من صفحات التاريخ.. "إسنا" مدينة السمكة والعدس وملجأ العصيان ضد العثمانيين

أخبار مصر

مدينة إسنا
مدينة إسنا


تظل المدن المصرية تبهرنا بتاريخها عبر العصور، فكل إقليم يحمل في طياته صفحات من التاريخ، والآثار هي الشاهد الرئيسي على ما مر بكل إقليم من أحداث، وتعد مدينة إسنا التي تبعد 55 كم جنوبي محافظة الأقصر، وتقع على الضفة الغربية لنهر النيل، من أبرز مدن الصعيد التاريخية، ولا ننسى الكلمة الخالدة أن حضارتنا نابعة دائمًا من الجنوب.

مدينة السمكة والعدس:

وعن مدينة إسنا يحدثنا كبير الأثريين بوزارة الآثار مجدي شاكر قائلًا إن المدينة قديمًا عرفت بـ "لاتوبوليس" وتعني سمك البلطي نظرًا لكثرته في هذا الجزء من نهر النيل، كما اشتهرت مدينة "بالعدس الإسناوي" الذي طلب على مر العصور بشكل مخصوص من هذا الإقليم الهام قديمًا وحديثًا.

معالم المدينة عبر العصور –إسنا الفرعونية: 

وعن أشهر معالم المدينة يقول شاكر إنه معبدها المكتشف في 1843م، ويعتقد أن المعبد الحالي والذي أقامه الملك البطلمى بطليموس على أطلال معبد قديم يرجع بدايته إلى عصر الأسرة 18 حيث عثر على نقوش تحمل اسم الملك تحتمس الثالث، وقد أضيف إليه في العصر الروماني قاعـة أساطين ضخمة.


وتابع شاكر أن المعبد خصص لعبادة الإله خنوم وزوجتيه منحيت ونيبوت، وخنوم بجسد إنسان ورأس كبش، والمعروف بالإله الفخراني أو خالق البشر من صلصال، وباسم "خنوم رع سيد إسنا".


وأهم ما يميز المعبد واجهته –والكلام لشاكر- بحوائطها النصفية التي تحافظ على أسرار الطقوس به، وقسمت جدرانه إلى سجلات بكل سجل منظر متكامل بذاته تمثل الأباطرة الرومان في هيئات مصرية قديمة، يقدمون الهبات والقرابين لإلهة المعبد.

إسنا المسيحية "مدينة الشهداء":


ويقول مجدي شاكر كبير الأثريين بوزارة الآثار، إن إسنا كانت من أوائل المدن التي اعتنق سكانها الديانة المسيحية فى القرن الأول الميلادي، وأقاموا دور عباداتهم، وفي نهاية القرن الثالث الميلادي شهدت إسنا أشد حلقة من حلقات الاضطهاد على يد الرومان بقيادة الوالي إديانوس سنة (299- 303م)، حيث استشهد معظم سكانها، حين كانوا يحتفلون بعيد أحد القديسين، وقيل إنه فى يوم واحد قتل الرومان عدة آلاف، وذكر أن مقبرة أقيمت لهم بلغت مساحتها 80 فدان، وأطلق الأقباط المسيحيون على إسنا "مدينة الشهداء".

الآثار القبطية في إسنا:

ويتابع شاكر عن آثار إسنا القبطية قائلًا إن من أهم الآثار القبطية فى المدينة والباقية حتى الآن دير الأنبا أمونيوس - أسقف مدينة إسنا وقت الاستشهاد - والمعروف بدير الشهداء، والذي يحوي ثروة زخرفية من زخارف الفرسكو القديمة، ويقع جنوب غرب إسنا وقد بنى الدير الحالي في نفس المكان الذي استشهد فيه معظم سكان إسنا من المسيحيين على يد الرومان، لذا يحمل الدير اسم دير الشهداء.

دير الأنبا متاؤوس المعروف بدير الفاخوري:

ويقول شاكر إن دير الفاخوري يعتبر من أهم الأديرة التي احتفظت بأجزائها المعمارية الأثرية، ويقع جنوب غرب المدينة إسنا، وأنشئ في القرن الرابع وتأسس على نظام القديس باخوميوس في الرهبنة، والذي يقضي بأن يعيش الرهبان في حياة مشتركة داخل الدير، وينسب دير الفاخوري إلى القديس متاؤوس الفاخوري، رئيس الدير في القرن الثامن الميلادي، وهو الذي قام بتعمير الدير، وأقام مبانيه ولقب بالفاخوري لأن صنعة الفخار كانت الحرفة الرئيسية له ولرهبان الدير.

كنيسة الأم دولاجي وأولادها الشهداء الأربعة:

وعن كنيسة الأم دولاجي يقول شاكر إنها من أهم الكنائس الأثرية في المدينة، وتنسب إلى الشهيدة الأم دولاجي وأولادها الأربعة، صورص وهرمان وأبانوفا وسنظاس، الذين استشهدوا في القرن الثالث الميلادي، حيث تعمد الرومان قتل الأبناء على ركبتي الأم إمعانا فى تعذيبها ثم قتلوها، وبنيت الكنيسة مكان منزل الأم فى القرن الرابع، وجددت عدة مرات.

مقبرة الشهداء الفلاحين:

وهى مقبرة أثرية بمدينة إسنا –والكلام لشاكر- ويوجد فيها أجساد الثلاثة فلاحين الشهداء الذين قتلهم الرومان بفؤسهم أثناء الاضطهاد الروماني في القرن الثالث الميلادي وأهم المعالم الأثرية للمقبرة هي قبة المقبرة، وتصميمها المعماري الفريد المشتمل على أشكال زخرفية هندسية بديعة ترمز فى شكلها العام إلى السماء.

مغارات الرهبان المتواجدين بالصحراء الغربية مدينة إسنا:

ترجع هذه المغارات إلى العصر الأول للرهبان المتوحدين بمدينة إسنا وتقع غرب دير الفاخوري تم كشفها من قبل بعثة مصرية فرنسية.

آثار العصر الإسلامي:

وعن آثار العصر الإسلامي يقول مجدي شاكر إن بالمدينة مئذنة مسجد العمري، ويرجع للعصر الفاطمي، وعليها مزولة شمسية لحساب الوقت، وأثناء الفتح الإسلامي فتحت إسنا صلحًا، على يد غانم بن عياض الذي استأمن أهلها، وكانت إسنا في أوائل العصر الإسلامي، وفي العصر الفاطمي كانت إسنا قاعدة لنشر المذهب الشيعي، وفي العصر الأيوبي والمملوكي كانت مركزًا لنشر المذهب السني، وقاعدة لمحاربة المذهب الشيعي.

وفي أوائل العصر العثماني –والكلام لشاكر- كانت إسنا مأوى للمماليك الفارين، وفر إليها مراد بك وحسن بك الجداوى وإسماعيل بك وصالح بك وعثمان بك واعتصموا في الوجه القبلي ضد السلطان العثماني، حتى توسط لهم السيد عمر مكرم وصالحهم مع الوالي بالقاهرة وكان لهؤلاء المماليك بإسنا أملاك واسعة وقصور شامخة.

الاحتلال الفرنسي:

وتابع شاكر أنه أثناء الاحتلال الفرنسي عسكر القائد ديزيه في إسنا عام 1799م وأتخذها قاعدة لقواته ومنها كانت قواته تتجه إلى أسوان وإلى قنا وقد أتخذ ضباط الحملة الفرنسية قصر حسن بك الجداوي مقراً لهم وكان قصراً منيفاً به حديقة واسعة حيث أطلق عليه الأهالي فيما بعد بستان الفرنساوية .

عصر محمد علي باشا:

ويقول شاكر إنه عام 1826م أنشئ قسم إسنا وشمل عدة بلاد يتبع جرجا، وفي 1833م أصبحت إسنا أحد أقسام قنا، وكانت عاصمة إسنا للمديرية، ومن يناير 1890م أصبحت مركز إسنا بدلاً من قسم إسنا، وقد اعتنى محمد علي باشا بالمدينة عناية فائقة  فأكثر فيها من المنشآت، وحفر الترع والمصارف وشيد القناطر على النيل، وأنشأ مصنع للغزل والنسيج ، كما بنى داراً للذخيرة والسلاح، وأمر ببناء رصيف على شاطئ النيل، وأنشأ قصراً له فيها.

قناطر إسنا القديمة:

وختم شاكر كلامه عن إسنا بأن قناطرها المسماة بالقديمة بنيت 1906 زمن عباس حلمي الثاني لتخزين مياه فيضان النيل، وهي من الحجر، وبها بوابات بالأسفل، وفى أولها مجر للسفن يعرف بـ "الهويس"، وبه صينية من الحديد تدور للفتح والإغلاق، وله إدارة تعرف بإدارة قناطر اسنا القديمة.