رامي المتولي يكتب: الفيلم الذى انتصر على "أزمة البنزين".. وحصد 18 مليونًا من جيوب المصريين فى العيد

مقالات الرأي



"حرب كرموز" لا إبهار ولا سينما فقط "فقاعة" إيرادات


السباق المحموم هو الحالة التى يمكن أن تصف ما يحدث حاليًا فيما يتعلق بتقييم الأعمال الفنية فى مصر الذى يحدده إما الإيرادات فى السينما أو المشاهدات للتليفزيون، الحقيقة أن التقييم بهاتين الطريقتين هو المعيار عند أكبر وأهم منتج فى العالم وهو الولايات المتحدة، هناك الإيرادات تحدد ما إذا كانت هناك أفلام جديدة ستنتج فى السلسلة ونسبة المشاهدة تحدد ما إذا كان هناك موسم جديد من المسلسل أم لا، الإيرادات ونسب المشاهدة تحسبان بدقة ويتم الإعلان بشكل واضح وعام وباستمرار، لكن فى مصر لا نملك وسيلة القياس الحيادية الموثوق فيها والمشاهدات والإيرادات كلتاهما أدوات فى يد المنتج يستغلهما فقط فى الدعاية دون أن يكون لها دلالات أخرى.

الأسوأ من هذا الاستغلال الرخيص هو إفراز وتصعيد هذه الدعاية لمعدومى ومتوسطى الموهبة الذين يستغلون الدعاية ليقدموا أنفسهم على أنهم الأفضل، يومًا كان ناصر حسين يخرج عشرات الأفلام فى وقت قياسى الأمر الذى كون أفلام المقاولات، تلاه صعود جيل جديد بقيم ما يسمى السينما النظيفة وادعاء الأخلاق ومع إفلاسهم الفنى فى الوقت الحالى تشبثوا بالإيرادات ليتصدروا، أحمد حلمى مثال على ذلك، فيلمه «لف دوران» واحد من أسوأ ما أنتج من أفلام فى الفترة الأخيرة وتصدر الفيلم موسم عرضه باعتباره أعلى إيراد يومى فى السينما المصرية على الرغم من أنه لن يبقى فى ذاكرة السينما من الأساس، الآن أسماء مثل محمد سيد بشير بعدد محدود من الأعمال الفنية مطموسة الهوية وبلا خبرة أو أساس أو تفوق يدعون أنهم الأفضل انطلاقًا من أن أفلامهم حققت أعلى الإيرادات، لو افترضنا أن هناك قائدا لمثل هؤلاء من مدعى الفن فلن يكون سوى بيتر ميمى، المخرج معدوم الخيال والإبداع الناقل الأمين لإنتاج الولايات المتحدة بأرخص وأسوأ الطرق الممكنة والذى تحتل آخر أعماله «حرب كرموز» صدارة الإيرادات فى موسم عيد الفطر 2018.

من اللحظة الأولى التى تتابع فيها مشاهد «حرب كرموز» شعور قوى ينشأ أن الفيلم هو نسخة باهتة من Dunkirk لكريستوفر نولن عام 2017، خاصة مع تشابه موسيقى الفيلم التصويرية مع ما ألفه هانز زيمر لفيلم Dunkirk، لكن الفيلم الذى يحمل توقيع ميمى ليس فقط كمخرج لكن كسيناريست أيضًا أقل بسنوات ضوئية عن فيلم نولن حتى إنه أقل فنيا من الأفلام الخفيفة التى تنافسه فى نفس الموسم، لكن استنادًا على طريقته فى الدعاية لنفسه وفيلمه يحقق نجاحات حتى لو الفيلم أقل من المتوقع، كل ما يحتاجه فقط تريلر مبهر للفيلم ودعاية عبر وسائل التواصل الاجتماعى عن أهمية الفيلم وكيف تمت صناعة الفيلم بمقاييس عالمية.

وجود سكوت آدكنز المشهور فى مصر بشخصية «بويكا» فى الفيلم لا يجعله عالميًا، والتعرض لفترة الحرب العالمية الثانية لا يجعله تاريخيًا، والمعارك المليئة بالمجاميع والانفجارات لا تصنفه كفيلم حركة، ومشهد المواجهة بين أمير وسكوت لم يكلل محاولات الأول فى تصدير نفسه كبطل أفلام الحركة المصرى رقم 1 فالثانى ليس بطل أفلام حركة من الفئة الأولى أساسًا ومحاولات أحمد السقا المستميتة فى أن يظهر وكأنه الأب الروحى لمشاهد الحركة فى مصر ودعمه لجيل جديد يكمل المسيرة بعده فى العراك و«الجدعنة» مجرد تمسك بأمجاد صنعتها فى الأساس الأفلام الكوميدية فى السنوات الأخيرة من التسعينيات الماضية، فلا السقا نجم حركة ولا أمير والمواجهة مع سكوت تظهر بالفعل صاحب «الضرب القديم» والفارق الضخم فى لياقة سكوت جعل من أمير وتفوقه على من أشبعه ضربًا بدفعة ساذجة فشل فى إتقانها من قدمه فى نهاية المعركة، يحتاج بيتر ميمى أن يقف مع نفسه ويشاهد ما صنعه شريكه فى المنافسة خلال موسم عيد الفطر 2018 المخرج حسين المنباوى وكيف قدم مشاهد الأكشن فى فيلم كوميدى عله يتعلم، ويدقق أيضًا فى استغلال حسين لضيوف الشرف فى فيلمه وكيف حقق نجاحا من خلال ظهورهم، فوجود إيمان العاصى لم يتخط أن يضربها أمير بشكل مستفز فى بداية الفيلم وكذلك الحال مع روجينا التى أضافت فقط لدوره عدة صرخات ملتاعة على أخيها يوسف (أمير كرارة) وعندما تضم محمود حميدة لفيلم من إخراجك يجب أن تحرص على أن يتخطى دوره ترديد جملة «أمك صاحبتى» وبالتأكيد عدم ظهور غادة عبدالرازق بهذا الشكل الهزلى المنافى لكل واقع عن فتاة الليل فى أى مكان بالعالم وفى اى حقبة زمنية.

عادة لا يطالب الفيلم التاريخى بأن يلتزم بالسياق التاريخى وما حدث فعلًا، كونه عملا خياليا يمنحه مساحة حرية كبيرة يتفنن الصناع فى استغلالها، الفيلم الذى يعارضه بيتر بفيلمه هو Dunkirk وعلى الرغم من أن المقارنة مجحفة فبناء السيناريو فى الأخير أقل وصف له أنه متفرد بعدم اعتماده على الحوار وخطوطه الزمنية المتشابكة التى تميز ما يقدمه نولان عادة، لكن بالبحث عما يميز بيتر لا نجد سوى السرقة القبيحة والمشوهة من الأعمال الأمريكية، لذلك خرجت الفترة التاريخية التى تسير خلالها أحداث الفيلم مشوهة بشكل لا يصلح معه محاولة مدارتها باللجوء إلى الخيال ليغطى هذه الأخطاء، على المستوى الشكلى المخرج الذى ادعى دراسته للفترة التاريخية، فلا الملابس تحاكى ملابس الفترة بالتأكيد لم تكن هناك عاهرة محترفة تسير بهذه الملابس فى الشارع وبالتأكيد لم تكن تذهب وحيدة لتنال ختم الإجازة على رخصتها، والجنرال الإنجليزى الحاكم العسكرى على مصر يحمل على أكتافه رتبة كولونيل والتى تعادل عقيد فى ترتيب الرتب المصرية وعلى الرغم من ذلك الحوار يعرفه على أنه جنرال وهى رتبة عسكرية بريطانية تعادل فريق أول فى الرتب المصرية، الأسلحة والمركبات أيضًا مهزلة فى العربات الهجينة والمدرعات الخفيفة التى ظهرت فى الفيلم لم تستخدم فى أى جيش بالعالم وهى من السوء والقبح الذى يجعلها لا تصلح للقتال فى معركة أطفال فى إحدى الحوارى وليس لها أى مردود فى التسليح البريطانى فى الحرب العالمية الثانية التى ادعى المخرج إنه شاهد أفلام وثائقية عنها، حتى أبسط قواعد الاشتباك أن يرتدى الجنود والضباط خوذات معدنية، لكن بالنسبة للخالدين فى حرب كرموز لا تنطبق عليهم هذه القاعدة، وبالطبع مسدس البكباشى يوسف المصرى (أمير كرارة) الماجنوم 500 لم يبدأ إنتاجه وتصنيعه قبل عام 2000، وعدد مدافع الهاون الذى أطلق فى المعركة الليلية كفيل بهدم حى كرموز بأكمله وليس القسم فقط، لكن المنطقة بأكمها صمدت وسقط الجيش البريطانى بقائده المشكوك فى رتبته هل هو فريق أول أم عقيد، ربما تكون كل هذه التفاصيل معقدة لم يشاهدها المخرج الفذ ضمن ما شاهد من أفلام وثائقية عن هذه الفترة التاريخية، لكن ألا يستطيع التمييز بين اللكنة الأمريكية واللكنة البريطانية، هل يعقل أن يتحدث ضباط فى جيش جلالة الملكة بلكنة أمريكية!

قد يمر الفيلم مرور الكرام لو اعتبره صناعه مجرد عمل فنى فى موسم هدفه جلب الإيرادات فهذا هو المنطقى والمقبول مثله مثل أفلام الخلطة السبكية الشهيرة التى ما إن يمر أسبوع على عرضها ينساها الجمهور، لكن التعاطى مع هذا العمل بوصفه عالميًا ومنضبطا فنيًا ويمكن مناقشته وتحليله من هذا المنطلق فهو الجنون بعينه، ولو المقياس الإيرادات فـ «شارع الهرم» حقق إيرادات غير مسبوقة واستمر عرضه لأكثر من شهرين، أما عن النجومية فالأخوان السبكى صنعا فى فترة سابقة من تامر حسنى وسعد الصغير ممثلين تصدرا شباك الإيرادات لكن محتوى ما قُدم هو ما يصنع الاستمرارية، أين سعد وتامر الآن من السينما؟ هو السؤال المهم.