د. أحمد أبو رحيل يكتب: الجميع مرضى نفسيين!

مقالات الرأي



نلاحظ إنه من الوهلة الاولى لقراءة هذا العنوان ,إنه يثير حفيظتكم بل وقد يثير غضبكم على اعتبارإنه لفظ سئ ،ويقصد به النقص والدونية والإهانة .

ولكن العكس بالعكس هو الصحيح تماًماً،فهو عنوان لمقالة تحاول أن تطرح او توضح  رؤية جديدة فى التعامل وفى العلاقات الاجتماعية بين البشر،وتعمل على إيجاد مبررات للسلوكيات الغير سوية للاشخاص تجاه انفسهم وتجاه بعضهم البعض.

وتحاول ايضا ايجاد أعذاراًلبعض التصرفات التى يفعلها الاشخاص تجاه بعضهم البعض، حتى  ننمى لدينا  ثقافة التسامح والعفو والغفران لبعضنا البعض، فلو صدر تجاهك فعل غير سوى من شخص وعلمت انه شخص مريض نفسى، فأقصى ماتفعله هو محاولة صد هذا الفعل عنك والدعاء له الشفاء ،وهذا هوما أرغب فى الوصول اليه ان نتبنى رد الفعل هذا  .

فدعونا نوضح وجهة نظرنا من وراء هذا العنوان وهذه المقالة مدعماً بوجهة نظر رائد من رواد علم النفس الحديث وهو ((الفرد ادلر))
"فيقول فقد اوضحت دراستنا للامراض العصبية أن الاختلالات النفسية والعقد والاوهام الموجودة فى الامراض العصبية لاتختلف جذريا فى بنائها عن السلوك الطبيعى للفرد العادى ، فإن لها العناصر نفسها واطوار النمو والتطور نفسها  ولكن الخلاف الوحيد انها تظهر بوضوح على الشخص المريض ولاتظهر بوضوح على الشخص السوى."

وعلى ذلك نرى أن الجميع لديهم هذه السلوكيات الغير سوية ،وإنها تظهر ايضاً فى بعض تصرفاتهم، ولكن لم يتم التعود عليها وممارستها بشكل مستمر ودورى، وإلا تحول الشخص السوى إلى شخص مريض . 
فالجميع لديه نفس السلوكيات الغير سوية ،ولكن عندما تسمح الظروف لظهور مثل هذه السلوكيات تظهر بوضوح.

وهذا هو مشاهد كثيراً فى حياتنا اليومية عندما نواجه اشخاص لديهم العديد من الشخصيات ،فهم يتحولون وتتحول معهم  تصرفاتهم ،والحقيقة نحن نفاجئ من مثل هذه التصرفات ،ولكن هذه هى الطبيعة النفسية التى يجب ان نكون على وعى بها.ونرى ايضاً ان الناس ينظرون إلى الشخص ((المتفوق الناجح)) ـ بإعتباره قدوة حسنةـ  على إنه شخص معتدل وسوى ولا يعانى من اى اضطرابات نفسية .

وهذا هو الخطأ بعينه فهو اكثر شخص كان يعانى من مشاعر الدونية والنقص وعدم الكفاية وعدم الثقة بالنفس،فتفوقه هذا ماهو الا محاولة منه للتغلب على كل هذه المشاعر ،فلو كان يشعر بالكمال فلماذا يسعى الى تعويض النقص بالعلم مثلاً؟

ولوكان يشعر بالمكانة الاجتماعية فلماذا يسعى الى الوصول الى المراكز الاجتماعية او الادبية او السلطوية للتغلب على مشاعر الدونية ؟

صحيح ان كل هذه المشاعر التى يشعر بها الناجح هى فى مرحلة الطفولة ،ولكن علينا ايضا ان نعلم انه من أصعب الاشياء على الفرد أن يحاول الخروج على انماط السلوك التى اعتاد عليها خلال المراحل المبكرة فى حياته ،حتى انه يمكن القول بأن اعداد قليلة جداً من الافراد استطاعوا تغيير انماط سلوكهم الطفولى التى اعتادوها ،حتى اذا وجد الفرد نفسه فى وضع مختلف تماماً،فانه يظل متمسكاً بنمط سلوكه السابق .

وعلى هذا فإن الشعور بالنقص الذى نعتبره سبة واهانة هو فى الاساس اصل الانجاز والنجاح ،وعلى هذا فيجيب علينا أن نكون على وعى بأمور أنفسنا وحقيقتنا حتى نستطيع العيش فى سلام وامن ،فإن الانسان لن يستطيع أن يحدد موقفه  من غيره من قبل ان يحدد موقفه من نفسه . من هو؟من يكون ؟ ماذايريد ؟ وبدون هذا الحسم للهوية الانسانية الذاتية،لايمكن تحديداى موقف فعال من اى قضية من قضايا المصير،بل يجب عليه اكثر من ذلك وهو معرفة خصائص النفس البشرية .

ونحن هنا لانقصد النقص فى العلاقات او التعاملات بعينهما  وانما نقصد النقص فى الامكانيات التى قد يشتمل عليهما ،حيث ينظر الجميع الى الشخص الناجح بأنه شخص معصوم من الخطأ وكأنه لم يكن له نفس سمات النفس البشرية ،وهذا ما يجعل الكثيرمن الاشخاص ينصاعون لبعض القيادات على اعتبار انهم قيادات ومؤهلين فى مجال ما ،على اختلاف تخصصاتهم ومجالاتهم فى الحياة،انا هنا لا اهاجم فكرة القيادة او التبعية وانما اهاجم فكرة التبعية العمياء والقيادة الغير مؤهلة وانه يجب ان نعمل عقولنا قبل ايدينا.

ومن هنا تجد كثير من الصدمات النفسية  عندما تنظر الى شخص ما وتعتبره نبراصاً لك فى الحياة وانه الشخصية المثالية ،وعندما تجد منه تصرف تظهر فيه بعض صفات وطباع البشر الغريزية قد تتهمه بما لايحمد عقباه ولا يحبب اثره على النفس، وقد تفقد الثقة فى باقى البشر، فقد فقدت الثقة فى القدوة فهل لك الحق فى ان تثق فى الاشخاص العاديين!! .

انا هنا لم اقدم مبررا على الافعال الغير سوية للبشر، بل على العكس انا اقدم اللوم وانه يجب ان نتحلى بالاخلاق الكريمة كلاً فى مجاله ،وان نتمسك بأ دبيات ديننا التى هى  عصمة امرنا ،فالطبيعى ان النفس البشرية يجب ان تحاط بشئ ذو قيمة يحميها ويرشدها ولا نترك لها الحبل على الغارب ،ولكن ماأخشاه هنا ان تفقد الثقة فى الاخرين وفى الحياة وتفقد الامل عندما تتعرض لبعض التصرفات من بعض الاشخاص الذين كنت تظن انهم ملائكة او على الاقل بشر لايخطئون.

فمثلاً اذ لم يكن لديك معرفة بطبيعة النفس الانسانية  قد تفقد الثقة فى البشر بسبب تصرف بعض اساتذتك التى كنت تعتبرهم قدوة او بسبب تصرف بعض ائمة المساجد، او تصرف بعض قادة الفكر ...

وفى الختام اعلم انه قدينظر البعض الى عنوان هذه المقالة.

((الجميع مرضى نفسيين ))والمقالة السابقة ((كلنا فاسدون)) على إنها مقالات قاسية تحمل فى طياتها اهانة وظلم وجور على الانسان ،ولكن هذا ليس صحيح على الاطلاق، فهى قد تكون قاسية فى شكلها ولكن حليمة فى مقصدها متسامحة فى معناها تدعو العفو والغفران للاخر ، فهى دعوة لصفاء النفوس وهى مقالات تدعو الى تقبل تصرفات بعضنا البعض وأن نلتمس لانفسنا وللاخرين الاعذار، فهى تدعو الى السلام والامن والعيش فى وطن هادئ يسوده المحبة التسامح ،وهى نابعة من مبادئ الاديان السماوية وعلى رأسها الاسلام، فيقول الرسول الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ألتمس لأخيك سبعين عذراً،ولم اجد عذرا للاشخاص اكثر من انهم مرضى نفسيين فالجميع يتسامح مع المريض النفسى  بل ويدعوا له بالشفاء على الرغم من انه قديكون سبب لهم المضرة  وهذا هو المقصد من وراء هذا المقال. 

وعلى هذا فقد اردت ان اوضح حقيقة الطبيعة البشرية حتى نلتمس لها الاعذار على تصرفاتها وليس من أجل ان ننصب لها المشانق ونضع لها القيود ونبنى لها السجون ولكن لتقبل الاخر بصدر رحب .

حيث اننا اليوم امام تحد مهم ومسئولية جسيمة وهى انارة الطريق وتصحيح مسار الافكار ومساعدة المعتلين على الخروج من النفق الذى ادخلوا فيه مجبرين لمواجهة عمليات طمس عقولهم وارادتهم..

حفظ الله العقول ،وهذب الله النفوس،وانعم الله على المجتمع بالسلام