منال لاشين تكتب: تحديات الولاية الثانية

مقالات الرأي



تشهد هذه الولاية انتهاء برنامج الإصلاح الاقتصادى وتوقعات الشعب بتحسن أحوالهم

رسم خريطة سياسية جديدة قد ينقذ الأحزاب

الإعلام يتجه إلى شكل جديد فى المضمون والملكية بعيدا عن سيطرة رجال الأعمال


يوم السبت 2 يونيو يحلف الرئيس السيسى القسم الدستورى للمرة الثانية ولكنها المرة الأولى أمام البرلمان، وبهذا القسم بإجراءاته الدستورية تبدأ فعليا الولاية الثانية للرئيس، ولكل ولاية تحدياتها وأجندتها وأولوياتها وإنجازاتها أيضا، وبلغة أهل البرمجة فإن الولاية الأولى للرئيس ركزت أكثر على الهارد وير والولاية الثانية ستركز على السوفت وير، وبلغة السياسة فإن أهم إنجازات الولاية الأولى كانت المشروعات قناة السويس ومدن وطرق.. باختصار بنية أساسية، ولكن الولاية الثانية سيكون طابعها الاهتمام بالسياسة والإعلام والتعليم وبرامج الصحة، ولكن ذلك لم يؤثر على استمرار المشروعات التى بدأت فى الولاية الأولى، ولكن ثمة تحديات قد يكون لها أولوية فى التعامل معها فى هذه الولاية.


1- توقعات المواطن

بدأ برنامج الإصلاح الاقتصادى فى الولاية الأولى للرئيس ثم وقعت الحكومة برنامجاً مع صندوق النقد للحصول على قرض بـ12 مليار دولار. مدة الاتفاق أو البرنامج ثلاث سنوات، وينتهى هذا البرنامج فى الولاية الثانية للرئيس، وقد تحمل المواطن الكثير من الأعباء نتيجة هذا البرنامج.. أما الأعباء المرتبطة بقرار تعويم الجنيه المصرى أو قرارات خفض الدعم عن كل من الكهرباء والمواد البترولية من بنزين وسولار وغيرهما، وبالمثل خفض الدعم الموجه للمواصلات فزادت مرة بعد أخرى أسعار تذاكر المترو والسكك الحديدية. هذه الحزمة من الإجراءات قد تساند وتدعم برنامج الإصلاح، ولكنها ضغطت كثيرا على المواطن، وبالتالى فإن المواطنين أو على الأقل كثير من المواطنين لديهم توقعات بأن تتحسن أحوالهم بمجرد انتهاء برنامج الحكومة للإصلاح الاقتصادى وبشكل رمزى فإن انتهاء البرنامج مع الصندوق سيعد مؤشرا للمواطن على انتهاء برنامج الإصلاح، وبالتالى يتوقع المواطن أن تتحسن أحواله بعد انتهاء البرنامج مثلما وعدته الحكومة، فالنظرية التى تسوق للمواطن الآن التحمل والمعاناة هى مرحلة أو فترة يليها تحسن الأحوال بشرط الالتزام بإجراءات برنامج الإصلاح الاقتصادى، ولذلك فإن مواجهة توقعات الناس المشروعة بتحسن أحوالها هو تحدٍ مهم خاصة إذا قيس فى إطار معاناة المواطنين الطويلة فى انتظار تحسن أحوالهم، وهى معاناة سابقة على الولاية الأولى للرئيس السيسى بل على ثورتى 25 يناير و30 يونيو.


2- خريطة السياسة

بدت الولاية الأولى للرئيس أكثر اهتماما بالاقتصاد وإنقاذ المؤسسات الدستورية للدولة من الاهتمام بالسياسة، ولكن الخطابات الأخيرة للرئيس والسابقة على الولاية الثانية حملت من الكلمات ما يعكس اهتمام الرئيس بالحياة السياسية وتقوية ودعم المعارضة، وثمة اهتمام بالحياة السياسية من جهات عدة بدعم الحياة السياسية والحزبية، هناك تصور بإعادة رسم الخريطة السياسية فى مصر، وهى خريطة تتميز الآن بكثرة الأحزاب الضعيفة وغلبة المستقلين فى البرلمان على الحزبين، وكلا الأمرين يضعفان الحياة الحزبية أغلبية ومعارضة، والتصور الآن أن الحياة السياسية أو بالأحرى الحزبية هو النموذج الأمريكى، نموذج الحزبين الكبيرين وحزب معارض كبير، بينما تنضوى بقية الأحزاب الصغيرة داخل عباءة الأحزاب الكبيرة، وبذلك تتضح ملامح ثابتة وقوية للحياة الحزبية بدلا من حالة السيولة والضعف التى تتميز بها الأحزاب الآن، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، لأن الأحزاب لا تصنع بقرار أو تفصل بمجرد وجود ترزى سياسة ولو كان ترزى شاطر، ولدينا تجربة مصرية خالصة، فقد بدأت الأحزاب بقرار من الرئيس السادات من خلال تكوين المنابر، ثم التحول إلى أحزاب، ولكن ارتباط التجربة بالسلطة وليس الشعب أدى إلى فشل الحياة الحزبية فى مصر، ولذلك فإن بناء حياة سياسية جديدة هو تحدٍ جديد فى الولاية الثانية.. تحدٍ مهم وحاسم لأنه يتعلق بواحدة من أهم وأعمق مشكلات مصر، فأزمة الديمقراطية أو بالأحرى إقامة حياة ديمقراطية سليمة كان الهدف الوحيد الذى لم يتحقق من أهداف ثورة 23 يوليو أى منذ أكثر من 60 عاما.

يرتبط برسم الخريطة السياسية تحد آخر هو بقاء الأحزاب الدينية أو الأحزاب على أساس دينى خاصة أحزاب السلفيين، فمواجهة أو بالأحرى التعامل مع الأحزاب الدينية تحد آخر مهم.


3- الإعلام

تخللت الولاية الأولى للرئيس السيسى شكوى وعتاب وأحيانا غضب من الإعلام خاصة الإعلام المرئى على الفضائيات، بل إن الرئيس السيسى قال ذات مرة إن عبدالناصر كان محظوظا بإعلامه، ولم يكن فى أيام الزعيم جمال عبدالناصر إعلام خاص، كما أن ثمة رقابة معلنة كانت مفروضة على الصحف المملوكة للدولة، ولم يدخل التليفزيون مصر إلا فى عام 60 وكان جهازاً عاما ومملوكا للدولة أيضا مثله مثل الإذاعة أو الراديو، ولا شك أن ملكية القنوات والصحف لرجال الأعمال أو بالأحرى لعدد محدود جدا من رجال الأعمال كانت تثير مخاوف الكثير من الخبراء من سيطرة رأس المال على الإعلام، ودخول رأس مال أجنبى تحت عباءة الاستثمار فى الإعلام يثير القلق أكثر، ولذلك أتوقع أن تتغير شكل الملكية فى القنوات خلال الولاية الثانية ويتغير شكل وطبيعة ومحتوى الإعلام المرئى الخاص، ولكن ثمة تحديًا كبيرًا وخطيرًا فى العلاقة الجديدة بين الإعلام والدولة، فتنوع القنوات وملاكها رغم مخاطره إلا أنه كان يوفر تنوعاً مماثلاً فى المحتوى والتوجهات، وهذا التنوع يثرى المجتمع من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن هذا التنوع يحقق للمواطن الاكتفاء الذاتى من خلال إعلام بلده وليس من قنوات أخرى أجنبية.

ولذلك فإن تغيير خريطة الإعلام يجب أن يضمن استمرار الجاذبية للإعلام المصرى وتنوعه، ثمة تحد آخر يتصل بالإعلام المصرى الذى يميل الآن إلى الفن والمنوعات والبرامج والأفكار الخفيفة، وربما لا يزعج هذا الوضع البعض، وذلك بزعم أن المواطنين ملوا من السياسة وهذا تحد آخر فنحن نحتاج إلى إعلام متوازن لا يثقل على المواطن بأمور السياسة ولكنه فى الوقت نفسه لا يخاصم السياسة حتى لا يفقد المواطن اهتمامه وعلاقته بالشأن العام ، أعتقد أن إعادة هيكلة الإعلام والصحافة تحتاج إلى جهد كبير وتحرك حساس فأمراض الإعلام لا تعالج بالجراحة ولكن بالأدوية والوقت لنعبر تحدى الإعلام دون خسارة للمشاهد والقارئ المصرى أو تحوله إلى قنوات أخرى.

وأخيرا ولاية أخرى جديدة موفقة بإذن الله للرئيس السيسى ولاية تستكمل إنجازات الولاية الأولى وتركز على بناء عقل مصر السياسى، ولاية أتمنى أن تفتح أبوابها ونوافذها للحريات وتفتح الأفق السياسى، ولاية جديدة موفقة إن شاء الله.