عبدالحفيظ سعد يكتب: ويسألونك عن الحقد الطبقى

مقالات الرأي

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

كيف يربى الأثرياء أبناءهم؟ كيف يعلمونهم النظرة للمجتمع؟ لماذا جرائمهم تثير ضجة وصدمة؟ هل صحيح أنهم ضحايا الحقد الطبقى لمجرد أنهم أغنياء؟ وهل هم ضحايا تدليل الآباء؟

تبدو الأسئلة تطفلا على حياة الأثرياء الخاصة، لأنها تدخل فى العلاقة الحميمية بين الأبناء وآبائهم، وفى طريق حياتهم وطريقة تعاملهم مع فلذات أكبادهم.

لكن الجرائم المتواردة والتى يرتكبها أولاد الذوات، والتى فى أغلبها يكون السبب ورائها هو ثراء الآباء وتدليلهم للأبناء. ولعل الحادث الأخير والذى ارتكبه ابن رجل أعمال كبير فى مدينة الشيخ زايد وراح ضحيته أربعة شباب فى ريعان شبابهم مرة واحدة بعد أن صدمت سيارته الفارهة سيارتهم المتواضعة فهشمتها وقضت على حياة كل من فيها وترك مآسى لأربعة أسر لن تندمل مع مرور الأيام.

الحادث لم يكن تقليديا، وهو ما زاد من الغضب تجاهه، لأن المتهم لم يكن وقت الحادثة يسير فى الطريق السريع، بل فى داخل شوارع المدينة التى تمنع السير بسرعة كبيرة داخلها حتى لا يعرض حياة الآخرين للخطر.

ولم يكن السرعة الجنونية التى يسير بها المتهم فقط السبب فى الحادث، بل حمل تحقيقات النيابة العامة مفاجآت أخرى تتعلق بأن المتهم كان وقت قيادته السيارة الفارهة تحت تأثير المخدر وفى حالة سكر، مما يضاعف عقوبة الجرم الذى ارتكبه.

جريمة الأمس والمتهم فيها ابن رجل الأعمال محمد الهوارى صاحب سلسة محلات «هايبر» فى الشيخ زايد لم تكن الأولى لأبناء الأثرياء، ففى مطلع العام الجارى اتهم ابن رجل الأعمال كامل أبو على المنتج السينمائى الشهير وصاحب جريمة مماثلة فى طريق الغردقة عندما كانت يسير بسرعة جنونية «عكس الاتجاه» بسيارته الفارهة، والتى اصطدمت بسيارة مهندسة الديكور مى إسكندر وكانت تسير فى طريقها الطبيعى.

ولكن خرج المتهم من القضية دون عقوبة تذكر، رغم أنه ثبت من التقارير الطبية أنه كان تحت تأثير المخدر ووجد بحوزته وقت ارتكابه الجريمة جوهر «الحشيش»، لكن نجح محامو المتهم عن طريق ثغرات قانونية أن يسقطوا التهم عن المتهم الذى كان يحمل الجنسية السويسرية، وهو ما دفع المحكمة أن تخفض العقوبة لسنة مع إيقاف التنفيذ، ليسأل الجميع بعدها عن حق مهندسة الديكور الشابة الذى ضاع، وهو ما يضع تخوفات بشأن مصير حقوق الشبان الأربعة ضحية ابن رجل الأعمال صاحب محلات «هايبر» رغم حرص النيابة العامة ودقتها فى التحقيقات.

لم تقتصر جرائم أبناء الأثرياء أو الذوات على حوادث السيارات الفارهة تحت تأثير المخدر، فهذه جريمة أخرى هزت وجدان الجميع والمعروفة بقضية فتاة «فيرمونت» والتى اعتدى فيها أكثر من أربعة شبان من أولاد الذوات وأبنائهم من الاسماء الرنانة، على فتاة وقاموا باغتصابها بعد أن تم تخديرها، بل قاموا بتصويرها وابتزازها.

وتتعدد جرائم أبناء الأثرياء التى تهز الرأى العام، مثل قضية «أركاديا مول» الشهير، والتى ذبح فيه فى طلع الألفية ابن رجل أعمال شهير، رجل أعمال آخر بسبب الصراع على فتاة، ويضاف لذلك عشرات القضايا الأخرى التى لم تفتح من الأصل أو ضيعها النسيان.

ونجد أن الخيط الذى يجمع كل هذه القضايا المتهم فيها أبناء الأثرياء، أنها قضايا تعكس طريقة تربية أبناء الأثرياء لأبنائهم، بطريقة «الدلع» أحيانا والذى يمكن أن يكون مشروعًا فى أن أب أراد أن يدلل ابنه، وهو حقه.. وبين أن يطفح هذا الدلع على المجتمع فيقتل أبناء الفقراء.. ويدمر أسرًا كان حظهم العثر الوحيد أن ذويهم وجدوا فى طريق ابن من أبناء الأثرياء، والذين تصور بأن بأموال آبائهم صار كل شيء مباحًا لهم بما فيهم أرواح وحياة البشر.

ويستعجب هؤلاء الأثرياء من أن الرأى العام ينقلب على ما يقدرونه بـ«هفوات» أبنائهم ويتساءلون إنه الحقد الطبقى الذى يضعهم فى مرمى الانتقاد، بل أحيانا يشتكون من الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى التى تلاحق كل كبيرة وصغيرة تصدر عنهم، ويتناسون أنهم لم يربوا أبناءهم بطريقة تجعلهم يحترمون المجتمع، ولا يعترفون بفضله فى ثرواتهم، فاهتموا بتربية أبنائكم مثلما حرصتم على جمع المليارات لهم، قبل أن ينطبق عليكم المثل الصعيدي: «العيل العفش يجيب لأهله النعيلة».