"طوق النجاة".. مصابو قطار البدرشين يروون لـ"الفجـر" لحظات الموت على القضبان (فيديو)

أخبار مصر



كل شئ مُدمر، والغبار يملأ المكان.. لحظات من السكون مرت على  قطار البدرشين بعد ثوان من النحيب والصراخ، لا أحد يفهم ما هذا الذي مر منذ دقائق، يفيق الركاب ليجدوا أنفسهم كما لو كانوا في إحدى مدن سوريا، أو كأن صاروخًا ضرب المكان فطرحه أرضًا.

قطار البدرشين الذي خرج من القاهرة اليوم مُتجهًا للصعيد، لم يعلم الراكبون أنه غير وجهته لـ"الموت"، لولا تدخل العناية الإلهية، التي أنقذت "الغلابة" من الهلاك والموت البشع.
وبدأت موازين الحياة في الانقلاب رأسًا على عقب، وبدأ الناس يخرجون من سقف القطار بدلًا من بابه، أطفال يسقطون على الأرض دهسًا، وعُهدة عمل تضيع، وملابس وحقائب تطير في الهواء، وأموال تختفي في السراب.

كآبة المنظر كانت سيد الموقف، أمتار قليلة كانت تفصل بين "قطار الموت" والترعة، فلولا تدبير الله للأشياء، لسقط من نجا من حادث انقلاب القطار في المياه ومات غرقًا بمنطقة "مشؤومة" أحاطها الموت من كل اتجاه.

حاورت"الفجـر" ٤ ناجين من رحلة الموت:

طه فضل خيري أصغر ناجِ من حادث القطار

رغم صغر سنه، إلا أنه كان مدركًا تمامًا لما حدث، وكان على وعي كامل بأبعاد الحادث، ورغم أنه أصابه الهلع مثل الجميع، إلا أنه يتذكر تفاصيل الدقائق المشؤومة.

طه فضل خيري (11 عام) أصغر ناجِ بحادث قطار البدرشين، روى لـ"الفجـر" تفاصيل الحادث، قائلًا: "القطار كان مكيف، وكان كل شئ على ما يُرام، إلا أنه في ثوانِ معدودة خرج القطار عن طريقه، ولم يستطع السيطرة نظرًا للسرعة الفائقة، وبدأ في الاهتزاز بشكل كبير حتى توقف على الأرض طريحًا.

وعن تلك اللحظات الأكثر شوؤمًا، أكد "طه" أنه سقط أرضًا، نظرًا أنه كان يجلس في مكان وضع الحقائب فوق المقاعد، وبدأ الراكبون في الميل يمينًا ويسارًا حتى سقطوا جميعًا على الأرض وبدأ مشهد كـ"اليوم العظيم"، الجميع يفر مما حدث، وآخرون سقطوا تحت الأقدام وتم دهسهم، ورائحة الموت تملأ جنبات العربة.

أبواب القطار كانت مُوصدة، كما لو كانت تعلم ما سيحدث، وقال "طه": فوجئنا بأن أبواب القطار لا تفتح، وقام أهالي المنطقة بكسر زجاج القطار ونافذة السقف، وبدأ الجميع يخرجون من تلك الفتحات الضيقة، وبدأ الزجاج في إصابة الناس بالجروح في أماكن متفرقة، ولكن لم يشعروا بألم الجرح الذي كان أقل كثيرًا من الخوف والرعب وقتها.

وأضاف: كل الراكبون تركوا ما يملكون بداخل القطار المشؤوم، لا ندري حتى أين أموالنا، أصبحنا لا نملك شيئًا نعود به لبيتنا، حتى الملابس وهاتفنا المحمول والحقائب تبخرت مع الخوف في الريح.

وهنا كانت الأم هي البطل، فكانت والدة "طه" هي من أعطتهم الحياة من جديد، وأنقذت طفلها وشقيقته من الدهس تحت أقدام الفارين من الموت خلال تلك اللحظات الصعبة.




أحمد ثابت محمد: "الموت كان أقرب مما تتخيلون"

فور توجهنا له، بدأ في الحديث وكأنه مليئًا بالكلمات التي فاض بها صدره، أحمد ثابت محمد أحد ركاب العربة 8 بقطار الموت يروي لنا تلك اللحظات المرعبة قائلًا: لم نلبث أن جلسنا وخرجنا من الجيزة، وبدأت تلك اللحظات التي لا يمكن أن أنساها، كنا سنموت موتًا سريعًا.

"حتى الآن صدري يفيض بالتراب الذي ابتلعته نتيجة الحادث"، بهذه الكلمات التي خرجت من "ثابت"، أكد أن الحادث كان الأكثر رعبًا مر به في حياته.
وأوضح "ثابت" أن الركاب أدركوا للحظة الأولى أن القطار سينقلب، وأن لا هروب من تلك اللحظات الصعبة، مؤكدًا أن الناجين لو ظلوا داخل القطار أكثر من 3 دقائق أخرى لتعرضوا جميعًا لموت مُحتم.

وعما داوى خوف الركاب، أشار "ثابت" إلى أن أهل مدينة المرازيق بالبدرشين توجهوا فورًا لمنطقة الحادث، وبدأوا في إسعاف المصابين سريعًا، وإمدادهم بالمياه، وإخراجهم من قطار الموت، حتى وصلت سيارات الإسعاف في نحو ربع ساعة.

وتابع: "خرجنا بأعجوبة، وكل ما أملك من مال ضاع في الحادث، ومن رحمة الله أحد العاملين بمستشفى الهرم على علاقة بأحد أقاربي وطمأنهم، لولا ذلك لماتوا قلقًا وخوفًا علي، حتى هاتفي المحمول لا أعرف عنه شيئًا، الموت كان أقرب مما تتخيلون".

"معيش فلوس أروح"، بهذه الكلمات ختم "ثابت" حديثه، مطالبًا الدولة ووزاتي الصحة والتضامن بحقه بعد ما تعرض له من خوف وموت.






عامل: "انتظرنا الموت وعُهدة عملي ضاعت"

رغم ما تعرض له من موت وفزع، إلا أن خوفه على عُهدة العمل كان أكثر رعبًا له، أحد العاملين بإحدى القطاعات كان في مهمة عمل، من راكبي العربة رقم 10 بالقطار.

"استغفرنا واتشاهدنا وانتظرنا الموت"، بهذه الكلمات وصف هذا العامل البسيط تلك اللحظات الحرجة، مؤكدًا أن قضبان السكة الحديد طارت في الهواء خلال الحادث، وهو ما كان أشبه بالخيال، وأصبح خارج نطاق التصديق والتوقع.





رئيس القطار: "بعد الحادث لم أجد السائق بكابينة القيادة"

كان أكثر الشاهدين على الحادث، محمود أبو زيد رئيس القطار المشؤوم، روى لحظات مرت كالساعات، في محاولات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
ورغم أنه كان رئيس القطار، إلا أنه أحد المصابين، وروى قائلًا: "بعد الحادث توجهت للسائق بالفعل لم أجده بكابينة القيادة، وتواصلت مع أحد المسؤولين وأبلغت عن الحادث، رغم أنني لما أكن قادرًا على فعل أي شئ".

وعن تفادي أي حوادث أخرى قد تؤدي لمصائب أعظم من ذلك، شدد رئيس القطار على أنه أبلغ العاملين على القطار بالنزول رغم إصابتهم وعمل ما يلزم من الوقاية، لتفادي أي حادث آخر لأي قطار خلفه، والتي تكون على بعد كيلو متر من مكان الحادث.

وعن أكثر لحظاته رعبًا وألمًا، أكد رئيس القطار أنها كانت عندما تلقى اتصالًا من صديق له، مستنجدًا به من الموت، بعد أن كان يستقبل أحد العربات التي انقلبت.

وتابع: "توجهت لبرج المراقبة المسؤول عن الإشارات والتحويل، وأشرت فيه إلى ما حدث، ونزلت اتصلت بالإسعاف".