كورونا أوقفتنا وشهامة الصريين أنقذتنا.. "الفجر" ترصد شهادات حية للعالقين السودانيين بالسباعية

عربي ودولي

أرشيفية
أرشيفية

لم تأتي كورونا بما تشتهي رغبة الكثير من السودانيين الذين يريدون العودة لبلدهم، لا سيما بعد إغلاق الحدود بين البلدين، والتي سببت مأساة لأكثر من 1200 لاجئ في منطقة السباعية، عانوا من الحياة لأكثر من 13 يومًا عالقين بالمنطقة، لتكشف عن إكرام المصريين لأشقائهم في الجهة الأخرى من وادي النيل بالسودان.

ورصدت "الفجر" شهادات العالقين عن تجربتهم في السباعية وتعامل المصريين معهم.

رحلة شاقة
لم يعلم "مصعب"، أن رحلته للعودة مرة أخرى إلى بلاده السودان ستنتهي نهاية غير حميدة، حيث قطع تذاكر العودة يوم 13 مارس، ووصل إلى جراج العزيزية ليستقل "الباص"، المتجه إلى الخرطوم ليصدم للوهلة الأولى بأن السلطات السودانية أغلقت الحدود بين البلدين، وأعادت الشرطة "الأتوبيسات" من حيث أتت، ولكن فُتحت نافذة أمل من جديد في اليوم التالي الأربعاء بعد إبلاغه بأن المعبر فُتح لمدة 48 ساعة، وتحركت الرحلة وما هي إلا ساعات قليلة حتى يأتي الخبر عند الحاجز الأمني بإسنا أن الحدود أغلقت، وهنا يقرر جميع الركاب استئناف الرحلة حتى السباعية، دون أن يعلموا ماذا تخبئ لهم الأيام هناك.

توقفت "الأتوبيسات" في السباعية ليجدوا بالفعل المعبر مغلقًا أمامهم، وتبدأ الاتصالات المكثفة تبدد حرارة الجو الصحراوي في المنطقة، لاسيما مع القنصلية والسفارة، وجاء لهم أخيرًا القنصل مع خمسة أشخاص في اليوم التالي، وقابله وفد من العالقين البالغ عددهم قرابة 1200 عالق، وطرحوا عليه طلبهم الوحيد، وهو دخول المعبر وحجرهم في المعبر أو أي منطقة أخرى، وأي حالة مصابة تُحجز، ليكشف لهم القنصل الحقيقة بأن هناك قرارًا سياديًا من الخرطوم بإغلاق المعبر خوفًا من وباء كورونا، وأحضر للعالقين مياة وطعام وسردين -بحسب "مصعب"-.

فوجئ "مصعب"، ورفاقه أنهم عالقون فمنهم المرضى الذين أنهوا علاجهم بالقاهرة، أو من انتهت فترة إيجارهم للشقق، بينهم أطفال وكبار السن، وواجهت المجموعة صعوبات مثل البرد القارص، حيث تراوحت درجة الحرارة ما بين 15 إلى 30 في الصحراء العارية، وكان الناس يفترشون الأرض، وتلتها مشكلة النوم مع عدم وجود مأوى يبيتون فيه فانقسمت المجموعة ما بين من فضل افتراش الأرض، وهي جبلية والنوم عليها صعب، والمجموعة الأخرى فضلت النوم داخل "الأتوبيسات"، بين الكراسي ما سبب لهم تورمًا في القدمين، وكان مصعب أحد هؤلاء، بالإضافة لصعوبة الحمامات، لأنها في "كافيتريا" واحدة فيمكن أن تنتظر أكثر من ساعتين لتقضي حاجتك.

جدعنة الصعايدة
وروى العالق السوداني كيف بددت "جدعنة الصعايدة" شتاء الصحراء، حيث كان هناك دعمًا من أهالي إسنا وإدفو والسباعية، بالطعام والمياه والأدوية، والذي وصفهم "مصعب" بأنهم كانوا كرماء كل الكرم مع السودانيين، فأحتوت الوجبة اليومية لكل عالق على عيش وجبنة وبرتقال وفول وسردين، وجاؤوا بماء من داخل قراهم حتى منطقة تواجدهم، وبطاطين بلغ عددها 200 بطانية على قدر استطاعتهم.

لم تقتصر "الجدعنة" على مواقف الأهالي الذين اقترحوا تسكين العالقين في منازلهم، لولا اقتراح الجهات الأمنية بإعادتهم للقاهرة، بل رجال الشرطة والتفتيش كان تعاملهم راقٍ جدا، وظهرت تلك المواقف، مرة أخرى حين استغل صاحب إحدى "الكافتريات" حاجة العالقين، وقدم لهم طلب الفول بـ10 جنيهات، وزجاجة المياة بـ10 جنيهات، وصولًا لوضع أسعار على دخول الحمام والاستحمام، ولكن صاحب "كافتيريا" مجاورة فتح أبوابه للعالقين وسمح لهم باستخدام حمامه بالمجان وقدم لهم الطعام والشراب بأسعار مناسبة.

أسرة مريض
"13 يومًا من الموت البطئ مرت على الأسرة"، بهذه الكلمات تصف سامية يونس، ابنه إحدى العالقات في السباعية ما حدث لأسرتها، مبينة أن الأسرة سافرت للعلاج نهاية فبراير، وأمها "عائشة أدم" مريضة تعاني من العصب الخامس، ومشاكل في الأسنان والضروس، واختها "وديعة" تخضع لعملية بالحجاب الحاجز وقرحة في الاثني عشر.

فوجئت الأسرة أن رحلة العودة تحولت، وأصبحوا عالقين في معبر السباعية، فوديعة ولم تجد غير الخبر الجاف لأنها تتحسس من أي نوع طعام آخر، وتأكل كي تعيش، والأم تعاني من جو الصحراء وترابها الخطر على صحتها، ويحتاجون لرعاية صحية وعناية خاصة ومستشفيات لأن الأكل شبه معدوم، بكميات قليلة جدا والصحة تدهورت ومناعتهم ضعفت -بحسب سامية-.

وأضافت ابنة الأسرة العالقة، أن الجو وقضاء الحاجة أشد عدوين للأسرة، فليس لديهم سوى ٤ حمامات و"كافتريا"، بينما للجو قصة أخرى فالسكن فالنهار جو حار جدا، والليل برد لا يطاق، وكانوا يصفون "الاتوبيسات"، في اتجاه عكس اتجاه الشمس ويستظلون بظلها لأن حالتهم الصحية متدهورة.

ولم تغفل سامية عن شكر المصريين والقري الموجودة حولهم، لأنهم ساعدوهم بأكل وشرب وبطاطين ومعونات، مشيرة إلى أن أغلبهم كبار سن ومرضى سافروا للعلاج، وبعضهم أجروا عمليات وغسيل كلي وهم يحتاجون  لرعاية طبيعة.

طالب
"رحلة علم انتهت في صحراء السباعية"، هكذا وصف الطالب العالق محمد الرشيد ما حدث، موضحا: وصلت القاهرة تقريبا يوم 28 سبتمبر 2019، لكي أخذ كورس في أحد الأكاديمات المتخصصة في السوفت وير في فيصل، ووقت التأشيرة 6 أشهر، وقبل انتهاء الفتره قررت السفر، ولكن حصل ما حصل والآن انتهت الإقامة وسوف أذهب إلى السفارة وانظر ما سيحدث".

وأكد "رشيد"، في تصريحات إلى "الفجر"، أن اغلب الناس الموجودة معه في "الأتوبيس" مرضى أو طلبه، لافتا إلى أن موظفا من السفارة جاء إليهم، وأخبرهم بضررورة العودة للقاهرة، وهناك يتم ترتيب السكن والمعيشة، مضيفا: "من عادوا كلهم أبلغوا الموجودين أن التعامل كان طيبًا والموجود الآن قليل".

نهاية رحلة عمل
"نشكر المصريين على تحملنا"، بهذه الكلمات وصف حسن إبراهيم أحمد، الأيام التي قضاها في السباعية، مبينًا أنه جاء للقاهرة في رحلة عمل لم يوفق فيها نظرًا لتقاضيه أجرًا زهيدًا، وعندما قرر العودة للسودان مرة أخرى، توقف "الأتوبيس" عند منطقة السباعية، وتحركوا بعد أن أخبروهم أن المعبر لايزال يعمل، ودفعوا ضعف التذكرة التي ارتفع سعرها فجأة من 600 جنيه إلى 1200، وانتظروا من الساعة الثامنة حتى الساعة الرابعة عصرًا حتى وصلوا لكمين السباعية، والسلطات طالبتهم بالتوقف.

وأكد "إبراهيم"، في تصريحات إلى "الفجر"، أن الوضع كان صعبًا في منطقة صحراوية و"كافتيريا" واحدة استقبلت 1200 عالق، وقدم أهالي اسنا وأسوان الطعام لهم، ووفروا لهم البطاطين، لافتا إلى أنه كان معهم أطفال ونساء وكبار في السن، وينتشر الغبار في المكان غير الجو الصحراوي شديد الحرارة صباحًا وشديد البرودة ليلًا.

أم مسنة
"أنتظر الحصول على علاج الثدي في الخرطوم"، هكذا وصفت فاطمة عزالدين 65 عامًا حالها في السباعية، والتى جاءت للقاهرة في عملية لاستئصال الثدي ومعها مرافقين، هما زوجها الذي يعاني هو الآخر من مرض القلب وإحدى بناتها، حيث تحركوا من القاهرة بعد 25 يوم من العملية.

وأكدت "عزالدين"، في تصريحات إلى "الفجر"، أنه لا يوجد معها حاليًا مصاريف أو قروش تنفق بها في فترة وجودها كعالقة، وغير أنها تأكل طعام معين بسبب العملية، فلا تستطيع أن تأكل أو تشرب، ولديها علاج يجب أن تتناوله، كما أنها تعاني من ضيق في الشرايين.

واضافت العالقة المسنة، أنها لا تريد العودة مرة أخرى للقاهرة بل ترغب في الوصول لبلدها مرة أخرى لكي تتناول حصتها العلاجية وتستكمل علاجها.

من الخرطوم
"الإعاشة في القاهرة البديل المتاح"، بهذه الكلمات وصف بكري عبدالعزيز رئيس شبكة الصحفيين السودانيين المستقلة وعضو تجمع المهنيين، تعامل الحكومة السودانية مع أزمة العالقين في السباعية، مبينًا أن الخرطوم اتخذت قرارًا بإغلاق الحدود المصرية - السودانية، تجنبًا لانتشار مرض كورونا، والحد من زيادة أعداد المصابين في السودان.

وأكد "عبدالعزيز"، في تصريحات إلى "الفجر"، أن الخرطوم قررت توفير مساكن وطعام للعالقين في القاهرة، حتى تتحسن الظروف وتمر موجه الوباء ويعود العالقين لوطنهم مرة أخرى.