نص كلمة الأمين العام للجامعة العربية في اختتام مؤتمر الإعلام العربي

السعودية

بوابة الفجر


ننشر كلمة أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية في اختتام مؤتمر الإعلام العربي.
 
السيدات والسادة، 
       في البداية يسعدني أن أتوجه بالشكر للمهندس عبد الرحيم سليمان، المدير العام لاتحاد إذاعات الدول العربية على هذه الدعوة الكريمة للمشاركة رفقة هذه الكوكبة المتميزة من المسؤولين عن الإعلام، والإعلاميين من مختلف وسائل الإعلام العربية، في اختتام هذه الدورة من مؤتمر الإعلام العربي الذي يشكل محطة هامة من محطات العمل الإعلامي العربي المشترك، يلتقي فيها خبراء الإعلام في كافة مجالاته وتخصصاته لتبادل الأفكار والخبرات والتجارب.
    نجتمع اليوم مرة أخرى في تونس الخضراء، بعد حالة 
الإغلاق التي تسببت فيها جائحة كورونا قرابة السنتين، وأغتنم هذه المناسبة لأوجه التحية لكافة الجهود الطيبة التي يقوم بها 
اتحاد إذاعات الدول العربية، سواء بالتعاون مع أعضائه أو من خلال شركائه الدوليين، من الاتحادات والهيئات المماثلة.. من أجل مواكبة التطورات التكنولوجية الهائلة في مجال الإعلام والاتصال، وتعزيز شبكة التبادل الإخباري والبرامجي عبر الشبكة السحابية، بتطبيق أحدث التقنيات في مجال الربط المباشر.

السيدات والسادة،
إن الإعلام رافدٌ أساسي من روافد التنمية في العالم العربي.. إذ لا يُمكن أن تُثمر جهودُ التنمية من دون وعيٍ جماهيري بضرورتها، وإدراك شعبي للصعوبات والتحديات الكبيرة التي تعترض طريقها. 
الإعلام، إذن، هو خط اتصال جوهري بين الحكومة والناس.. فمن خلال الإعلام تتبلور لدى الحكم صورة عن القضايا التي تشغل الجمهور، وعن طموحاته وأحلامه من أجل المستقبل.. ومن خلال الإعلام أيضاً يعرف الجمهور محددات العمل الوطني، وخطط الحكومات وأهدافها... وإذا حدث وانقطع هذا الخط الواصل بين الحكومة والجمهور، فإن الفجوة تتسع بينهما.. فتفقد الحكومة الشعور بنبض الشعب، ويفقد الشعب الاهتمام بسياسات الحكومة.. وهو وضع يُفضي إلى تعطيل جهود التنمية، وإرباك مسيرة العمل الوطني.
السيدات والسادة،
إن دور الإعلام في صناعة الوعي لا يُمكن التقليل منه.. وقد كشفت أحداث العقد المنصرم في العالم العربي عن المخاطر الكبيرة التي ينطوي عليها اختراق العقل.. والتشويش على الفهم والإدراك بسيل من المعلومات المتناقضة والزائفة التي تتدفق على مدار الساعة من كل حدب وصوب، فتكتسح الحقائق أمامها في تدفقها الهادر.
لقد أشار البعض إلى أننا نعيش ما يُسمى "عالم ما بعد الحقيقة" من فرط الكم الهائل من المعلومات الزائفة التي يجري تناقلها في الفضاء الرقمي بسرعة غير مسبوقة... ولم تعاني بلادنا العربية وحدها من هذه الظاهرة، بل إن دولاً كبرى -مثل الولايات المتحدة الأمريكية- وجدت نفسها في مواجهة هذا التحدي الصعب الذي تفرضه تكنولوجيات العصر الرقمي والتواصل الاجتماعي، وسرعة تناقل وتبادل المعلومات، والإمكانيات الهائلة لصناعة المحتوى على نحو يخدم أهدافاً سياسية معينة، أو يُعزز أفكاراً بعينها. 
إن صيانة العقل والوعي الجمعي لا تقل أهمية عن تأمين الحدود والتراب الوطني.. فإلى العقل قد تتسرب أفكارٌ تهدم الأوطان من داخلها وتجعلها فريسة للاستقطاب الحاد، أو عرضة للتدخلات الخارجية والأجندات الأجنبية.
إن الأزمات الأمنية والسياسية الخطيرة التي تُعاني منها بعض الدول العربية لا تخفى عليكم جميعاً.. كما لا تخفى تداعياتها المأسوية على ملايين البشر، وعلى مستقبل المجتمعات والدول.. وعندما ننظر إلى هذه الأزمات حيث توجد، فإننا نرصد على الفور عاملاً مشتركاً بينها يتمثل في التراجع الخطير لمفهوم الدولة الوطنية.. ويصحب ذلك عادة خطاب إعلامي يقوم على التحريض والتخوين المتبادل، وتقسيم أبناء الوطن الواحد على أساس الدين أو العرق، أو الانتماء الطائفي... فيختفي علم الدولة.. رمز وحدتها وسيادتها.. ويظهر بدلاً منه علم القبيلة أو الطائفة أو الجهة.
وهنا أقول في عبارة واضحة إن على الإعلام العربي مسئولية تاريخية في مواجهة هذا الخطاب المدمر.. الخطاب الذي قاد إلى التفكيك والتفتيت.. وأشاع الكراهية وجعل استحلال الدم وإرهاب الأبرياء هدفاً مشروعاً.. هذا الخطاب حاضر، بصور شتى، في الفضاء الالكتروني، بل والتليفزيوني.. وهو يُشكل المظلة التي تحتمي بها قوى الإرهاب والطائفية، لتبرر أهدافها والوسائل البشعة التي تستخدمها في تحقيق هذه الأهداف.
إن إعلاماً بلا حرية يفقد معناه ومصداقيته.. ولكن إعلاماً بلا مسئولية يُمكن أن يتحول إلى ثغرة خطيرة في الوعي الوطني.
لذلك أقول إن الإعلام العربي لا ينبغي أن تضيع منه البوصلة.. والبوصلة دائماً هي مصلحة المواطن وأمن الوطن.. وفي ظل التحديات الاستثنائية التي يواجهها عالمنا العربي يتعين على الخطاب الإعلامي أن يُعيد التركيز على مفهوم الدولة الوطنية الذي تعرض للتشويه والتشويش، عن جهل أو قصد. 
الدولة الوطنية التي نعنيها هي الدولة المستقلة صاحبة السيادة.. وأيضاً الدولة التي تُعامل كل مواطنيها على قدم المساواة.. بلا تفرقة أو تمييز.. وبلا تهميش لأيٍ من مكونات الوطن.. دولة القانون والحقوق المتساوية للجميع.
إن الرسالة الأساسية للإعلام العربي في هذه الرحلة تتمثل -في اعتقادي- في غرس قيم الاندماج الوطني، والعيش المشترك وعدم التمييز.. وتعزيز المشتركات التي تتأسس عليها الجماعة الوطنية.. فذلك هو السبيل الأمثل لمواجهة إعلام التحريض... وخطاب الفتنة وتقسيم الأوطان.
السيدات والسادة،
إن خطة التحرك الإعلامي العربي التي أقرها مجلس وزراء الإعلام العرب في عام 2001، وتم تحديثها مرات عديدة لتتماشى مع المتغيرات الحاضرة... بحاجة اليوم إلى تفعيل بنودها بتعاون كافة الجهات الإعلامية العربية... وسيسهل وضع المرصد والمنصة المدمجة عملية تنفيذ الأهداف والأنشطة التي تتضمنها هذه الخطة التي تتناول عدداً من المحور الأساسية أهمها القضية الفلسطينية.
 وأغتنم هذه الفرصة، لدعوة الإعلاميين العرب للتنبه لمخاطر الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة على الشعب الفلسطيني.. بما في ذلك ما صدر مؤخرا عن محكمة إسرائيلية بالسماح لليهود بالصلاة في باحات الأقصى الشريف.. وهي خطوة خطيرة تمس مشاعر المسلمين في كل العالم، وتشكل تحديا لكل الجهود التي تبذل من أجل استعادة فرص الحل التفاوضي. 
إن القضية الفلسطينية تتعرض لحملةٍ شرسة في الخارج... من أجل كسب العقول والقلوب عبر تشويه الحقائق وقلبها.. فيتحول الشعب المُحتل إلى ممارسٍ للعنف والإرهاب... ويُصبح الفلسطيني اللاجئ الذي يعيش على مساعدات الوكالة الدولية لغوث اللاجئين، متبنياً لخطاب التحريض... إن الإعلام العربي مُطالب بمواجهة هذا التشويه والتزييف عبر مخاطبة العالم بلغته.. وكشف حقائق الوضع القائم من دون تشنج أو خطاب زاعق.. فالحقائق وحدها، وهي مخجلة ومأسوية، كافية للتأثير في أي ضمير حر.
وفي الختام.. أتوجه لكم بالشكر مُجدداً على هذه الدعوة الكريمة وحسن الاستقبال والاستضافة، وأتمنى للإعلام العربي، بكم وبجهودكم، كل التقدم والازدهار.
شكـــــراً لكــــم،