عادل حمودة يكتب: خروج ترامب من الاتفاق النووى سيرفع الأسعار فى مصر

مقالات الرأي



فضائح 40 سنة من الحروب الخفية السياسية والمخابراتية والعسكرية بين إيران وأمريكا

مصر شاركت فى عملية كارتر الفاشلة لتحرير رهائن السفارة الأمريكية فى طهران

بتحريض من ريجان باعت إسرائيل أسلحة متطورة إلى إيران لتدمير صدام حسين.. والولايات المتحدة قدمت خرائط الأقمار الصناعية عن الجبهة العراقية


فى الساعة السادسة والنصف من مساء يوم 20 يونيو عام 2009 سقطت طالبة الفلسفة التى تهوى الموسيقى ندا أغا سلطان فى أحد شوارع طهران غارقة فى دمها بعد أن أطلقت ميليشيات الباسنج بملابسها السوداء النار على مسيرة غاضبة احتجاجا على إعادة انتخاب أحمدى نجاد رئيسا للجمهورية.

وقعت عباءتها السوداء الطويلة «الشاتو» إلى جانبها كاشفة عن بنطال جينز وحذاء رياضى وبينما الدم ينفجر بغزارة من فمها مغطيا وجهها لم تقل سوى جملة واحدة قبل أن تغمض عينيها : «إننى أحترق إننى أحترق».

تسبب قتلها فى عاصفة من الاحتجاجات الدولية بعد نشر الفيديو الذى يصور الحادث على جميع شبكات الإنترنت لتصبح الفتاة التى لا يزيد عمرها على ستة وعشرين عاما رمزا للمأساة الإنسانية السياسية فى أكبر مظاهرات أقلقت إيران منذ الثورة الخومينية عام 1979.

كالعادة ألقت الحكومة الإيرانية باللوم على المخابرات الأمريكية التى تدير ما يعرف باسم عمليات القوة الناعمة منذ عهد الرئيس جورج بوش وأغلقت شبكات التواصل الاجتماعى وطردت عددا من الدبلوماسيين البريطانيين وغالبية الصحفيين الغربيين.

وفى الوقت نفسه هدد الكونجرس بحزبيه الديمقراطى والجمهورى بفرض عقوبات صارمة على كل من يتعامل مع إيران.

ووجد الرئيس الأمريكى باراك أوباما نفسه فى ورطة فقد سبق أن دعا المرشد الأعلى على خامئنى لمفاوضات مباشرة حول النشاط النووى الإيرانى وطالبه بفتح مكتب لرعاية المصالح الأمريكية فى طهران والتعاون معا لتحقيق الاستقرار فى العراق وأفغانستان ولكن إيران رفضت مصافحة اليد الممدودة من الشيطان الأعظم.

فى شهر يوليو التالى ألقى أوباما خطابه الشهير فى جامعة القاهرة داعيا إلى بداية جديدة فى الشرق الأوسط بين الإسلام والغرب مطالبا إيران بتجاوز الماضى والمضى قدما معا دون شروط مسبقة ورغم أن إيران لم تعلن قبولها المبادرة فإنها سمحت لمفتشى هيئة الطاقة النووية بمعاينة مفاعل آراك الذى يعمل على الماء الثقيل ومنشأة نطنز التى تنتج اليورانيوم المخصب، ولكن فى المقابل طلبت إيران من الوكالة الحصول على وقود نووى من أجل مفاعل طهران الصغير للبحوث الذى ينتج نظائر مشعة للاستخدام الطبى لعلاج عشرة آلاف مريض بالسرطان فى الأسبوع.

لكن الأخطر أن أوباما توسط لدى روسيا لتخصب فى مفاعلاتها 80 % من مخزون إيران من اليورانيوم ولو حولته إلى قضبان وقود نووى فى أماكن أخرى وفى الوقت نفسه فاجأت واشنطن إيران وأحرجتها عندما كشفت عن منشأة نووية سرية يجرى بناؤها فى مدينة قم المقدسة.

على أن الاستسلام الأمريكى لإيران لم يبدأ من أوباما وإنما بدأ من بوش الذى سبق أن وضعها فى محور الشر بجانب سوريا وكوريا الشمالية.

لقد جربت الولايات المتحدة منذ سقوط الشاه الكثير من الخيارات السياسية والمخابراتية والعسكرية لتحجيم إيران لكنها فشلت بل أكثر من ذلك لم تستطع الرد على العمليات الإرهابية الموجعة التى نفذتها إيران ضدها ونالت الفضيحة رؤساء الولايات المتحدة «كارتر وريجان وبوش الكبير وكلينتون وبوش الصغير» بلا استثناء.

لم يستطع كارتر إنقاذ النظام الإمبراطورى من السقوط وما أن أعلن استضافة الشاه فى الولايات المتحدة للعلاج من السرطان حتى استولى الطلاب الإيرانيون على السفارة الأمريكية فى طهران واحتجزوا 52 رهينة لمدة 444 يوما من 4 نوفمبر 1979 إلى 20 يناير 1981 ولا تزال إيران تصف يوم احتلال السفارة الأمريكية بـ « اليوم الوطنى لمواجهة الاستكبار العالمى» وتعتبره عطلة رسمية.

وضعت خطة «مخلب النسر» لإنقاذ الرهائن باستخدام قوة «دلتا» للانتشار السريع وجرى التدريب عليها فى الولايات المتحدة والأردن ومصر وسلطنة عمان وفى يوم 24 إبريل 1980 أعطى كارتر الإذن بالتنفيذ وهو موعد رتبته المخابرات المركزية مع شبكة من المناهضين للخومينى كان عليهم التجمع فى ملعب قريب من السفارة الأمريكية تهبط فيه طائرات الهيلكوبتر لانتشال الرهائن ولكن العملية ألغيت بسبب أعطال فنية فى الطائرات وتحطم بعضها وفر 11 ضابط مخابرات أمريكيا كانوا قد تسللوا إلى إيران وغادروا مطار طهران متنكرين فى هيئة رجال أعمال.

ووافق ريجان على تجنيد شخصيات عسكرية وسياسية إيرانية لقلب نظام الحكم فى إيران، ولكن إيران ردت عليه فى لبنان بما أوجعه.

فى 7 إبريل 1983 اندفعت سيارة مفخخة نحو واجهة السفارة الأمريكية فى بيروت لتفجره وبلغت الحصيلة 63 قتيلا بينهم 17 أمريكيا والأخطر أن التفجير أجهز على حياة سبعة من ضباط المخابرات الأمريكية بمن فيهم رئيس المحطة ونائبه ورئيس عمليات الشرق الأوسط.

وفى 23 أكتوبر من العام نفسه انفجر ما يعادل 20 ألف رطل من المتفجرات تعززها أسطوانات الغاز القابلة للاشتعال فى مقر المارينز فى بيروت ليقتل 241 جنديا أمريكيا و58 جنديا فرنسيا و8 مدنيين بينهم منفذو العملية التى خطط لها بأمر من طهران عماد مغنية القائد ذائع الصيت فى حزب الله الذى نفذ عمليات أخرى ضد الأمريكيين منها اختطاف طائرة تابعة لشركة تى دبليو إيه عام 1985 ولم يكن عمره يزيد على 25 عاما.

لكن الفضيحة الأكبر لريجان كانت إيران جيت حيث سمحت إدارته أن تبيع إسرائيل لآيات الله صواريخ مضادة للدبابات طراز تاو وهوك فى الحرب العراقية الإيرانية مقابل الإفراج عن الرهائن ولكن لم يسفر شحن 504 صواريخ إلا عن تحرير رهينة واحدة جرى تعويضها فيما بعد بخطف 3 أمريكيين من شوارع بيروت.

تفجرت الفضيحة فى عام 1985 وقت أن كانت الولايات المتحدة تساند العراق حتى إنها طلبت من مصر بيع بعض من الأسلحة السوفيتية التى لديها إلى صدام حسين دعما له ولكنها أجبرت بجانب بيع الصواريخ للإيرانيين أن تقدم إليهم معلومات استخباراتية عن مواقع القوات العراقية أسفرت عن تراجعها ميلا ونصف الميل إلى الخلف عن الخطوط الأمامية.

وفى الساعة الثامنة من صباح يوم 25 مايو 1986 هبطت طائرة إسرائيلية بلا علامات مطار طهران لينزل منها فريق من تل أبيب «يمثله عمير أم نير» وواشنطن «يمثله بولد ماكفرين وأوليفر نورث وجورج كاف» للتفاوض مع الإيرانيين حول 12 دفعة سلاح إضافية تنتظر فى إسرائيل الإفراج عن الرهائن وكان فى استقبالهم قيادات من الحرس الثورى اتجهوا بهم إلى فندق «الأستقلال» أو الهيلتون سابقا حيث جرت المفاوضات السرية المباشرة بين الطرفين.

لكن الإيرانيين وجدوها فرصة لفرض المزيد من الشروط وضعها حزب الله فى لبنان على الأمريكيين منها انسحاب إسرائيل من الجولان وتعويض مالى للمتضررين من أهلها وإطلاق سراح 17 سجينا شيعيا اعتقلوا فى الكويت لمشاركتهم فى تفجيرات جرت هناك فى يوليو 1983.

ولم تفشل المفاوضات فقط وإنما طالب خليفة المرشد الأعلى آية الله منتظرى علنا بإعدام كل من اجتمع بالأمريكيين.

ودون تردد بدأت إيران فى تهديد ناقلات النفط والسفن الغربية والخليجية التى تمر عبر مضيق هرمز، مما اضطر الكويت إلى تسجيل ناقلاتها وسفينتها فى الولايات المتحدة ورفع العلم الأمريكى عليها لكن ذلك لم يمنع إصابة العديد من السفن العابرة بألغام بحرية زرعها الحرس الثورى بتمويل من معمر القذافى تنفيذا لخطة أطلق عليها « غدير » نسبة إلى معركة شيعية جرت منذ زمن بعيد.

وبتولى جورج بوش الأب الرئاسة وجد نفسه أمام فضيحة غير متوقعة عندما كشفت المخابرات الإيرانية شبكة التجسس الأمريكية التى كانت تجند عملاءها فى فرنكفورت وجرى اعتقال 40 رجلا عرض بعضهم على شاشة التليفزيون، حيث اعترفوا بجرائمهم وطبق عليهم شرع الله- حسب ما أعلنه هاشمى رافسنجانى رئيس البرلمان والرئيس المستقبلى للبلاد.

وأجبر بوش الكبير فى نوفمبر 1989 على الإفراج عن 567 مليون دولار مجمدة فى حسابات إيران الخارجية عربونا على حسن النية فى انتظار الإفراج على الرهائن ولكنه لم يحصل إلا على بائع أناجيل أمريكى اختطف فى بيروت هو إدوارد تريسى. وما إن تولى كلينتون السلطة حتى كشف عن نية إيران فى امتلاك أسلحة نووية تتمكن بها من السيطرة على الخليج وتواجه بها العقوبات المفروضة عليها من الغرب وتوقعت التقديرات المخابراتية أن تمتلك إيران القنبلة النووية بحلول عام 1999 لتشكل بعدها أعظم تهديد للدول العربية والمصالح الغربية.

ولكن إيران لم تنتظر حصولها على القوى النووية ودربت فى سوريا مقاتلى حزب الله فى السعودية ليخرج من تحت يدها أحمد المغسل الذى نسفت خلية من رجاله مكونة من 15 عضوا فى 25 يونيو 1996 المجمع السكنى المخصص لسكن العسكريين الأجانب فى مدينة الخبر بمتفجرات بالستية تزن 5000 ألف رطل هربت من لبنان فى أكياس سعة الواحد منها 50 كيلو جراما وانقشع الغبار عن مقتل 19 أمريكيا وإصابة 372 جريحا.

وأمام غضب كلينتون وضع الجنرال أنطونى زينى قائد القيادة المركزية خطة عسكرية لغزو إيران وإسقاط النظام بالقوة المسلحة ولكنه كان يحتاج لتنفيذها إلى نصف مليون جندى وثلاث سنوات من القتال وهو ما يعنى أنها لم تكن واقعية.

وبتلقى جورج بوش الابن صدمة هجمات سبتمبر 2001 تغيرت البوصلة من إيران إلى أفغانستان والعراق وسعت إدارته المصابة بالحول السياسى إلى الإطاحة بصدام حسين مانحا الإيرانيين مكافأة سخية رغم سوء سلوكهم الذى وصل إلى حد استضافة 500 مقاتل من تنظيم القاعدة كان من بينهم «سعد» الابن الأكبر لأسامة بن لادن.

ورغم الثرثرة الفارغة التى واجه بها بوش التصرفات الإيرانية فإنه استسلم إلى خطة معلمته كواندليزا رايس بتغيير النظام فى إيران بالتحول الديمقراطى وأكدت فى خطاب الجامعة الأمريكية فى القاهرة يوم 20 يونيو 2005: «أنه حان الوقت لقلة غير منتخبة أن ترفع قبضتها وتلبى تطلعات الشعب الإيرانى للتغيير».

ولكن الأهم فى خطتها كان عرضها لتحجيم القوة النووية الإيرانية بالمفاوضات المباشرة بعد أن بنت إيران مفاعل الماء الثقيل فى آراك، وتأكد أنها لديها تصميمات لرأس حربى نووى مدمج يمكن لصاروخ شهاب الإيرانى الطويل المدى حمله حسب الوثائق التى سربها للمخابرات المركزية فريق من المهندسين الإيرانيين جرى شراء ما لديهم من معلومات مقابل عشرة ملايين دولار.

وفى يوليو 2008 بدأت المفاوضات فى سويسرا والنمسا بين إيران والدول الست «الخمسة أعضاء الدائمين فى مجلس الأمن + ألمانيا» واستمرت أكثر من ثمانى سنوات حتى انتهت إلى اتفاق 13 يونيو 2015 الذى نص على استمرار حظر الأسلحة الذى تفرضه الأمم المتحدة على إيران مقابل رفع العقوبات الاقتصادية والسياسية عنها.

ورغم ترحيب العالم بالاتفاق فإن إسرائيل لم تخف مخاوفها من صعود القوة الإيرانية وتمددها فى سوريا ولبنان والعراق، ولكنها لم تنجح فى الضغط على الولايات المتحدة لنسف الاتفاق إلا بعد أن وصل دونالد ترامب إلى البيت الأبيض الذى وقع على خروج بلاده منه وإعادة العقوبات على إيران وكل من يتعامل معها وهو تهديد مباشر بطرد الشركات الأوروبية من الولايات المتحدة إذا ما استمرت فى إيران وقدر الاتحاد الأوروبى خسائر تلك الشركات بنحو 200 مليار دولار فى العام الأول إذا ما أصرت دولها على استمرار الاتفاق. وفى الوقت نفسه شعرت إسرائيل بحرية أكبر فى القيام بهجمات جوية على المنشآت العسكرية الإيرانية فى سوريا ولبنان.

والأسوأ أن استمرار هذه الحرب سيزيد من أسعار النفط مما يعنى زيادة أسعار الوقود فى مصر التى ستواصل رفع الدعم عنه ولسنا فى حاجة للقول بأن رفع سعر الطاقة يشعل النار فى أسعار باقى السلع والخدمات.

ولكننا نتجاهل ما يحدث وكأنه لن يؤثر علينا فالأهم لنا استراتيجيا على ما يبدو مصير محمد صلاح هل يبقى فى ليفربول أم سيخطفه ريال مدريد؟