (عبد الناصر ينتظر صورة).

 

 

أثناء تلحين الطويل لأغنية (بلاش العتاب)، في فيلم (معبودة الجماهير)، وجد نفسه غير قادر على الاستمرار، واقترح أن يُكمل اللحن إما بليغ حمدي أو رؤوف ذهني، واختار عبد الحليم (ذهني).


 

وبعد أن أنجز (ذهني) المهمة استمع الطويل لـ«لزمات»، فلم يجدها متسقة مع اللحن، فاضطر لتلحينها، وظل القرار لا للألحان العاطفية ساري المفعول، قال الطويل لعبد الحليم في بداية الأزمة، من حقك أثناء البروفات بيننا أن تقترح، وإذا اقتنعت أنا فسوف أنفذها، وأمام الفرقة الموسيقية أنا فقط المسؤول، وبعد أن يوافقه حليم، يكتشف أنه عاد مرة أخرى وارتفع صوته.


 

سألت الطويل وما هو موقف الآخرين؟، أقصد طبعًا عبد الوهاب والموجي وبليغ؟، أجابني: تعاملوا مع الأمر باعتباره حقًا مطلقًا لحليم.


 

عندما تستمع إلى كواليس بروفات (قارئة الفنجان) تكتشف أن عبد الحليم يتدخل في التفاصيل، وصوته يعلو على ملحنها محمد الموجي، حتى إنه رشح عازف الكمان والملحن ميشيل المصري لاستكمال بعض التفاصيل في المقدمة الموسيقية.


 

شاهدت مؤخرًا بروفة لأغنية (زي الهوى)، شعر محمد حمزة، وموسيقى بليغ حمدي، ولم يحضر أساسًا بليغ.


 

كان عبد الحليم على المسرح هو أيضًا من يقود الفرقة، زادت مساحة هيمنته، مع زيادة جماهيريته، وهو ما نجده أيضًا بين نجوم الشباك في السينما، عندما يتحكم عدد منهم في كل مفردات الفيلم.


 

فاتن حمامة وسعاد حسنى وعادل إمام ونادية الجندي ونبيلة عبيد على سبيل المثال تمتعوا بمساحة كبيرة من الهيمنة على النص والإخراج، طبعًا يظل هناك عدد من المخرجين- تناقصوا كثيرًا- هم المهيمنون وأصحاب الكلمة العليا في الاستوديو.


 

ما الذى تُسفر عنه معادلة الهرم المقلوب؟


 

لا أستطيع بضمير مستريح أن أقول مثلًا إن سلطة عبد الحليم المطلقة أفسدت أغانيه، ولكن المؤكد أننا افتقدنا اللمسة النهائية للملحنين الكبار الذين همش وجودهم.


 

لم يكن الأمر بالنسبة له مجرد استعراض شخصي، ولكنه نداء داخلي يقول له أنت أدرى بالجمهور.


 

هل فعلتها أم كلثوم وقادت بروفة؟، لم يحدث، اضطرت لإلغاء بروفة لأغنية بليغ حمدي (بعيد عنك) لأنه لم يحضر ولم يعتذر، وأصدرت قرارًا بأنها لن تتعاون معه مجددًا، إلا أنها عادت عن قرارها، وعندما كررها فى قصيدة (من أجل عينيك عشقت الهوى)- وهى من المرات القليلة التي يلحن فيها بليغ قصائد- عاقبته ومنحت الكلمات لرياض السنباطي، حاول بليغ الاعتذار أكثر من مرة، إلا أنها لم تتنازل أبدًا عن إنزال العقاب المفرط في قسوته، يكفى أنه حرم من تلحين قصيدة بصوت (الست).


 

هل كانت تفرق كثيرًا لو ظل عبد الحليم ملتزمًا فقط بما يقوله كبار الملحنين؟، نعم، وفى الحد الأدنى لم نكن سنخسر العديد من الأغنيات العاطفية بين صوت حليم ونغمات الطويل!!.


 

[email protected]

 

المقال: نقلًا عن (المصري اليوم).