منال لاشين تكتب: أزمة «الحديد والصلب».. القلب ولا العين

مقالات الرأي



بعد متابعة لكل ما كتب وقيل فى قضية تصفية مصنع الحديد والصلب يمكن أن أوجز رأيى فى هذه الملاحظات

1- إن حديث الوزير وبعض الكتاب المؤيدين لرأيه وبعض المعارضين عن البعد العاطفى فى رفض تصفية المصنع هو اختزال متعمد ومخل لرفض التصفية، فهناك أسباب منطقية واقتصادية وراء رفض التصفية، أسباب لاعلاقة لها بعبق التاريخ وريحة الزعيم عبد الناصر وأغنية (قالنا هنبى ودا إحنا بنينا السد العالى.

فلم يطالب أحد الوزير وحكومته باستمرار الخسائر التى يدفعها الشعب، و أن يظل المصنع مفتوحا كمتحف حى يعبر عن الحقبة الناصرية، وهناك اتفاق بين الطرفين على أن استمرار المصنع بهذه الحالة استحالة، ولكن الطرف المعارض للتصفية لديه حلول اقتصادية لاستمرار المصنع من خلال بيع جزء كبير من أصوله العقارية والتى تقدر بمليارات الجنيهات وخردة ناتجة عن الآلات والأفران القديمة تسمح ببناء مصنع جديد وحديث لشركة الحديد والصلب بدون خسائر، بل بأرباح وقيمة مضافة للمواطن والوطن.

2- منذ بدأ الخصخصة تعرض مصنع الحديد والصلب إلى إهمال متعمد، ولم يخضع للصيانة والتحديث الضرورين، فمن يملك بيتا لا يمكن أن يتركه بدون صيانة وتجديد دورى، فما بالنا بشركة كبيرة مثل الحديد والصلب بلغت نحو 70 عاما.

وبعد الثورة بدأت محاولات غير جادة لتطوير الشركة، كل وزير أعمال يأتى يستعين بشركات عالمية متخصصة مرة بريطانية، ومرة هندية، وثالثة روسية، ورابعة أوكرانية، وفى كل مرة تعد الشركة دراسة للتطوير. وإيجاد حلول لرفع تركيز الكوك (الذى يعدالخام الرئيسى للشركة) فى المناجم وكل دراسة تشتمل على حل بيع جزء من الأصول العقارية للشركة لدفع فاتورة الإصلاح، ثم تختفى الدراسة فى إدراج الحكومة، وتكرر العملية مع الوزير الجديد، والنتيجة أن فاتورة الخسائر ترتفع من ناحية، و تزيد فاتورة الإصلاح من ناحية أخرى، وما كنا سنشتريه بملايين الجنيهات من أفران جديدة ومعدات أصبح الآن بالمليارات.

3- هناك حساسية فى قطاع من داخل وخارج الحكومة لاستمرار الدولة أو المال العام فى الصناعات الثقيلة، وأذكر أن وزير الصناعة قبل ثورة يناير المهندس رشيد قد رفض منح قطاع الأعمال العام رخصة لمصنع حديد ضمن الرخص التى طرحتها الدولة، وأكد وزير الاستثمار فى ذلك الوقت الدكتور محمود محى الدين أن القطاع لا يطلب معاملة خاصة وسيعامل معاملة القطاع الخاص، ولكن رشيد استمر فى رفضه يسانده فى ذلك شلة جمال مبارك، فذهب محمود محى الدين إلى وزير الدفاع فى ذلك الوقت المشير طنطاوى، وحكى له القصة، فقال له المشير: ستدخل الهيئة الهندسية شريكا معكم فى مصنع حديد، وهذه القصة توضح العداء المستحكم لوجود الدولة فى صناعة استرايجية ومهمة.

4- إن مصر التى أنهت قناة السويس الجديدة فى ثلث المدة، قادرة على بناء المصنع الجديد لشركة الحديد والصلب فى موقع صناعى فى مدة لا تزيد عن عامين، وخلال هذه المدة يمكن إعادة تأهيل العمال البالغ عددهم 4700 عامل أو بالأحرى أسرة للعمل فى المصنع الجديد بالآليات الحديثة مع منحهم الراتب دون حوافز أو مكافآت، وخاصة أن هذا النموذج يمكن تكراره فى بعض الشركات ذات الوضع المماثل والتى تستعد الحكومة لتصفيتها تحت دعوى الخسارة القريبة ولا المكسب البعيد.

5- إن جانب خفى من القضية وربما غير معتمد يرجع إلى العين وليس القلب كما يروج البعض، فشركة الحديد والصلب وزميلاتها تملك أصولاً عقارية هائلة وفى أماكن جاذبة للاستثمار العقارى مما يسهل طرحها على المستثمرين وجنى مليارت الجنيهات فى شكل فورى، ولذلك أظن (وليس كل الظن أثم) أن عين الحكومة زاغت على المليارات القريبة من بيع الأراضى لحل أزمات وسد احتياجات عاجلة وضاغطة على الموازنة العامة للدولة.

ولذلك قلت من البداية إن أزمة شركة الحديد والصلب تقع فى المسافة بين العين والقلب، فالادعاء بأن العواطف والقلب وراء رفض التصفية هو مجرد غطاء أو ستار للأعين التى زاعت على الثروة العقارية لهذه المصانع.

أرجوكم لمصلحة مصر، أتركوا فكر التجار، وفكروا كالصناع العظماء، فكروا كطلعت حرب.