"ماما السلة المصرية هاجر عامر".. تاريخ توقع له الجميع أن ينتهي بعد الولادة.. ولكن النهاية لم تأتي وصفحة التاريخ ما زالت لم تبح بكامل أسرارها

الفجر الرياضي

بوابة الفجر



بعد عودتها لممارسة هوايتها ألا وهي كرة السلة بعد طول غياب استمر لثلاث سنوات بسبب الولادة، خطفت هاجر عامر أنظار محبي عالم اللعبة بمستواها المتميز بل والذي وصفه المحللين بأنه خارق، فكيف للاعبة توقفت عن لعب كرة السلة لسنوات عديدة؟.. أن تعود بهذه القوة لتساهم في حصد فريقها لبطولات محلية وتحقق ألقاب فردية بعد كل هذا الإنقطاع، أنه شيء من وحي الخيال يتحقق علي أرض الواقع. (1)

أعتزلت هاجر كرة السلة لوقت طويل توقع الجميع في سبورتنج أن بيتنا من بيوته قد تحطم! ولكن أيتحطم بيتا أساسه ممتاز؟ .. تلك المقولة الأستفهامية السابقة تتردد دائما في عقل مهندسي العمارة و البناء وهي التي سارت علي نهجها هاجر بعد عودتها لتؤكد صحتها بعد عودتها لكامل لياقتها ومهارتها العالية بعد وقت قياسي من رجوعها لمزاولة السلة، لتفتح هاجر بقصتها بابا من التساؤلات الصعبة التي تخطر بالطبع بداخل كلٍّ منا حتى وإن لم نبح بها أبدا، تلك التي تتعلّق بما تفعله لاعبات الرياضات المختلفة مع الحمل والولادة.

فسيولوجيات تتغير ومعاناة في الجسد تستمر

الحمل ليس إصابة، والولادة كذلك، هي ليست أشياء تحدث في جزء محدد من الجسد، بل تغيرات فسيولوجية كاملة يمتد تأثيرها إلى آخر العمر وتؤدي لحدوث عدة اضطرابات مختلفة في الجسد، الجسد قبل الولادة يختلف اختلافا كليا عن نفسه بعد الولادة، المعاناة في هذه القصة مع ممارسات الرياضة ليست فقط في تجاوز فترة الحمل وما بعد الولادة وكأن شيئا لم يكن بل أنها تتركز محاورها علي عدة أمور معقدة نوعا ما.

وفي هذا الموضوع، كشفت مجلة Nature Neuroscience دراسة سلبية تؤكد أن النساء في فترة حملهن يخضعن لعمليات في مركز الدماغ تستمر لأكثر من عامين علي الأقل بعد الولادة وأن الحياة بعد الحمل تختلف مع بعض السيدات، بينما يستعيد البعض الآخر حياة ما قبل الولادة بمرور الوقت. هذا بالنسبة للرياضة يشبه الإصابات القوية بالكسور المضاعفة وتمزقات الأربطة والتي لا ينجح جزء كبير من اللاعبين في استعادة الكفاءة نفسها التي كانوا عليها قبلها، حتى لو تعافوا منها ولم تجبرهم على الاعتزال، إضافة إلى اضطرابات في الوزن ومشاكل غذائية. (2)

وكشفت ميشيل موتولا عالمة فسيولوجيا التمارين بجامعة ويسترن أونتاريو، أن هناك أدلة إيجابية وتم وصفها بعد ذلك بالأساطير والتي تشير إلى أنه مع كل التغيرات الفسيولوجية التي تحدث أثناء الحمل، فليس الأمر كما لو أنه يمكنك إغلاق الصمام والعودة إلى الوضع الطبيعي بمجرد ولادة الطفل، يمكن أن تستمر فترة ما بعد الولادة لمدة تصل إلى عام بعد ذلك .. وبالطبع كل شيء يعتمد على المرأة والولادة ونظام التدريب الخاص بها، لكن الأدلة العلمية تشير إلى أنها من بعض النواحي قد تجد الأداء أسهل قليلاً خلال هذه الفترة بسبب التغيرات التي طرأت على قلبها ورئتيها و هو ما يسهل عليها ممارسة الرياضة بشكل جيد. (3)

وكشفت موتولا أيضا أن أحد التغيرات الخاصة التي يمكن أن تكون مفيدة للغاية للمرأة الرياضية هو توسيع القفص الصدري أثناء الحمل، مما يساعد على التنفس، لكن التغيرات التي قد يكون لها أكبر تأثير على القدرة الرياضية هي تلك التي تحدث في نظام القلب والأوعية الدموية، يجب أن يكون القلب قادرًا على العمل بشكل أكثر فعالية أثناء النشاط البدني، حتى يعود النظام إلى حالته الأصلية التي كان عليها.

عزيزي القاريء هل أنت مدرك لكل هذه الأمور التي تتغير في جسد المرأة بعد ولادتها ما بين دراسات سلبية وإيجابية يكون السؤال هل النساء الرياضيون العائدون إلي الملاعب بعد غياب لأكثر من أعوام سيكن مطالبات باستعادة مستواهن الفني والبدني والعودة إلى ما كن عليه قبل الإصابة، علما بأنه إما تقترب من الثلاثين وإما تتجاوزها، حتى لو كانت أفضل لاعبة في تاريخ أي لعبة، هل أحد يمكنه أن يواجه هذا التغير؟. (4)

وفي هذا الصدد، قالت بافي الحاصلة علي ذهبية 10000 متر في أوروبا لأول مرة في سن الأربعين بعد ولادة طفلها الثاني في سبتمبر 2013 أنها واجهت معركة مستمرة ضد الساعة، وعادت إلى التدريب الكامل قبل أشهر قليلة من التجارب البريطانية حيث صرحت لأحدي الصحف واصفة: "بالطبع أولويتي هي أن أكون أماً تمامًا، لكن هذا موقف غريب لأن الحمل يخلق الحاجة إلى العودة من هذا المستوى المنخفض من اللياقة البدنية لطاقة بدنية عالية تسمح لي في الجري لمسافات طويلة، وأنت تتساءل إلى أي مدى يفوق ذلك بصفتك رياضيًا متميزًا، يمكنك الانتقال من الركض لمسافة 100 ميل في الأسبوع وإجراء الجلسات على طول المضمار حتى الاستلقاء على الأرض إلى ممارسة الجري لمدة 35-40 دقيقة يوميًا لمدة تسعة أشهر، لذا فهو طريق طويل للعودة، في وقت سابق من هذا العام، كنت أقوم بأوقات مروعة للغاية، بالنسبة إلى 800 متر من التكرار، سأقوم بكل واحدة على الأقل 20 ثانية أبطأ مما ينبغي، وهو مقدار هائل من الوقت لسباق يستمر دقيقتين، حتى لو تعرضت للإصابة فلن تشعر أبدًا بعدم اللياقة".

تعددت النظريات والأبحاث في هذا النطاق ولكن دعونا لا نختلف أن عودة لاعبة مثل هاجر عامر لاعبة الفريق الأول لكرة السلة بنادي سبورتنج وواحدة من أفضل لاعبات مصر عبر سنوات وسنوات لمستواها المعهود بعد طول غياب لظروف الولادة عوضا عن إصابتها بإصابة في قدمها اليسري هو أمر يدعو للتصفيق. (5)

طموح امرأة بقلب أم

بعد عودة هاجر عامر للعب كرة السلة وبعد كل التغيرات الجسدية التي طرأت عليها في فترة ما بين الحمل والولادة والعودة إلي مزاولة الرياضة توقع الجميع لها أن عودتها ستكون غير مثمرة ولكنها أثمرت وعادت إلي كامل لياقتها بعد وقت قصير من عودتها للرياضة مرة أخرى. (6)

عادت اللاعبة المصرية إلي مستواها الفني والبدني المعهود بل وحصلت علي لقب (MVP) كأفضل لاعبة في مصر من قبل الاتحاد المصري لكرة السلة لموسمين متتاليين 2021،2020 علي الترتيب، كما وساهمت في فوز فريقها سبورتنج لدوري السوبر علي حساب الأهلي للموسم الماضي، وكما وأنها عادت لقيادة منتخب مصر مرة أخرى بعد غياب أستمر لسنوات فيجيب أن يرفع لها قبعة التقدير. (7)

ما تقدمه هاجر ومثلها من ضحوا تضحيات كبيرة وتحمُّل لمشقة التدريبات أثناء فترة الحمل يُوضِّح كيف كان الطموح لديهم والرغبة في العودة كبيرا، وأن رعاية طفل في ظل ممارسة الرياضة والتأقلم في عالمها المشوق والمثير لشيء رائع وحقا من يريد تحقيق المراد يصل أليه مهما كانت التحديات والصعوبات كبيرة. (7)

تاريخ ما زال مفتوح وبطولات مخلدة مع سبورتنج

حققت هاجر عامر خلال فترتها مع سبورتنج والتي أمتدت لسنوات وسنوات علي العديد من البطولات المحلية ما بين دوري وكأس وسوبر ومرتبط محليا، وألقاب وإنجازات دوليا مع الفراعنة في مختلف المراحل السنية، وتطمح اللاعبة في تحقيق أمجاد وبطولات أخري خلال الفترة القادمة سواء محليا مع الفريق السكندري أو دوليا مع منتخب مصر. (8)

في الحقيقة نحن لا نعلم هل هناك ارتباط بين أمومة هاجر عامر ورحلتها في صالات عالم السلة ولكن الأمر الساطع هو أن لعودتها دور كبير في تسليط المزيد من الأضواء نحو قضية الأمهات في عالمنا الرياضي علي في شتي أنحاء الشرق الأوسط خلال الفترة المقبلة وأنها تعد نموذجا هاما لتاريخ لم يهدم وظلت صفحاته مفتوحة تزداد بريقا.