الأتربة تهدد حياة 60 ألف شخص بحي وادي القمر في الإسكندرية.. و"البيئة" ترد

أخبار مصر

أرشيفية
أرشيفية


"وادي القمر" هو حي سكني ضخم في غرب الإسكندرية، تأسس منذ أكثر من سبعين عامًا في عهد الملك فاروق، واكتسب اسمه بسبب الطريقة التي يُضىء بها القمر حقول الشعير الوافرة، التي كانت موجودة في السابق.

ويعيش نحو ٦٠ ألف شخص في وادي القمر حاليًا، وتتصاعد عليهم السحب السوداء بسبب مداخن مصنع الأسمنت بورتلاند، والذي يبتعد أقل من ميل واحد عن المنطقة، ونظرًا أن وادي القمر يقع مباشرة في مسار انبعاثات المصنع، فإن غبار الأسمنت السام يغطي منازل ما يقرب من نصف سكانها، ما يؤدي إلى العديد من حالات الإصابة بالتهاب الصدر والربو.


بداية الحكاية
حكاية سكان وادي القمر في غرب الإسكندرية، بدأت منذ سنوات، بسبب ما ينتجه المصنع من تلوث في البيئة وضررعلى صحتهم وصحة أطفالهم، ورصدوا العديد من المخالفات ونشروها على وسائل التواصل الاجتماعي، وسبق أن تقدموا بالعديد من الشكاوى إلى وزارة البيئة وجهات أخرى معنية دون جدوى، كما قاموا برفع عدد من الدعاوى القضائية ضد المصنع بسبب مخالفاته القانونية والبيئية، وقدموا شكوى إلى البنك الدولي الذي يمول المصنع.

وقام مكتب المُحقق التابع للبنك الدولي بزيارة استكشافية إلى المنطقة في سبتمبر 2015 وعقب ذلك تمت إحالة الشكوى إلى آلية الالتزام بمكتب المحقق، والذي وجد أن المصنع يثير مخاوف كبيرة بشأن تأثيره البيئي والاجتماعي، وأنه سيقوم بإجراء تحقيق مكثف في الموضوع، وقد قامت بعثة من مكتب المحقق بإجراء التحقيق الميداني في يناير 2017، ومن المتوقع صدور التقرير النهائي من مكتب المحقق خلال الشهور القليلة القادمة.

وقامت النيابة بمعاينة محل سكن المُشتكين وأثبتت تراكم الغبار والأتربة على الأسطح والبيوت، كما قام جهاز شؤون البيئة في 30 أغسطس 2015 بالتفتيش على المصنع وأثبت وجود مخالفات في ارتفاع نسبة الملوثات داخل بيئة العمل.

وفي ديسمبر من العام نفسه، قامت النيابة بتحويل المُشتكين إلى مستشفى الصدر في كوم الشقافة في كرموز لتوقيع الكشف الطبي عليهم، والذي أوضحت نتائجه أن جميع المشتكين، وعددهم عشرة، بينهم أطفال ونساء، يعانون الأمراض الصدرية والحساسية.

وبتاريخ 2018/1/18، أصدرت محكمة الجنح حكمها بتغريم رئيس مجلس إدارة شركة الإسكندرية لأسمنت بورتلاند، غرامة قدرها عشرون ألف جنيه عن كلٍّ من التهمتين الأولى والثانية، وبمئتي جنيه عن التهمة الثالثة، كما قضت بإحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المختصة، وقد استأنف محامو الشركة الحكم وفي 21 مارس قضت محكمة الجنح المستأنفة في الدخيلة بتأييد الحكم السابق.


البيئة ترد
من جانبها نفت وزارة البيئة أن يكون للمصنع أي يد في حالة التلوث التي يعيشها أهل المنطقة، مؤكدين أن المصنع وفق أوضاعه بيئيًا، ويتم مراقبته والتفتيش عليه بشكل دوري.

وقال الدكتور محمد صلاح الرئيس التنفيذي لجهاز شؤون البيئة، إن المصنع موجود في منطقة صناعية مخططة قديمًا ضمن مناطق أخرى كثيرة موجود في منطقة وادي القمر، ولها حف عمراني بطريقة عشوائية، بالإضافة إلى تواجد السكان على حدود المنطقة الصناعية.

وأضاف في تصريحات لـ"الفجـر"، أن مصنع بورتلاند لديه خطة توفيق أوضاع ومتوافق بيئيًا، ومداخنه مربوطة بشبكة الرصد الموجودة بالوزارة، ومتابعتهم تكون لحظيًا وعلى مدار اليوم، متابعًا: "لدينا قياسات ونراقبها يوميًا، ونقوم بتفتيشات من الأجهزة المعنية بجهاز شؤون البيئة".

وحول إيجاد الحلول لتلك الأزمة، تابع قائلًا: "لا يمكن أن أطلب نقل السكان من المنطقة، الحل قد يكون مع جهات ثانية أو وزارات أخرى معنية، ولكن من جهة وزارة البيئة فالمصنع متوافق بيئيًا ولا يوجد ضرر منه على السكان، وقد يكون السبب عوامل أخرى".  


القانون يتكلم
بينما قال مصطفى مراد رئيس الإدارة المركزية لنوعية الهواء والحماية من الضوضاء، إن العلاقة بين الإدارة والمصنع هي القانون والمعايير القانونية، مؤكدًا أنه طبقًا للقانون، المصنع ملتزم بالمعايير المذكورة في اللائحة التنفيذية الخاصة بصناعة الأسمنت، المماثلة لمعايير الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، كما أُلزم منذ سنوات أن يرصد كافة الانبعاثات الصادرة منه، وربطها بالشبكة القومية لرصد الانبعاثات الصناعية التابعة لجهاز شؤون البيئة، موضحًا أن الـ6 مداخن لخط الإنتاج الوحيد الموجود في المصنع مربوطة بالشبكة، وطبقًا للبيانات الواردة على الشبكة انبعاثات المصنع متوافقة بيئيًا، سواء انبعاثات الأتربة أو أكاسيد كبريت أو أكاسيد نيتروجين أو غيرها.

وأضاف في تصريحات لـ"الفجـر"، أن الضغط الذي مارسته الهيئة بالقانون على المصنع، دفعه لتغيير جميع الفلاتر المُركبة على المداخن، موضحًا أن المصنع قام بتركب أول وحدة تحكم لانبعاثات أكاسيد النيتروجين على مستوى الجمهورية، وهي وحدة تكلف ملايين، كما قاموا بعمل منظومة ضخمة لتوفير بدائل الوقود المختلفة وضخها داخل الأفران، كمساعدة لمحافظة الإسكندرية في التخلص من المخلفات الخاصة بها، موضحًا أن تغيير الفلاتر يحتاج نحو 18 شهرًا، ويحتاج إلى ترتيبات قبل ذلك بسنوات.

وأكد "مراد" أن الضغط الشعبي المحيط بمصنع بورتلاند، جعلهم طوال الوقت في حالة إنذار حتى لا يقوم أي أحد بأخذ إجراء ضدهم، مؤكدًا وجود ما لا يقل عن 25 جهاز رصد للمصنع مربوط بالشبكة.  


المصنع برئ
فيما قال حازم صلاح مستشار وزيرة البيئة، إن هناك دراسة أعدها أساتذة جامعات القاهرة والإسكندرية من كليات هندسة وعلوم، أٌجريت منذ نحو 4 سنوات، من لجنة كبيرة، درست حالة المصنع والمداخن ودرست المنطقة المحيطة بالمصنع وحالة الشوارع، وانتهت ببعض التوصيات، منها أن الأتربة الموجودة في المنطقة هي من مرور السيارات، عادات أهل المنطقة.

وأضاف في تصريحات لـ"الفجـر"، أن الشارع الجانبي للمنطقة هو أكبر شارع به حركة مرورية في محافظة الإسكندرية، نظرًا أنه يصل إلى ميناء الإسكندرية، مؤكدًا أنه شارع ضيق وحركة الشاحنات فيه على مدار الـ24 ساعة، فضلًا عن أن عربات النقل ثقيلة وضخمة ومُحملة بكل شئ إلى جانب حركة السيارات العادية.


وأكد "حازم" أنه منذ 2016-2017 والمصنع مربوط بالشبكة القومية لرصد الانبعاثات، ولم يحدث أي حيود عن النتائج أو تلاعب بها، مؤكدًا أن أي عبث من جانب أي مصنع يتم رصده فورًا، بالإضافة إلى أن العبث بالأجهزة يظهر فورًا على الشبكة، وعقوبتها تكون مشددة في القانون.

واختتم كلامه قائلًا: "قمنا بعمل قياسات داخل المصنع وخارجه، ووجدنا أن الأجزاء التي اشتكي منها السكان متوافقة بيئيًا، وهناك توصيات يجب تنفيذها فورًا من جانب المحافظة والقاطنين بالمنطقة لإنهاء تلك المشكلة".