بين الحيرة والقلق.. "الفجر" ترصد معاناة أولياء أمور طلاب الثانوية على أبواب الجامعات الخاصة

تقارير وحوارات



بينما يُقبل طلاب المرحلة الأولى من الثانوية العامة على مكاتب التنسيق بالجامعات الحكومية لإدخال الرغبات، يقطع عدد آخر من أولياء الأمور مسافات طويلة خلال رحلتهم الشاقة تحت أشعة الشمس الحارقة، بين أبواب الجامعات الخاصة، بعدما أصبحت ملاذ أبنائهم الوحيد لتحقيق ما تبقى من أحلامهم التي مزقها نتاج جهودهم في هذا العام المرهق، بعد ارتفاع تنسيق الكليات ليتجاوز مجاميعهم الضئيلة التي فرقتهم عن تخصصات لاطالما حلموا بدراستها داخل الجامعات.

فأمام باب إحدى الجامعات الخاصة، كانت والدة طالب الشعبة العلمية "محمود" تسير ببطء شديد، ترتسم على ملامحها علامات الحيرة، فتنظر إلى صغيرها لتتخيل مصيره تارة، ثم تنتقل بعيناها مسرعة إلى ذلك الملف الذي يحتضن شهادته التي تحمل مجموعًا لم يكن في الحسبان تارة أخرى.

"مش عارفين الـ90% هتوديه فين"، بقلق شديد نطقت السيدة الأربعينية بهذه الكلمات، فبالرغم من أن مصروفات الجامعات الخاصة ارتفعت مقارنة بالعام الماضي، إلا أن التنسيق الداخلي لها في المرحلة الأولى كان أعلى من المتوقع، وهو ما قد يهدد حلم "محمود" في الالتحاق بكليتي طب الأسنان أو الصيدلة.

وبالرغم من الصدمات التي تتلقاها ولية الأمر من إدارات الجامعات التي تطرق أبوابها بلا يأس يوميًا، إلا أن بصيصًا من الأمل بانخفاض التنسيق الداخلي، دفعها لسحب ملفات للتقديم من كل جامعة تقرر زيارتها:"إحنا ساحبين دلوقتي فوق الـ4 ملفات وكل واحد بـ500 جنيه".

لم تكن والدة "محمود" وحدها التي تعاني أمام أبواب الجامعات الخاصة، حيث قاسمها والد إحدى الطالبات ذات المعاناة: "دا غير إن المسافة بعيدة جدا عن البيت"، وهو الأمر الذي اضطره لمحاولة انتشال مستقبل ابنته من الضياع، ليتخلى عن الأقسام العلمية التي عانت من دراسة موادها طوال المرحلة الثانوية، ويقرر إلحاقها بكلية الألسن داخل الجامعة الأقرب للمنزل.

ولأن الفرحة لا تكتمل بسهولة، لايزال والد الطالبة الخمسيني، يفكر مليًا في الاعتماد على نتيجة التنسيق بالجامعات الحكومية، خاصة بعد الارتفاع الجنوني الذي شهدته مصروفات الجامعات الخاصة:"حتى كلية الألسن الأدبية عدت الـ40 ألف.. أمال كليات الطب يدفعولها كام".




لم يختلف هذا المشهد المؤثر على باب الجامعة، عما يجري داخل أسوارها، فعلى مقاعد الانتظار جلست "صفاء" والدة إحدى الطالبات تتأمل بهو الجامعة وتتجول بعينيها سريعًا بين قاعاتها الداخلية، فتحاول أن تقنع نفسها أن حصول ابنتها على مجموع 91% في الشعبة العلمية بالثانوية العامة، قدر منحها فرصة الانضمام إلى جامعة أكثر رقي وتطورًا عن الجامعات الحكومية.

"المشكلة إنهم مصعبين الأمور وبيعجزونا في التقديم"، هذا ما اكتشفته "صفاء" بعد خلاصة أسبوع من البحث والتنقيب عن الجامعات الخاصة المعتمدة من وزارة التعليم العالي، فبالرغم من المصروفات المرتفعة التي تفرضها الجامعات، إلا أن بعضها لم يكتفي بذلك، ليفرض شروطًا صعبة للقبول، والتي كان من ضمنها خوض امتحانًا للغة الإنجليزية يتحدد على إثره مستوى الطالب وأهليته للالتحاق بالجامعة:"ودا مفيهوش مساواة لأن فيه ناس هنا من مدارس لغات مستواها أعلى من بنتي".

ومع تجولها بين أكثر من سبعة جامعات منذ صدور نتيجة الثانوية العامة، زادت حيرة السيدة الثلاثينية، التي لا زالت تحتفظ بترددها بين التقديم لابنتها في كلية الصيدلة أو كلية العلاج الطبيعي،  بعدما ضاع أملها في الالتحاق بكلية الطب التي حرمتها النتيجة من مجرد التفكير بها:"فيه جامعات قالتلي صيدلة تنسيقها عالي ومفيش غير علاج طبيعي.. وناس قالولي التنسيق بينزل.. وفيه جامعات قالتلي علاج طبيعي أفضل من صيدلة"، وهو ما جعلها تلجأ لسحب ملفات في كل جامعة بمبالغ تراوحت بين 500 و1500 جنيه.





ومن ثم التقطت والدة الطالب بشعبة علمي رياضة "مازن"، أطراف الحديث من "صفاء"، في محاولة منها لإقناعها بالتضحية بكل ما تملك في سبيل مستقبل ابنتها:"مش مهم المصاريف.. المهم إننا نعمل حاجة تفرحهم.. دي الدنيا كلها ولاتسوى حاجة قصاد دمعة من عيون ابني".

فبعدما حصل "مازن" على مجموع 85% في المرحلة الثانوية، قررت والدته أن تصطحبه إلى المصيف بالإسكندرية للترويح عن نفسه قبل خوض معركة التقديم بالجامعة:"وبعدها قررت أقدمله بيزنس هنا احتياطي لو مجاتلوش تجارة إنجلش في التنسيق الحكومي"، حيث اتخذت قرارًا بتسهيل الدراسة على ابنها الأصغر، بالرغم من إمكانية التحاقه بكلية الهندسة:"بس أنا عارفة قدرات إبني ومصلحته هتكون فين".




هذا المنطق الذي اتفق عليه جميع الجالسين، فعلى مقاعد تراصت في أحد الأطراف الهادئة بقاعة الانتظار؛ كانت والدة "محمد" تترقب دورها بقلق، فترتكز عيناها على محيط فارغ تهرب به من نظرات المارين أمامها، لتأخذ وقتها في التفكيرمطولًا  بمستقبل ابنها الذي حصل على مجموع 91% بالشعبة العلمية، وهو ما حرمه من الالتحاق بكلية طب الأسنان التي يرتفع تنسيقها بالجامعات الخاصة إلى 95%.

"قولت أنا مستعدة أبيع اللي ورايا واللي قدامي عشانه"، فبالرغم من اقتراب عقد قران ابنتها الكبرى التي خصصت مبلغًا ماليًا لشراء احتياجاتها الخاصة؛ إلا أن الإحباط الذي أصاب ابنها "محمد" فور ظهور نتيجة الثانوية العامة، التي لم تكن عادلة بالنسبة لمجهوده طوال العام، دفعها لاقتطاع جزء من المبلغ الذي وفرته لدفع القسط الأول بإحدى الجامعات الخاصة، لعله يتمكن من اللحاق بإحدى كليات القطاع الطبي التي تعوضه عن حلمه الضائع:"وأدينا بنسحب في ملفات احتياطي، وبنلف عالجامعة الأرخص في المصاريف".

وعلى المقعد المقابل لها، كانت إحدى أولياء الأمور تنتظر خروج ابنها من امتحان القبول بالجامعة، فتنظر بعطف إلى غير المقتدرين تارة، وتفكر في مصير ابنها بعد هذا الاختبار تارة أخرى، ثم تهمس إلى ابنتها باستفهام:"طب إحنا قادرين ندفع غيرنا هيعمل إيه في المصاريف دي كلها!"، لتؤيدها ابنتها في الرأي، خاصة بعدما لاحظت وجود فرق كبير في مصروفات الجامعات الخاصة خلال أربعة أعوام، تجاوز العشرة آلاف جنيه.