والدة الشهيد نبيل الردة في عيد الأم: "الإخوان قتلوه في رمضان.. وشيفاه على طول قدامي" (حوار)

حوادث

بوابة الفجر


أغمضت عيناها في خفوت، لتعلن أجفانها عن استسلامها لتلك المشاهد الكثيرة التي مرت أمام عينيها منذ ولادة ابنها بين أحضانها، حتى صار طفلا هادئا يسير خلفها أينما ذهبت، ثم إلى أن أصبح شابا في ريعان العمر، ليسعى إلى إرضائها بتفوقه وعمله واجتهاده، ثم إلى هذا اليوم الذي أتى إليها فرحا، حاملا بين يديه، ترقيته الجديدة، ليهديها إياها في حنان، ومن ثم انتهى ذلك الفيلم المار كشريط إلى آخر مشهد، جثة ولدها والدماء منثورة على زيه الميري داخل كفنه، ومن ثم فتحت عيناها مبتسمه وقالت، "نور على نور يا ولدي".


وبدأ كل شئ عندما ذهبت عدسات "الفجر"، إلى أم الشهيد نبيل السيد الردة، الذي اغتالته يد الإرهاب، وهو عائد من عمله في يوما ما، جفت الأقلام عن صفحته في الحياة الدنيا، وأعلنته شهيدا بين فردوس السماوات، ذلك بعد أن لقي حتفه بخمس رصاصات غادرة على أيدي بلطجية، أمام منزله في ميدان لبنان بعد إطلاق الرصاص عليه أثناء عودته من عمله في أغسطس 2013، حيث كان كل هذا بعد تخرجه من كلية الحقوق، والتحاقه بالشرطة، من رتبة أمين شرطة، حتى وصل إلى رتبة رائد، تاركا من بعده ذرية يفخر به، سارة، 14 سنة، وسما، 7 سنوات، ومحمد، 3 سنوات.


خاب أملنا من أول وهله ذهبنا فيها إلى والدة نبيل الردة، فقد كان التوقع أننا لا نريد أن نذكرها بذكرى تحزن لها، وهي مسنة، ولكن ما أن التقتت مسامعها حروف اسم ولدها "نبيل" حتى ابتسمت مغلقة عيناها على ذكراه، على الرغم من حديثها عنه أن منذ وفاته فقدت الحياة قيمتها وطعمها،  فقد كان نبيل يطمئن عليه دائمًا، ومع فقدانه، فقدت الحياة طعمها، وسكن فراغه المنزل، ولكن لم يترك فراغا في قلبها على حد قولها فما ذال نبيل يعلن عن ضحكاته داخل قلبها الصغير.

هل تحدثينا عن شهيدنا كيف كان؟

"مرة كان أبوه راح يصلي زي عادته، راح جري جابله المداس، عشان أبوه ميوطيش يجيبه، كان دايما يسأل على أهله، وعمامه، وخلانه وقرايبه، كانت تربيته حلوة، هو عايش في مكان يتلقاني بيه، أنا فرحانة بولاده، وهو مش سايبني في حياته، وفي مماته مراضيني، وده من رضا ربنا، والله نور على نور، ده من كرم ربنا، والناس وحب الناس له، كان هادئ على طول وهو رايح يصلي من صغره وهو خارج يقولي عاوزه حاجة حبيبتي، كان دايما أبني وصاحبي وحبيبي، نبيل كان حبيبي".


هو حي حتى الآن داخل قلبك كما تحدثتي.. أليس كذلك؟

نظرت أم الشهيد نبيل مبتسمة إلينا وقالت في حزن تخفيه تحت تلك الابتسامة الحانية، التي عرفناها يوما من أمهاتنا، ولم نعرفها من أحد غيرهن: "ما زلت أحتفظ بالزي الرسمي لولدي، وعليها رائحته ساكنه فيها حتى الآن، كلما يأخذني الحنين إليه، أحضرتها وأحتضنتها وأغلقت عيني خضوعا لحنيني، مش بيفارقني على طول معايا، بيجري وهو عيل صغير، وهو راجل كبير، شيفاه على طول قدامي، نبيل حبيبي مبقدرش أسيبه".


حدثينا عن قدوته وتاريخه المهني؟

 "كان الشهيد نبيل يقتدي بشقيقه الكبير "أحمد" أحد رجال القوات المسلحة والذي خرج من الخدمة برتبة رائد بالقوات الجوية للمعاش، وكان نبيل آنذاك ممتلئ بالأمل في المستقبل، فالتحق بكلية الحقوق وحصل على الليسانس، ومن بعدها بالشرطة ليصبح ملازم أول بالشرطة بعد أن تدرج في عمله من درجة أمين شرطة".

وتضيف: "كان الشهيد نبيل يشتهر بين زملائه وجيرانه بحبه الشديد لأداء الصلاة في أوقاتها ولا يتوانى عن تقديم خدماته ومساعداته لكل من يطلب منه شيئا، كما أنه لم يترك والدته المسنة التي لا تقوى على الحركة فكان يذهب إليها ليطعمها بيديه قبل الذهاب إلى عمله، إلا أن يد الإرهاب أرادت تشويه كل شىء حتى صورة الإسلام السمحة التي دنستها جماعة الإخوان، التي ترصدت عناصرها له أثناء عودته من عمله في رمضان الماضي، للإفطار مع أبنائه".  

 

هل لك كلمة أخرى؟

ووجهت أم الشهيد، الشكر والعرفان للرئيس عبدالفتاح السيسي، ووزارة الداخلية، على دورهم تجاه أمهات الشهداء تقديرًا منهم وتخفيفًا عليهم.


وأكدت أنها في مثل هذا التوقيت كان نبيل، يهديها بهدية عيد الأم، ومع وفاته فقد اليوم قيمته، لكني أتمنى مقابله الرئيس حتى ولو لحظات.


وفي سياق متصل فقد قال أخو الشهيد، الرائد قوات جوية أحمد الردة: "لقد خرجت والدة الشهيد أجيال نفخر فيه، فأنا أعمل بالقوات الجوية حتى الآن، ومعي أخى الشهيد توفى ضابط في خدمة وطنه، وكان ذلك من أبونا الذي كان يعمل مساعدا بوزارة الداخلية، فقد تربينا على الاحترام في زمان قل فيه الاحترام والوفاء.


وأضاف: "أمي حزنها ليس له مثيل، فبعد استشهاد أخويا، لم يسر البيت كما كان عليه، فقلب أمي كان يحمل مشاعر غاليه لنبيل، أمنا كانت تستشعر أحزاننا وأفرحننا، كانت بتعرف كل واحد فينا عاوز إيه وإيه اللى مزعله".