عبد الحفيظ سعد يكتب: بايدن يغير لغة المصالح فى الوطن العربى

مقالات الرأي

عبد الحفيظ سعد
عبد الحفيظ سعد

٢٠٢١ يشهد تقاربًا مع الجيران ومصالحات الأشقاء

 

توج هذا العام ٢٠٢١ بكأس العرب.. منافسة رياضية بين ١٦ منتخبا عربيا، لأول مرة بعد توقف اقترب من عشر سنوات، لم تقم فيه البطولة التى تجمع العرب تحديدا منذ ٢٠١٢.

ورغم أن البطولة رياضية لكنها لعبة بطعم السياسة، لم يكن المكسب الحقيقى فيها من يحرز الأهداف، أو من يفوز أو يخسر كان الأهم هو إقامة بطولة تجمع العرب فى مثل هذا التوقيت.


لعل الحدث الرياضى يعطى دلالة خاصة وتفسيرات عديدة عما دار فى أرض العرب فى ٢٠٢١، والذى تحركت فيه مزيد من المياه الراكدة فى منطقتنا التى تعج بالصراعات.

كانت البداية مع تولى الرئيس الأمريكى جو بايدن حكم أمريكا، وهو الأمر الذى كان مقترنا بتوتر وخوف فى البداية، خشية تغيير حكام أمريكا من الحزب الديمقراطى سياستها الخارجية وتحركاتها فى المنطقة العربية، وتغيير شبكة التحالفات فى المنطقة التى بنيت عليها كثير من التحركات العربية طوال فترة حكم سلفه دونالد ترامب.

ومع صعود بايدن للحكم، كانت إشارات الترقب تشتعل فى مختلف العواصم العربية، قلقا من القادم.. لكن ما حدث ودار فى هذا العام عكس ما كان يخشى منه.

وتحول المثل «رب ضارة نافعة» لواقع على الأرض. وبدأت الخلافات والصراعات الداخلية العربية تذوب، وصار البحث عن حلول لتلك الصراعات والأزمات على خلفية المصالح المشتركة والمصير الواحد، تتغلب على لغة الخلافات وتصدير الأزمات والصراعات التى كان العرب هم أكثر الخاسرين فيها.

 

ونجد أن أهم ما تمتاز به التحركات العربية لحل الخلافات بينهم أنها هذه المرة لم تكن مبنية على لغة الشعارات، بل يحركها لغة المصالح، التى كان ينقص منها الصراع والخلافات والتى لم يكن هناك مكسب منها سوى مزيد من الضعف وتآكل أوراق القوة.

ولذلك اقترن بحلحلة الخلافات العربية أن مشاكل العرب مع جيرانهم سواء الأتراك أو الإيرانيين، وكذلك دولة إسرائيل بدأت تتغير قواعد اللعبة فيها.

ويبرز هنا ما حدث بين الرباعى العربى من مصر والسعودية والإمارات والبحرين فى خلافهم الشهير مع قطر، والذى بدأ يذوب فى مطلع العام بإعلان اتفاق «العلا»، والذى ينهى القطيعة السياسية والاقتصادية بين دول الخليج الثلاث ومعها مصر مع قطر، وهى المقاطعة التى امتدت لأكثر من ثلاث سنوات ونصف السنة وذلك نتيجة لاعتراض الرباعى العربى على تحركات الدوحة ولعبها ضد مصالح العواصم العربية الأربع.

ورغم أن ما اعتبره البعض قرار الرباعى العربى كان بمثابة الورقة الأخيرة أمام الدول الأربع تجاه تحركات الدوحة، ردا على التحركات العدائية للدوحة ومحاولتها اللعب ضد الدول العربية لصالح حلفاء من الخارج وعلى رأسهم تركيا وإيران، وكذلك دعم تنظيم الإخوان الإرهابى.

نجد أن على جانب آخر، يمكن أن نلاحظ أنه رغم الخسارة الكبيرة التى تعرضت لها قطر من المقاطعة العربية والتى تسببت لها فى أزمات اقتصادية وسياسية بل وحياتية لها، نجد أن على الجانب الآخر حقق الطامعون فى العرب وعلى رأسهم تركيا وإيران مكاسب كبيرة من المقاطعة، بعد أن استحوذوا على السوق القطرى بالكامل، بل أيضا كانت خيرات قطر تذهب إليهم ولعلنا نجد أن أكثر أرقام دعم الدوحة لتركيا خلال أزماتها الاقتصادية، تعد من أهم الأوراق التى تدعم أنقرة فى تحركها ضد القضايا العربية سواء فى ليبيا أو سوريا، وهو ما تحقق لإيران أيضا من مكاسب سواء فى السوق القطرى أو من خلال خطوط الطيران بعد أن تحولت واجهات الطائرات القطرية للعبور عبر مجالها الجوى نتيجة المقاطعة من الجيران العرب.

 

لذلك لم تتوقف تهدئة الأجواء بين الرباعى العربى وقطر، بل امتد أصداء حل الخلاف على الجوار العربى، وتحرك المياه الراكدة نحو الشمال حيث تركيا وبدأت بحلحلة الخلافات العربية مع أنقرة والتى تمثلت فى التدخلات التركية فى الأراضى العربية سواء فى ليبيا أو سوريا.

ونجد أنه مع بداية العام وجودت أجواء إيجابية من ناحية أنقرة تجاه الدول العربية، والتى ظهرت فى تحجيم أبواق الدعاية الإخوانية التى تتخذ من الأراضى التركية منفذا لها ضد مصر، وكانت هذه الخطوة بمثابة تحريك لملف الخلافات بين مصر وتركيا سواء فى ملف ترسيم الحدود البحرية ومن ورائها مصادر الغاز فى شرق المتوسط.

لاشك أن التقارب بين القاهرة وأنقرة، ساهم فى تحريك الأمور الداخلية فى ليبيا، وهو ما أدى لنجاح جهود وقف إطلاق النار بين الجيش الوطنى الليبى والقوات المتصارعة معه فى طرابلس وغرب ليبيا، وكان ذلك بمثابة الطريق للتوصل لاتفاق جاءت بمقتضاه حكومة ليبية جديدة بناء على اتفاق ملتقى الحوار فى جنيف، وهو ما ساهم فى تهدئة الأجواء فى ليبيا بشكل كبير وتحريك العملية السياسية، تمهيدا لإجراء انتخابات حتى لو تأجلت فإنها خطوة تجعل الحوار بين الفرقاء الليبيين هو المنهج بدلا من لغة السلاح.

ونجد أن ما حدث فى الجوار الشمالى للعرب، من التقارب مع تركيا، سواء ما حدث مع مصر وأخيرا الإمارات، ظهر تقارب آخر هذا العام مع الجار الشرقى للعرب والذى يتمثل فى إيران، فنجد أن هناك مؤشرات إيجابية فى العلاقات بين طهران ودول الخليج العربى، ووجود تحركات دبلوماسية ومخابراتية بين الرياض وطهران، ربما تقلل من التوتر الذى تتسبب فيه إيران بتدخلاتها خاصة فى اليمن ولبنان، والعراق، وبالتأكيد فى رفع يد إيران ربما يساهم فى تهدئة الأجواء فى هذه البلدان العربية، ويقلل من تخوفات العرب منها.

ومن هنا نجد أن ما حدث فى ٢٠٢١، على عكس ما كان متوقعًا فهناك أجواء إيجابية تحكمها المصالح لكل دولة، والشعور بالخطر مع تغيير الإدارة فى واشنطن، وربما يمهد ذلك فى ٢٠٢٢ لـمزيد من التقارب سواء بين العرب أنفسهم أو جيرانهم، خاصة إذا أدرك الجميع أن المصالح بين الجيران أهم من لغة العداء والمطامع.

هذا العام قررت كثير من الجامعات المصرية تعميم التصحيح الإلكترونى فى امتحانات نهاية الفصل الدراسى، وبمقتضى هذا التعميم سوف يتم استبعاد العنصر البشرى (ممثلا فى القائمين بالتدريس) وذلك فى مرحلة التصحيح واحتساب النتيجة، حيث ستقتصر مهمتهم على وضع أسئلة الامتحان ونماذج الإجابة، غير أنه من الضرورى هنا أن نشير إلى أن الأسئلة لا بد أن تتخذ شكلا من شكلين حتى يمكن تصحيحها إلكترونيا، أولهما هو الاختيار من متعدد وفيه يقوم الممتحنون بطرح سؤال معين يعقبه عدد من الإجابات لكى يقوم الطالب باختيار واحد منها، وأما فى النوع الثانى فإن الطالب يقوم باختيار إجابة واحدة فقط من بين إجابتين إحداهما صواب والأخرى خطأ، ثم يقوم بإفراغ إجابته على نموذج خاص مصمم على نحو يستوعب عدد الاختيارات الواردة فى الأسئلة حيث سوف يقوم الماسح الضوئى بقراءة هذا النموذج ومضاهاته بنموذج الإجابة المثلى التى يكون الممتحنون قد حددوها سلفا، أى أنهم قد قاموا سلفا بتحديد الاختيار الصحيح الذى يتعين على الطالب أن يختاره للحصول على الدرجة النهائية المقررة للسؤال، وبعبارة أخرى فإن الطالب فى كل سؤال: إما أن يحصل على صفر أو ١٠٠٪، وبعد هذا فسوف يكون من اليسير جدا على الماسح الضوئى فى خلال ثوان معدودة أن يقوم بتحديد الانحرافات عن مواضع الإجابة المثلى واحتساب مجموعها ومن ثم تحديد الدرجة النهائية التى يحصل عليها الطالب، ورغم أن التصحيح الإلكترونى ينطوى على مزايا لا يمكن إنكارها أو تجاهلها وأول هذه المزايا هى الحيادية التامة فى عملية التصحيح، وعدم التأثر بأية عوامل من بين تلك العوامل التى قد تؤثر على العنصر البشرى أثناء قيامه بالتصحيح فيما لوقام بذلك، أضف إلى ذلك عنصر السرعة الشديدة والدقة المتناهية فى احتساب الدرجات التى سوف تكون صحيحة خالية من الكسور بالضرورة، فضلا عن تحقيق التطابق التام فى الدرجات بين جميع أوراق الإجابة المتطابقة، غير أن هذه المزايا تقابلها مجموعة من العيوب تجعل من تطبيقها أمرا يقرب من العبث فى مجالات معينة كالفنون والآداب وبعض فروع العلوم الإنسانية وهى بوجه عام تلك المجالات التى لا يمكن فيها وصف أمر ما أو عبارة معينة بأنها خطأ تماما أوصواب تماما بل إنها دائما تقع على نقطة ما بين الخطأ التام والصواب التام أو بعبارة معينة على نقطة معينة بين صفر و١٠٠٪ أضف إلى ذلك أن التصحيح الإلكترونى لا يستطيع قياس القدرات الإبداعية لدى الطالب الذى يؤدى الامتحان بل إنه يتعامل مع المبدع فى أى مجال من المجالات باعتباره خارجا على النموذج المطلوب ومستوجبا بالتالى لدرجة «صفر»، خذ على سبيل المثال مجال الفن التشكيلى ولنحاول أن نعرف ماهى الدرجة التى سوف يعطيها التقييم الإلكترونى لبورتريه قام به طالب فى كلية الفنون الجميلة، وقبل ذلك فلنحاول أن نعرف كيف يمكن إجراء التقييم الإلكترونى فى مثل هذه الحالة أصلا وما هى المعايير التى سيعتمد عليها التقييم وكيف يمكن تحويل كل معيار منها إلى واحد من قيمتين إحداهما صفر والأخرى هى الدرجة النهائية، وما يقال عن الفن التشكيلى يمكن أن يقال عن الأدب، إذ كيف يمكن الحكم على نص أدبى من خلال معايير معينة، كل معيار منها يحصل إما على صفر أوعلى ١٠٠ وبهذا يمكن للنص ككل أن يحصل نظريا على الأقل من خلال التقييم الإلكترونى على ١٠٠٪ ومعنى هذا أنه قد وصل إلى حدالكمال !! ماذا إذن عن كبار النقاد الذين كثيرا ما اختلفوا حول كثير من الروائع الأدبية؟، وما هومكان الطالب الذى أجهد نفسه فى التعرف على تلك الاختلافات والاطلاع على تفصيلاتها وكون لنفسه رأيا خاصا فى كل منها ؟، وهل يتساوى مثل ذلك الطالب مع من لم يقرأ شيئا ولم يعرف شيئا سوى ما هو مكتوب فى المذكرة أو الكتاب الذى وضعه القائم بالتدريس (لهذا السبب تحولت الكتب الجامعية إلى تجارة احتكارية مربحة، وسوف تزدهر أكثر من ذى قبل بعد تعميم التصحيح الإلكترونى)، الخلاصة التى أريد أن أنتهى إليها هى أن مزاياالتصحيح الإلكترونى تبرز أكثر فى تلك العلوم التى اصطلح مصنفو العلم على تسميتها بالعلوم الطبيعية كالفيزياء والكيمياء وهى تلك التى تدرس الجوانب المختلفة للعالم الطبيعى وهى تلك التى حتى إن درست الإنسان فهى تدرسه باعتباره جزءا من الطبيعة وليس باعتباره كائنا ذا إرادة مؤثرا ومتأثرا بالمجتمع الذى يعيش فهذا الجانب الأخير هو ماتنصب عليه دراسة العلوم الإنسانية وما يرتبط بها من فنون وآداب لايجدى معها التقويم الإلكترونى، فإذا عدنا إلى السؤال المطروح هل تعميم التصحيح الإلكترونى إذن تقدم أم تقهقر، كانت الإجابة إنه تقدم فى مجالات معينة أما فى مجال الإنسانيات فهو تقهقر لا شك فيه.