حوار| رئيس التيار العربي المستقل السوري: الاجتماع الرباعي بالقاهرة خطوة لإعادة الملف إلى حضنه العربي

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


عشر سنوات مرت على الأزمة السورية دون أي بارقة أمل تلوح في الأفق للسوريين، الذين مازالوا يدفعون ثمن صراع دولي وإقليمي أصبح يهدد بنية الدولة السورية، وبينما مازالت العملية السياسية في سوريا مستمرة دون أي منجز فعلي، أجرى موقع الفجر الإلكتروني، حوارًا مع المعارض السوري ورئيس التيار العربي المستقل الدكتور محمد الشاكر، ليحدثنا بشكل عام عن مآلات الأوضاع في سوريا، وعن زيارته الأخيرة إلى موسكو ولقاءه –الشهر الماضي- مع ميخائيل بوغدانوف، المبعوث الخاص للرئيس الروسي لمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا ونائب وزير الخارجية، في مبنى وزارة الخارجية الروسية. 

- في البداية، نريد أن نعرف كيف هو الوضع السوري في الوقت الراهن؟
للأسف مازال الوضع في سوريا يمر بحالة من الاستعصاء بسبب التدخلات الدولية والتغولات الإقليمية على الأرض السورية، لذلك مازال  الغموض يلف مستقبل سوريا، وإذا استمر هذا الوضع الذي تحول إلى مشاريع عسكرية للقوى الإقليمية على الأرض وما تقوم به من تغيير في النسيج  المجتمعي السوري (وهنا أقصد مشروع المجال الحيوي التركي، والمشروع الطائفي الإيراني) وأمام غياب أي اختراق للعملية السياسية، فإننا سنكون أمام تعقيدات أصعب قد تحول دون إنجاز التسوية السياسية. 

للأسف سوريا الآن أمام صراع دولي وإقليمي في غياب تام للمشروع الوطني الجامع والقرار السوري، ولهذا فإن واقع الحال ينبئنا بأن سوريا الآن مفتوحة على جميع الاحتمالات الأسوأ، بسبب التغولات الإقليمية التي تعمل لمصالحها الذاتية على حساب الشعب السوري.

- وماذا عن الدور التركي وتحركاته العسكرية المريبة في سوريا؟
الدور التركي أو بالأدق دور حزب العدالة والتنمية، هو دور ينطلق من مصلحة لا تنطلق حتى من تحقيق مصالح الأمن القومي التركي، بقدر ما تحقق فلسفة خاصة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وهي رؤية لا علاقة لها من قريب أو بعيد بمصالح الشعب السوري، زد على ذلك فلسفة أردوغان التي تنظر إلى المنطقة العربية إلى ما قبل معاهدة لوزان 1923 التي أسست الجمهورية التركية الحالية، لذلك تنظر تركيا إلى سوريا حسب ما يسميها منظرو حزب العدالة والتنمية كـ "حديقة خلفية" للمصالح التركية. 

دعني أقول لك، أنه في عرف العلاقات الدولية غالباً ما تعمل الدول على إيجاد بؤرة صراع أو توسيعها لتصفية الحسابات فيما بينها على منطق نظرية القوة في العلاقات الدولية، وعلى هذا الأساس شكلت سوريا – انطلاقًا من موقعها في الشرق الأوسط، وفي إطار الصراع الدولي والإقليمي أرض خصبة لتصفية هذه الحسابات، وكل ما قيل أو رُوج عن الدفاع عن الشعب السوري هو كذبة وبروباجندا إعلامية، ومن هذه النقطة عملت تركيا – منذ بداية الصراع في سوريا- على فكرة تعقيد وإطالة أمد الصراع بما يسمح لها بتصفية حساباتها، فدفعت نحو قلب الحراك المدني السلمي إلى حراك مسلح، قبل أن يعبر من حدودها مئات الآلاف من المتطرفين، وقد أسست إيران استراتيجيتها على صناعة الفوضى في المنطقة العربية، وهكذا استطاعت القوى الإقليمية (إيران وتركيا) في تعقيد الصراع السوري، وإطالته، والقول أيضًا بأن المعارضة السورية هي مجموعة من الإرهابيين، في الوقت الذي تم فيه إقصاء الديمقراطيين والقوى الوطنية ما حال دون أية حل سوري-سوري يحقق تطلعات في الديمقراطية والحرية الكرامة. 

- وماذا عن الدور الأمريكي والعقوبات الأمريكية على الدولة السورية، وماهو توقعكم لسياسة الرئيس الأمريكي المنتخب بايدن في سوريا؟
يمكن توصيف إدارتي الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما والرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب بأنهما إدارتين ظلتا تدوران في فلك سياسة  "الصبر الاستراتيجي"  و"الانكفاء"، ولا أعتقد – حسب رأيي المتواضع – أن إدارة بايدن ستكون امتدادًا حتى لسياسة إدارة أوباما، كونها ستتعامل مع الحالة السورية كأمر واقع دون التورط العسكري، وربما ستكون لإدارة بايدن - كإدارة من المهنيين والتكنوقراط- نوعًا جديدًا من التعامل مع الملف السوري انطلاقاً من عدم إيلاء الشرق الأوسط الأولوية في السياسية الخارجية الأأمريكية، لذلك تبدو توجهات إدارة بايدن تجنح نحو الوقوف عند الأوضاع الاقتصادية في المجتمعات المحلية وتنشيط منظمات المجتمع المدني، وترك العملية السياسية لتفاهمات ما تتمخض عنه مجموعتي أستانا والمصغرة، بما يساعد على تحقيق استرايجيتها الرئيسية في سوريا، من خلال تحييد إيران والقضاء على ما يعرف بـ"تنظيم الدولة الإسلامية". 

ولهذا فالعقوبات الأمريكية  لن تفضي إلى حل قريب أو على المدى المنظور، بقدر ما تريد منها الأمريكان تغيير سلوك  النظام، والقبول بعملية سياسية تُمكنهم من إعادة هيكلية العملية السياسية، بما يفضي إلى تحييد إيران داخل سوريا، والأهم من ذلك قد تؤدي العقوبات إلى تداعيات جيوبوليتيكية على الأرض، وفي مقدمتها وقوع سورية في حالة من التقسيم السيكولوجي في مناطق النفوذ والحماية، وقد ظهر ذلك في إحراق العملة السورية في الشمال السوري، وبالتالي قد تدفع العقوبات تلك المناطق- كأمر واقع- إلى شكل مشوه من أشكال مناطق النفوذ والتبعية للقوى المتصارعة، خصوصاً مع افتقار الحكومة السورية المركزية إلى القدرة الاقتصادية والعسكرية التي تمكنه من استعادة سورية الموحدة. 

وبالتالي، فإن العقوبات مع غياب اختراق فعلي للعملية السياسية قد تؤدي إلى تداعيات أبعد بكثير من عقوبات اقتصادية على النظام، بقدر ما تؤسس لمرحلة خطرة -في غياب عملية سياسية جادة- لتفكيك سوريا أو توزيعها إلى مناطق نفوذ هشة، ما يعني موت سورية بشكل سريري. 

- هل سنشهد دوراً عربياً أوسع في المستقبل القريب على حساب الأدوار الإقليمية التي تحدثت عنها، وهل من انفراجة في الأزمة السورية مع مجيء الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن؟
كل سوري لديه قراءة لتاريخ بلده، فالتاريخ ليس مجرد واقعة بقدر ما هو معنى للحاضر وحدس للمستقبل، وسوريا عبر التاريخ هي قوة مضافة ببعدها العربي وخصمًا على نفسها إذا عملت منفردة، هذا هو مصير سوريا باختصار، ولن تتعافى سوريا – إطلاقًا- بدون دور عربي، وشتان بين موقع سوريا كـ"مصلحة" تتقاذفها مصالح القوى الإقليمية والدولية، وبين موقعها كـ"مصير" يجمعها وأشقائها العرب، ولهذا فإننا ننظر إلى الاجتماع الأخير لدول مصر والسعودية والإمارات والأردن في القاهرة بعين الترقب والأمل لإعادة الملف السوري إلى حضنه الطبيعي، ولعل دلالات الاجتماع في القاهرة يعيدنا من جديد إلى معنى العلاقة التاريخية والمصير المشترك بين سورية ومصر، التي ظلت القاهرة – عبر التاريخ- القوة الإقليمية التي أجهضت كل مشروع يحاول النيل من الأمن القومي العربي، منذ عين جالوت إلى يومنا هذا.

أما بالنسبة للشق الثاني من سؤالك، وهل من انفراجة في الأزمة السورية مع مجيء الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، هنا لابد من القول بأن سوريا الآن أمام مجموعتين هي مجموعة أستانا التي تضم روسيا إلى جانب تركيا وإيران، والمجموعة المصغرة التي يتواجد فيها ثلاث دول عربية هي "مصر، والسعودية، والأردن"، وبالتالي قدرة هذه الدول في إحداث اختراق للبدء بعملية سياسة جادة، تمهد لتفاهم بين الولايات المتحدة وروسيا لتحقيق نتيجة تفاوضية ما، وانطلاقًا من قدرة روسيا على ضبط وتحييد أدوار من معها في أستانا (تركيا وإيران). 

وبالتالي الخروج بصيغة تمهد لتفاهمات بين المجموعتين ( أستانا والمصغرة)، ومن هنا أرى أن الدور العربي - في ظل إدارة بايدن وتوجهاتها- سيكون محوريًا في تحقيق صيغة توافقية بين المجموعتين، كبداية لحلحلة جميع الأمور المستعصية في سورية.

 - وكيف هي أوضاع الشعب السوري حاليا في ظل أزمة كورونا؟
سوريا بحاجة إلى حل سياسي، يفضي إلى حل جميع الحالات الإنسانية التي يعاني منها السوريون، حيث يكاد الصراع السوري يقترب من عامة العاشر، وقد لقي أكثر من نصف مليون سوري حتفهم بسبب تداعيات الصراع، ونزح ولجأ أكثر من نصف الشكان السوريين، فتحولت سوريا إلى كارثة إنسانية بعد أن تدمرت جميع البنى المجتمعية السورية، لذلك فاستمرار حالة التهميش والفقر والحرمان والفوضى التي تشهدها مناطق النزوح، أو ما يسمى بـ "المحرر" ومخيمات اللجوء، هي الرحم الحاضن لكل الولادات المشوهة من التطرف والإرهاب، وهذه الحالة التي يعيش فيها ملايين السوريين، تشكل بؤر لتفريخ كل الآفات المجتمعية، في الوقت الذي مازال القانون الدولي يفشل في حماية المدنيين، وفي غياب لأدنى مقومات الحياة في الكثير من مناطق النفوذ والنزوح، حيث تتفاقم مشكلة كورونا أكثر فأكثر، لذلك أصبح من الضروري المضي بتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 2254 ضرورة ملحة، والعمل على إشراك كافة السوريين في العملية السياسية بشكل فعال، للوصول إلى صيغة سياسية ودستورية قادرة إنجاز السلام المستدام.

- كيف تقيم أداء اللجنة الدستورية في جنيف؟، وما هي رؤيتكم للخروج من حالة الاستعصاء التي تمر بها العملية السياسية؟
المتفق عليه من الجميع، أن القرار 2254 وضع سكة للحل في سوريا، والحل يبدأ بتطبيق هذا القرار بتراتبيته المنصوص عليها، وحسب تفسيري لمندرجات القرار يبدو أنه جاء كصيغة توافقية بين بيان جنيف وبياني فيينا، لذلك صدر بتوافق أمريكي روسي وبموافقة الدول الـ15 في مجلس الأمن الدولي بمن فيهم الدول الخمس دائمة العضوية، وعليه يصبح التفاهم بين مجموعة أستانا والمجموعة المصغرة مقدمة للتفاهم بين القوتين الأهم في الملف السوري (روسيا والولايات المتحدة) كمقدمة للخروج من حالة الاستعصاء، هذا على الصعيد الدولي. أما بالنسبة للسوريين، فسوريا أمام هزة عنيفة عصفت بالبنى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. لذلك فإن الحل السياسي في سوريا يبدأ من بحث الأسباب البنيوية التي أدت إلى هذه الهزة العنيفة.

وبالتالي فإن مهمة السوريين أن يتجاوزا ثنائياتهم السلبية، والعمل على تحييد الأسباب التي أدت إلى هذه الهزة، ليس لمصلحة "المؤيدين والمعارضين" وحسب، وإنما من أجل أن لا يقع أبناء وأحفاد "الموالين والمؤيدين" في هزة عنيفة أخرى مستقبلًا، فسوريا الآن أمام تحديات تتجاوز ثنائية النظام والمعارضة، نحن أمام وطن يحتضر ويموت شعبه رويدًا رويدًا موتًا سريريًا، هذا الرأي لا أراه يخرج عن متطلبات عملية التسوية، ولكنه المرحلة الأهم  من مراحـل العملية السياسية استناداً للقرار 2254 وهي هو الوصول إلى التوافق الذي يتمخض عنه جسم انتقالي يؤسس للحكم المشترك الذي يشمل الجميع استناداً لنص المادة 4 من القرار 2254، لتأتي المرحلة الثانية وهي الاتفاق على المبادئ العامة التي تحدد شكل الدولة وشكل النظام السياسي، بما يؤسس لإصلاح المؤسسات الدستورية الثلاث وتوزيع الصلاحيات فيما بينها استناداً لهذه المبادئ،  بما يؤسس للشروع بصياغة دستور جديد استناداً للقرار 2254، مع التأكيد على أن ينص الدستور في ديباجته على المبادئ العامة وتعزيزها بالقوانين الأساسية القوانين الأساسية، التي تحدد آليات عمل المجلس الدستوري ومجلس الدولة، ومجلس القضاء الأعلى والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، كما تضمين الدستور الهيئات الرقابية المستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية كالهيئة العليا للانتخابات، والهيئة الوطنية المستقلة  للإعلام، والهيئة المستقلة للشفافية ومناهضة الفساد وغيرها. 

هذا ما كنا ننتظره من مناقشات اللجنة الدستورية، وليس الحديث عن أمور لا علاقة لها بالدستور كـ"الثوابت الوطنية"، كعبارة لا علاقة لها بالفقه الدستوري، لذلك كان من المفترض التوافق عليها من خلال مهام هيئة التفاوض المعنية بصيغة التوافق، الذي يمهد للاتفاق على المبادئ الدستورية، وليس القفز إلى سلة الدستور دون إنجاز أي توافق، لا سيما وأنّ غالبية أعضائها تقريبًا هم من نفس الأعضاء الذين خاضوا تسع جولات من العقم التفاوضي، ما أدى إلى نقل سيكولوجية العقم إلى اللجنة الدستورية، فأصبحت مجرد مضيعة للوقت، مع ذلك فالإيجابية الوحيدة للجنة الدستورية الآن هو أنها تقول أن الحل السياسي مازال مستمراً، ولكن آلياته مازالت عقيمة.
 
- في الحادي عشر من الشهر الماضي كان لكم لقاء مع ميخائيل بوغدانوف في مبنى وزارة الخارجية الروسية بموسكو، في زيارة استمرت تسعة أيام، ما الذي تباحثتم به مع الروس؟
الإطار العام هو آلية التعاطي مع الملف السوري، الذي أصبح خارج إرادة السوريين، وتأكيدنا أن مصالح الدول يجب أن لا تكون على حساب حقوق الشعوب، وأن الأداء الدولي والإقليمي على الأرض السورية، جعل من الحالة السورية مكسرًا لعصا التجاذبات الدولية والإقليمية، الحال الذي أوصل طرفي النظام والمعارضة إلى حالة من الانتحار المتبادل وتقاسم الخسائر، كآلية دفع ويدفع ثمنها السوريين والدولة السورية منذ عشر سنوات.

وعلى هذا الأساس، أشرنا في اللقاء على أنّ ثلاثي أستانا لم يؤدي النتائج المطلوبة، وأكدنا في اللقاء أنّ سوريا الآن أمام تحولات خطيرة تعرقل أي منجز سياسي يؤدي إلى التسوية، بسبب وجود مشاريع عسكرتارية يجري تمكينها على الأرض، وتهدد النسيج المجتمعي السوري بتقسيم سيكولوجي داخل الوطن السوري، كمقدمة لصناعة دولة فاشلة تتصارع فيه القوى الدولية والإقليمية والمحلية إلى ما لا نهاية، وقدمنا وجهة نظرنا صراحة بالنسبة لهذه الإشكالية المتعلقة بصراحة، سواء بالنسبة للمشروع الإيراني الطائفي الذي يقوم على حكم المليشيات الإيرانية، أو مشروع المجال الحيوي التركي الذي يقوم على حكم الفصائل المتناحرة.  

وبالتالي فإن أي حل مستقبلي مع وجود هذه المعضلة، سيعيق أي تطبيق فعلي للقرار 2254، وعلى هذا الأساس تركز اللقاء بأن سوريا بحاجة إلى حل لا يوقف الحرب وحسب، ولكن يقيم الدولة، وقد أكد بوغدانوف خلال اللقاء على أهمية التحرك بنشاط نحو تسوية سياسية في سوريا، وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.