"الحوائط تحكي".. محمد الكومي يحول الجدران إلى تحف فنية

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


عام 2017، كان استثنائيًا في مسيرة الرسام "محمد الكومي"، فلم تعد أعماله قاصرة على اللوحات الزيتية والديكور، لأنه أحب أن يجعل موهبته على المشاع في مرمى نظرات المارة، حيث بدأ الأمر بالنسبة له من خلال جدارية طلبها منه أحد أصدقائه لمطعم وجبات سريعة، فاحتضن الحائط صورتي محمد منير وعمرو دياب، الأمر الذي لاقى شهرة واسعة بين أهالي طنطا. ويحصر إنجازه الشاب من تلك الجدارية، في قدرته على تغيير المفهوم التقليدي عن الرسم، والذي لا يتوجب بالضرورة أن يكون على الأوراق فقط بل يمكن أن يكون على حوائط خراسانية، بحسب ما يحكي الكومي لـ"الفجر".







نمت الموهبة داخل محمد منذ سن صغيرة، فعندما كان بعمر الـ5 سنوات كان يحضر الأوراق والألوان، ويحاول تقليد لوحات الفنانين الكبار، وهو ما انتبهت إليه الأسرة وشخذ اهتمامها، لذا بمجرد أن عادوا من السعودية، ألحقه والده بقصر ثقافة الطفل بطنطا، وهناك تفجرت القدرات الكامنة في داخله وتطور بشكل كبير، فخاض غمار مسابقات عالمية واقتنص فيها المراكز الأولى، وكي يضع إطارًا علميًا لارتباطه الكبير بالرسم، التحق بكلية الفنون الجميلة قسم التصوير الزيتي.







بعد التخرج عمل الشاب الثلاثيني لمدة طويلة في مجال رسم المناظر الطبيعية واللوحات الفرنسية داخل الفلل والقصور"بعدها قررت أنا وواحد صاحبي نفتح شركة"، لكنهم اضطروا إلى إغلاقها بعد اشتعال الأحداث في مصر عقب ثورة يناير، فعاودوا المحاولة مرة أخرة، وفي هذه المرة حال بينه وبين الاستمرار تعرضه لحادثة، صار معها مجبرًا على المكوث في طنطا، وهناك انهالت عليه الكثير من العروض والفرص، فعمل لفترة مدرسًا للتربية الفنية بأشهر مدارس للغات، لكنه قرر التوقف والتفرغ بشكل كامل للرسم "كنت حاسس إن الموضوع ربحي بحت"، وهو ما يتعارض مع جوهر الرسالة التي يريد أن تحملها لوحاته.








لا يستسلم محمد لاحتياجات السوق التي باتت تطلب هذا النوع من الرسوم مثل الموجودة في الكافيهات والمطاعم، لأن المسألة تحمل بعدًا ثقافيًا بالنسبة له، إذ يغير من خلاله تصورات الناس عن الرسم، وإمكانية ان يأخذهم من خلال الجداريات والبورتريه إلى مكان آخر، يصيرون فيه أكثر ارتباطًا بمن يحبونهم "دلوقتي ما فيش مكان بيفتح إلا لازم بترسم بورتريه لحد مشهور"، وهو ما يشكل عنصر جذب، يستقطبون من خلاله الزبائن الراغبين في التقاط الصور إلى جواره.


 




يمسك محمد بزمام مواهب عديدة، مكنته في مزج الرسم بالتفاصيل الصغيرة التي يقوم عليها الديكور، وتحقيق جمالية المنظر من خلال تشابك أكثر من بند فني، كذلك قدرته على استغلال المساحات المتاحة مهما كانت حالتها "سواء كانت خراسانة أو طوب أحمر"، فالسنوات العشر الأخيرة دربته على أن يكون فنان شامل، قادر على تحويل الأشياء الصعبة التي لا يلتفت إليها الأشخاص العاديون إلى تحف فنية، لذا دائمًا ما يتجاوز ماهية المادة التي يرسم عليها، سواء كانت زجاج أو خشب أو أسقف أو جدران، ويركز أكثر عن ما يمكن أن يكون عليه الشيء بعد أن يُعمل فيه ريشته، مثلما فعل بأحد أكشاك الكهرباء، عندما ساءه منظر الملصقات المنثورة عليه "رسمت عليه عربيات"، ليتماشى مع طبيعة المكان الواقع فيه، حيث يقع في الجانب المتاخم لأحد معارض السيارات.








في الفترة الأخيرة وسع الرسام نطاق موهبته، فلم تعد قاصرة فقط على المناظر الطبيعية، فأحب أن يرى الشخصيات التي يحبها بريشته، فبدأ يتجه إلى رسم الممثلين والمطربين المشهورين، كذلك تجسيد أبرز المشاهد السينمائية القديمة التي ما يزال المشاهدون يرددونها حتى الآن "قبل ما أرسم بشوف المساحة اللي هرسم فيها"، كذلك نوعية الشخصية التي سيقوم بمعالجتها بالضوء والظل، بينما يختلف العامل الزمني من لوحة لأخرى، فقد تستغرق لوحة يومًا كاملًا في حين لا تتعدى أخرى الـ4 ساعات "ودا متوقف على مدى صعوبة الملامح اللي برسمها".








رسم محمد شخصيات فنية عديدة، أقربهم إلى قلبه كانت المطربة الفلسطينية ريم بنا "كنت بحب صوتها وملامحها"، وقد ربطت بينهم صداقة امتدت لنحو عام قبل وفاتها، كذلك عمل بورتريه للفنان محمود عبدالعزيز ويحيي الفخراني وأحمد السقا وعمرو واكد وخالد النبوي؛ الذي شكره على لوحته، وكذلك تجسيد أشهر مشاهد من فيلم الكيف وإبراهيم الأبيض، فصارت تلك النوعية من الجدرايات مطلوبة بكثرة في الفترة الأخيرة داخل المطاعم والقهاوي والكافيهات "كل مكان حابب يكون مشهور برسمة معينة"، والأهم أن تتماشى مع طبيعته ونوعيه رواده.







مع كل لوحة يقوم الكومي بانهائها، يرفعها على مواقع التواصل الاجتماعي، يحب التعليقات الإيجابية المشجعة، تملؤه ثقة بنفسه "دا بنعتبره البنزين بتاع أي فنان"، حيث يرى في تحفيز الناس مبررًا قويًاعلى الاستمرار، ودافعًا في تطوير ذاته التي لا يمكن أن يكون لها مكانًا مميزًا وسط مئات الرسامين، إلا إذا بحثت ونقبت عن كل جديد، وإلا تحول الأمر إلى روتين من شأنه أن يخنق الإبداع والموهبة، ويقتل الحماس الرابض داخله.






تزايل محمد الكثير من الأحلام، ويكتنفه الطموح في أن يصبح من أشهر رسامي العالم في عمل الجداريات والبورتريه، لذا يضع دائمًا ما يضع الكثير من التحديات ويبذل أقصى جهده لتخطيها وتحقيقها على أفضل صورة ممكنة، وتتمثل خطواته القادمة في عمل جدارية ضخمة على حوائط أحد الفنادق بدهب؛ لم يحب أن يفصح عن تفاصيلها، لكنه يتوقع أن تحدث صدى كبير، وسيشرع في تنفيذها بمجرد أن تخرج الفكرة من طور التحضير والتنسيق مع الجهات المسؤولة.