"حتى لا يغيب الأخضر".. كيف يحمي شباب "طنجة" الحدائق من الكتل الخراسانية؟

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


لم يمر حادث تسييج كل من حديقتي الحي الإداري والمندوبية التاريخية بمدينة طنجة مرور الكرام، فكانت بمثابة الفتيل الذي أشعل الحماس في قلوب بعض الشباب لإقامة حملة مناهضة، يستهدفون خلالها وقف إعدام الحدائق والغابات، والسماح للمساحات الخضراء بالانتشار على أوسع نطاق بدلًا من السعي على تقليصها، وناضلت الحملة منذ انطلاقها مع بداية العام على تعبئة سكان تلك المناطق المجاورة كي يردوا بقوة على المغالطات التي روجها تحالف السلطة، حول جدوى إنشاء الأرضيات الخراسانية فوق المساحات الخضراء.






أدركت "حركة الشباب الأخضر" منذ البداية أنها أمام مشكلة تستدعي التحرك على نطاق يتجاوز مدينة طنجة إلى غيرها من البلدان، حيث باتت أزمة تعاني منها النطاق الأخضر في كل دول العالم. بحسب "عمر المجدوبي" رئيس الحركة، فإنهم عملوا على عدة أصعدة، فراسلوا السلطات والوزارات والجهات المعنية، يطالبون بوقف التجاوزات التي تُرتكب بشأن الحدائق العامة، فقوبلت نداءاتهم المتكررة بالتجاهل، لكنها في الوقت ذاته حملت إلى محبي الحملة تشجيعًا مبطنًا بالثقة "وقد عبرنا عن ذلك من خلال الفعاليات البيئية والوقفات والاعتصامات المنددة".







ارتكن المجدوبي ورفاقه بعد محاولاتهم مع مسؤولي طنجة في ضرورة وقف الزحف العمراني والتي باءت جميعها بالفشل، إلى قناعة يؤمنون فيها بأن السبيل الوحيد من أجل البقاء والاستمرار، هو إعطاء الفرصة للشباب والمتطوعين، حيث يمثلون في رأيه عنصر ضغط من شأنه أن يأخذ الأمور إلى مسارات أخرى إذا اقتضت الحاجة "ففتحنا باب الانخراط والمشاركة أمام الراغبين"، وهو ما أكده فيما بعد تعبئتهم وتمركزهم أمام إحدى الجرافات التي اقتحمت حديقة المندوبية، وإصرارهم على انسحابها وهو ما استنزف منهم جهدًا ووقتًا كبيرين، كما نجحوا في وقف إقامة جراج للسيارات عل أنقاض حدائق المديونية، وهو ما يشكل داخلهم أحساسًا قويًا مفعمًا بالفخر، ويؤكد لهم أن كل شيء مهما بدا صعبًا فإنه قابل للتحقق في نطاق العمل الجماعي.







اعتماد حملة الشباب الأخضر، كشف لأعضائها الخطأ الذي وقعت فيه الكثير من المنظمات البيئية، كما وضع أيديهم على مكامن القوة في أي مبادرة تهدف إلى إحداث تغيير جذري، حيث لم تتمكن التكتلات البيئية الأخرى في أي وقت رغم المجهودات المبذولة، من استقطاب وتأطير الساكنة المحلية والشباب على وجه الخصوص، في الوقت الذي اقتصرت فيه أنشطتها على عشرات من الحاضرين من المختصين والخبراء في مجال البيئة، الأمر الذي جعلها في نظر "عمر" تنحصر في خانة العروض المسرحية، أكثر من كونها أنشطة فعلية للتأثير على صانعي القرار.







الوقوف أمام بناء الكتل الخرانسانية على المساحات الخضراء، كان واحدًا من المشاكل التي سعت الحملة للتصدي لها والعمل على حلها، لكنهم في الوقت ذاته يرون أن ما يقومون به يمثل خطوة لحماية الذاكرة الجماعية من الانهيار والتلاشي لما تحويه من تفاصيل وأحداث تشكلت على ضوء المساحات الخضراء، ونبتت في حدائق طنجة إلى جوار أشجارها وزهورها المتناثرة، كما إن محاولاتهم لإعادة الحياة في أوصال الفضاء الأخضر "أشبه بطائر الفينيق لا يموت إلا ليبعث من جديد"، بينما لا يغضون الطرف عن الدور الكبير الذي يلعبه اللون الأخضر في حياة الإنسان، من أجل الاستمرار والبقاء على هذا الكوكب؛ وهو بحاجة إلى أن نتصالح معه بشكل عاجل وفوري.







يعتبر "المجدوبي" أن التدهور البيئي أصبح معطى كوني، جعله يصل إلى مستوى تجاوز مفهوم الأزمة، وأصبح يشكل تهديدًا على حياة الإنسان والبيئة، الأمر الذي يتطلب حلولًا تنطلق من المحلي إلى الكوني، وهذا الوضع الكارثي يتيح من وجهة نظره فرصة غير مسبوقة للنضال من أجل التغيير والتحرك بدافع ذاتي، لا مجرد الركوب على موجة عابرة "لكن الأهم هو أن نمسك كشباب يهمنا المستقبل بالدرجة الأولى مصيرنا بأيدينا"، لأن ما يدفع الأفكار إلى الاستمرار وإحداث التأثير المطلوب هو ألا يسندوا المهام الى منظمات لا تنتمي إلى جيلهم وتفكيرهم، والدليل أن النواة التي أسست حركة الشباب الأخضر، هي امتداد نضالي لحملة شباب أرادوا وقف إعدام حدائق طنجة، وتصدوا بكل حزم وقوة للجريمة البيئية، وإنقاذها من وحوش الرأسمال والعقار.






لا تقتصر أنشطة الحملة على الندوات التعريفية بأهمية الحفاظ على الحدائق والغابات، حيث يغلفون مشروعهم بالعمل الواقعي والتحرك على الأرض، فيقومون بجولات يستهدفون بها المساحات التي أجهز عليها العمران، ويغرسون فيها شتلات الورود والأشجار، كما يقومون بحملات نظافة لإزالة القمامة العالقة بأرضيات الحدائق، بجانب عمل ورش وندوات تعريفية للأطفال يقفون بهم على أهمية الأشجار مع رفع الوعي بأهمية البيئة والطبيعة في حياة الإنسان، فالمبادرات والأنشطة متنوعة يقصدون بها كل شرائح المجتمع، حيث الجميع يشاطرون همَّ المدينة والإنسان والكوكب.







الفلسفة التي أنتجتها تجربة الشباب الأخضر، لا تنحصر في نظر المجدوبي على حماية المساحات الخضراء فحسب، لكنهم يرون فيها التغيير الذي يمكن أن ينتجه الوعي والتحرك من أجل محاربة الظواهر السيئة، وتأطير الشباب من أجل القيام بدور أكبر مما يتصورونه هم أنفسهم، فالتغيير الفاعل لا يمكن أن ينمو في جو مشحون بالخوف والسلبية "البيئة تحتاج إلى شباب يحب الإنسانية" يقول عمر قبل أن يضيف، أن البيئة كذلك تتطلب ضمائر تنصت إلى تأوهاتها وإلى من يوقف نزيفها، وحركاتها الآخذة سيرًا نحو الهاوية، كذلك بحاجة إلى من يجعل من إنقاذ الأرض همه اليومي ويوتوبيا حياته "باختصار إلى من يفكر بمنطق مستدام".