"نقص الإنسولين" أزمة مستمرة.. الحلول المتاحة مؤقتة.. و"صحة البرلمان": زيادة الأسعار غير مدروسة

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


لا تزال أزمة نقص الأنسولين في المستشفيات الحكومية، مشكلة هامة تشغل المواطنين، خاصة مع ارتفاع شريحة المصابين بمرض السكر، ممن أصبحت حياتهم مهددة بالخطر في حال عجزوا عن العثور على الجرعة الملائمة لحالتهم الصحية.

وفي سياق ذلك، تقدم عدد من أعضاء لجنة الشؤون الصحية بمجلس النواب، بطلب لوزارة الصحة وللدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، يتضمن ضرورة الاهتمام العاجل بأزمة نقص الأنسولين في المستشفيات الحكومية، والتي تشكل أزمة كبيرة ستتفاقهم عواقبها مستقبلًا في حال استمرت جهود حل المشكلة على نفس الوتيرة المعتادة.

وانقسمت الآراء فيما بينهم، بين مؤيد ومعارض لحلول وزارة الصحة وخططها الحالية لمواجهة أزمة نقص الأنسولين، والتي كان أحدثها قرارها برفع سعر الأنسولين المحلي بمقدار زيادة تصل إلى 10 جنيهات.

حلول الأزمة مؤقتة.. والاحتكار سبب النقص
قال الدكتور محمود فؤاد، مدير المركز المصري للحق في الدواء، إن اختفاء وعودة أزمة نقص الإنسولين في مصر، هو سيناريو متكرر ولا ينتهي، خاصة بعدما واجهت الشركات المحلية صعوبة في تصنيعه واقتصر اعتمادها على الاستيراد من الخارج.

وأشار "فؤاد" في تصريح خاص لـ"الفجر"، إلى أن المشكلة التي تسببت في نقص هذا الدواء تتمثل في الاستيراد من الخارج، وهو ما تفاقمت أزمته بسبب المشاكل التي جرت بعد تحرير سعر الصرف، مضيفًا أن حدة الأزمة ازدادت بعدما خصصت شركة "نوفو نورديسك" الدنماريكة الأولى في العالم في صناعة الإنسولين، خطوط إنتاجها لأسباب لم تفصح عنها حتى الآن.

وأوضح مدير المركز المصري للحق في الدواء، أنه بالرغم من أن الشركة الدنماركية تعاملت مع الشركة المصرية لتجارة الأدوية لأكثر من 40 عامًا، إلا أنها اتجهت للتعاقد مع شركتين تابعتين للقطاع الخاص، لتوزيع الإنسولين عليهما، وهو ما أتاح لكليهما فرصة استغلال الأدوية بشكل سيء، وتطبيق ما يسمى بـ"احتكار الأدوية الحيوية" عليهما، وبالتالي نشبت الأزمة في مصر.

وأردف أن الشركات المصرية التي كانت رائدة في صناعة الإنسولين، تراجعت بسبب الأزمات الاقتصادية، وانسحب البعض منها من السوق، فيما كان السبب الرئيسي في ازدياد حجم الأزمة بهذه الطريقة، هو الحريق الذي شب منذ حوالي شهر بشركة "سيديكو" للأدوية، أثر بشكل سلبي على سوق الإنسولين في مصر:"خاصة أن الشركة بحاجة لما لايقل عن سنة لاستعادة خط إنتاجها من جديد".

ولفت الدكتور محمود فؤاد، إلى أن الحلول المقترح للأزمة، تتمثل في ضرورة استمرار التنبيهات الحكومية على الشركات، وإحكام الرقابة على سجلاتها لمعرفة مسار الأدوية ونسبة توزيعها في الأسواق المصرية، مشيرًا إلى أن شركة المهن الطبية التي تولت حاليًا بيع الأنسولين، تملك احتياطي يصل إلى 5 أشهر، وهو ما دفع وزارة الصحة إلى زيادة سعر المادة به عشرة جنيهات لتستمر الشركة في الإنتاج دون توقف.

ونوه "فؤاد" إلى أن جهود الوزارة، التي تمثلت في توزيع 750 ألف إبرة للمستشفيات الحكومية، والتعاقد على توريد 3 مليون إبرة أخرى ينتظر تسلمها خلال الشهر المقبل؛ ما هي إلا حلول مؤقتة للأزمة تعالجها خلال الوقت الراهن فقط، بينما ستتجدد الأزمة مرة أخرى في غضون أشهر.

وأرجع سبب ذلك، إلى أن الإنسولين يعد دواء هام في مصر ومنقذ للحياة، خاصة مع وجود 9 مليون مريض مصري بالسكر، وهو ما يدفع المستورد الأجنبي، إلى التحكم في سعر الدواء.

استهلاك الإنسولين أكبر من الكميات المستوردة
وفي سياق متصل، أكد الدكتور خالد سمير، أمين صندوق نقابة الأطباء الأسبق، أن سبب الأزمة الحقيقية لنقص دواء الإنسولين في مصر، يعود إلى الاعتماد على استيراد الدواء من الخارج بكميات تعد أقل مما يتم استهلاكه في معظم الأحيان، وهو ما يسبب العجز في الدواء.

وأوضح "سمير" في تصريح خاص لـ "الفجر" أن الآثار السلبية لدواء الإنسولين، لا تقتصر فقط على مرضى السكر، بل تمتد إلى العديد من المجالات الهامة، خاصة أن الإنسولين يدخل في صناعة العديد من المواد، ويستخدم في أمور عدة، وهو ما يقتضي الاهتمام بتوفيره في أسرع وقت.

وشدد على ضرورة الاتجاه إلى إنتاج الإنسولين على المستوى المحلي، لتوفير احتياطي استراتيجي منه يكفي لعدة شهور، لتغطية احتياجات السوق المصري منه.

نقيب الصيادلة: "المصنع شغال ولدينا مخزون يكفي 7 أشهر"
ومن جانبه، قال الدكتور محيي عبيد، نقيب الصيادلة، إنه لاتوجد أزمة متعلقة بنقص الإنسولين في مصر بشكل عام، لافتًا إلى أنه يتوفر في مصر مخزون من الإنسولين يكفي لحوالي سبعة أشهر.

وأشار "عبيد" في تصريح خاص لـ"بوابة الفجر"، إلى أن المصنع الذي ينتج دواء الإنسولين في مصر لايزال مستمرًا في عمله ولايواجه أي عجز ملحوظ.

وأوضح نقيب الصيادلة، أن سبب رفع سعر المادة، يعود إلى أن الشركة المنتجة للإنسولين رفعت تقريرًا إلى إدارة التسعيرة، بعدما تكبدت خسائر فادحة، وهو ما استدعي تشكيل لجنة مختصة بالأسعار، لتحديد تكاليف المادة الخام والاحتياجات بدقة عالية، ثم ترفع السعر بناءا على نتيجة التقرير الصادرة.

 زيادة سعر الإنسولين غير مدروسة.. والهيئة العليا للدواء هي الحل
وعلى النقيض، أكد النائب الدكتور خالد الهلالي، عضو لجنة الشؤون الصحية بمجلس النواب، أن قرار وزارة الصحة برفع سعر الإنسولين المحلي، يعد قرارًا غير مدروس، لأن المريض هو من تطاله المعاناة في النهاية.

وأشار "الهلالي" في تصريح خاص لـ"بوابة الفجر"، إلى أن اللجنة الصحية قدمت العديد من التوصيات لعلاج القصور في الأدوية وأزماتها وإعادة تسعيرها من جديد، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية الحالية، التي تمنع مريض السكر من تحمل التكاليف الزائدة على الدواء.

وأعرب عضو لجنة الشؤون الصحية بالنواب، عن استيائه من القرار في الوقت الذي ارتفع فيه سعر الإنسولين المستورد، وهو الأمر الذي يجعل الفرق بسيط بين المستورد والمحلي في السعر، مشددًا على أن هذا الحل قد يؤدي لتفاقم الأزمة لا للقضاء عليها.

ونوه إلى مدى خطورة الأزمة، حيث أنه تلقى العديد من الشكاوي من المرضى، لافتًا إلى أن المرضى يضطرون أحيانًا إلى البقاء في المستشفيات لأكثر من 3 أشهر، ولايتمكنوا في النهاية من الحصول على العلاج، وهو ما يستدعي وضع خطة عاجلة بعيدة عن زيادة الأسعار.

ولفت إلى أن مرضى السكر في مصر يتجاوزون الـ20 مليون مريضًا، وهو ما يشكل خطورة كبيرة في حال استمر التعامل مع الأزمة بلامبالاة.

وحول المقترحات الممكنة للقضاء على أزمة نقص الإنسولين، أردف الدكتور خالد الهلالي، أنه يجب أن تعقد لجنة الصحة اجتماعًا عاجلًا واستدعاء وزيرة الصحة خلاله لمناقشتها في الأمر.

وأضاف أنه يجب أن تخصص لجنة تتولى ملف الدواء، ويتم تشكيلها من أهل الخبرة والعلم، ليتمكنوا من إعادة تسعير الدواء بصورة دقيقة، ويستمر عملها حتى يتم الانتهاء من إنشاء الهيئة العليا للدواء، والتي تعد الحل الأمثل لتجنب حدوث هذه الأزمات مستقبليًا.